خبر عندما تقول الجامعة « نعم ».. هآرتس

الساعة 10:04 ص|24 ديسمبر 2008

بقلم: ايال بنبنستي

بروفيسور في كلية القانون في جامعة تل ابيب

ما الذي يقوله بيان بيروت في واقع الامر؟ بعد سبع سنوات من مبادرة السلام السعودية واكثر من ست سنوات بعد حصول المبادرة على تأييد الجامعة العربية، يبدأ عندنا نقاش جماهيري حول هذه المسألة. بعض المتحدثين في الامر يتبعون نهجا ارتيابيا شكاكا، ويقول ان من وراء الـ "نعم" البيروتية تختبىء "لا" خيانية. النهج الشكاك هو نهج  صحيح وسليم، الا انه يستوجب جمع الحقائق وتقييمها. اليكم بضعة حقائق من مجال القانون الدولي المرتبطة باحدى المشاكل المركزية في الصراع: مطلب عودة اللاجئين الفلسطينيين.

بيان بيروت دعى اسرائيل الى اجراء مفاوضات سلمية تتضمن "حلا عادلا ومتفقا عليه لمشكلة اللاجئين وفقا للقرار 194، يقول الشكاكون، يعترف بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى منازلهم ولذلك يجب على اسرائيل ان تحذر من الوقوع في اغراء المبادرة العربية.

ولكن الحقيقة هي ان القرار 194 لا يعترف بحق عودة اللاجئين. على العكس: القرار نفى حق اللاجىء في العودة الى بيته. صحيح ان الفلسطينيين يدعون منذ سنوات التسعينيات ان القرار يعترف بحقهم في العودة، الا ان ادعاءهم بلا اساس يستند اليه.

في عام 1948 عندما صدر القرار في الامم المتحدة صوت العرب ضده. هم عارضوه لانهم لم ينجحوا في تضمين حق العودة فيه. لا بل ان القرار حدد للامم المتحدة هدف حل مشكلة اللاجئين من خلال اعادة توطينهم في الدول العربية. الصيغة التي قبلت كانت قابلة للتفسير السهل من قبل اسرائيل، لانها تركت بيديها خيار تحديد متى وكيفية قبولها للاجئين في اراضيها هذا ان ارادت.

الصراع حول صيغة القرار 194 كان مركبا وكثيفا. نقطة البدء كانت سيئة بالنسبة لاسرائيل، لان مسودة القرار الذي اقترحه برنادوت اعترف بـ "حق" اللاجئين (العرب فقط) بالعودة الى منازلهم باسرع وقت ممكن. الصيغة التي قبلت كانت مغايرة بصورة حاسمة: اللاجئون الذين يرغبون (هذا يشمل اللاجئين اليهود ضمنيا) يرغبون بالعودة الى منازلهم والعيش بسلام مع جيرانهم، يستطيعون القيام بذلك باقرب موعد عملي يتاح. صيغة القرار تركت كل الاسئلة مفتوحة والايجابات ايضا: من الذي سيقوم بتصنيف اللاجئين ويقرر عودتهم وعيشهم بسلام مع جيرانهم، وهل ستكون عودتهم عملية؟ وان كان الجواب ايجابيا فمتى سيتاح ذلك؟ وما الى ذلك من الاسئلة.

القرار شكل ايضا "لجنة مصالحة" والتي قدرت منذ بداية عملها ان التغيرات الناشئة خلال الحرب وبعدها يستوجب تنسيق كل مشروع لعودة اللاجئين مع اسرائيل، وان عدد اللاجئين الذين سيسمح لهم بالعودة سيكون متفق عليه ونهائيا. الجمعية العمومية للامم المتحدة قبلت هذا الموقف.

الموقف الذي ينفي حق العودة كان ايضا موقف القانون الدولي في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية. كانت هذه فترة اعتبر فيها نقل مجموعات سكانية بالاكراه طريقة ملائمة لتقليص الاحتكاكات العرقية وبناء هويات قومية وطنية. خلال التسعينيات بدا ان تغيرا قد طرأ على موقف القانون، في ظل اعمال التطهير العرقي في يوغسلافيا سابقا. الرغبة في منع المذابح والطرد قادت الى اعتراف واسع بوجوب اعادة اللاجئين الى منازلهم. خلال ذلك طمست الفوارق بين اللاجئين البوسنيين وبين الفلسطينيين. هذه كانت الفترة التي تبنى فيها الفلسطينيون القرار 194 واعتبروا انه يتضمن حق العودة كما يزعمون.

اكثر من عقد من السنين مر منذئذ وخلاله طرأت صحوة عامة من حل العودة. خطة الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان لحل الصراع القبرصي منذ عام 2003  يعترف بانه لا يحق للاجئين القبارصة العودة الى منازلهم. عنان يميز بين لاجئي البوسنة وبين القبارصة بسبب ظروف الحياة التي تغيرت خلال الثلاثين عاما التي مرت منذ اندلاع الصراع هناك، والاحتياجات الشرعية لاولئك الذين حلوا في منازل اللاجئين.

من الصعب المبالغة في مغزى ومترتبات اسبقيات موقف الامم المتحدة، الذي يعترف بحق الحكومات باجراء مفاوضات باسم اللاجئين. في اواخر 2008 هناك من يشكك حتى بحكمة مساعي عودة لاجئي البوسنة الى منازلهم، لان اعادتهم قادت الى وضع متأزم قد يتدهور في كل لحظة الى عنف متجدد.

هناك من يدعي ان بيان بيروت يتبنى قراءة الفلسطينيين لقرار 194. هذا الادعاء ليس منطقيا لعدة اسباب ، ومن بينها الاعتراف بالحاجة لموافقة اسرائيلية، والقول ان اللاجئين لن يوطنوا في الدول العربية التي تحول ظروفها الخاصة دون ذلك. هذا كان وعدا للبنان الذي ادرك ان البيان يتنازل عن مطلب العودة ولذلك سارع للدفاع عن توازنه الديموغرافي الهش. ولكن حتى ان كان الادعاء صحيحا في القول ان بيان بيروت يتبنى التفسير الفلسطيني، فان الاستجابة الاسرائيلية للمبادرة لن تكون اعترافا بحق العودة ان اخذنا التفسير الصحيح للقرار 194.