خبر قاع الانحدار الفلسطيني ..بقلم : د.عبد الستار قاسم

الساعة 06:08 م|23 ديسمبر 2008

اعتقلت السلطة الفلسطينية مؤخرا المجاهد رجب عوني توفيق الشريف من نابلس والمطلوب للقوات الصهيونية منذ عدة سنوات، والذي سبق الإعلان عنه شهيدا في محاولة لتضليل الأمن الإسرائيلي. لكن يبدو أن الأمن الفلسطيني الساهر على "أمن الوطن" قد حصل على معلومات مكنته من القبض على هذا المجاهد الصلب. هذا ليس حدثا منفردا، وإنما هو جزء من مسلسل يومي تحتكر الأجهزة الأمنية الفلسطينية بطولته، وذلك دفاعا عن المشروع الوطني الفلسطيني. فإلى أي منحدر ذاهب الشعب الفلسطيني، وهل هناك قاع معين يمكن أن يصله، فنقول إننا وصلنا معه خط النهاية؟ ليت السلطة تخبرنا فيما إذا كان هناك قاع، وتخبرنا عن حدوده إن وجد.

سأل فلسطيني يوما مسؤولا أمريكيا: "هل تريدون أن تكون السلطة الفلسطينية لحْدا جديدا؟" أجاب الأمريكي: "نحن نريدها لحدا زائدا." We want it Lahd plus

كتبت قبل 29 عاما وبالتحديد عام 1979 أن منظمة التحرير الفلسطينية ستعترف بإسرائيل. ثار أناس كثر في وجهي حينها، وسمعت الكثير من الاتهامات والشتائم بخاصة من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية. أما عام 1982، قلت لطلبة جامعة النجاح في محاضرة عامة إن معارضة منظمة التحرير لروابط القرى ليست مبدأية، وإن الخلاف فقط حول من يقود الاستسلام، وإن المنظمة ستقبل ما هو معروض على روابط القرى. لقد خيبت المنظمة ظني وقبلت بما هو أقل. مشروع روابط القرى أفضل من اتفاق أوسلو من حيث أنه كان يجمد الاستيطان، ويقيم حكما ذاتيا في الضفة وغزة دفعة واحدة مع بيت لحم عاصمة. بدأت في حينه ضدي حملة شعواء من التخوين والتشكيك والتعامل مع العدو، الخ. كان هناك من جنّد جيشا من المشككين اللاعنين الذين قالوا بي أشياء كثيرة ومتنوعة. كانت قيادة منظمة التحرير في تلك الفترة تقوم بحملة دعائية قوية ضد كل من ينتقدها، وبسهولة كانت تتهمه بالخيانة والعمالة للعدو، وكان هناك من يصدقها. طبعا هذه القيادة تشن هجوما شديدا الآن ضد كل من يحاول تخوين الآخرين.

عام 1988، قلت للإخوان في حركة فتح أثناء نقاش سياسي في معتقل النقب إن الاحتلال سيؤجرهم بعض سجونه لكي يعتقلوا المناضلين الفلسطينيين. لقد حملوا علي في حينه، وقالوا إنني لا أستطيع إدراك ذكاء القيادة الفلسطينية.

عام 1993، كتبت بأن اتفاق أوسلو عبارة عن وصفة ممتازة للاقتتال الفلسطيني، فقالوا إن هذا تشويه للإنجازات الوطنية. وفي ذلك العام قالوا بأن اتفاق أوسلو سيعيد اللاجئين إلى وطنهم، فكتبت قائلا بأن الاتفاق لن يعيد اللاجئين، وسيكون ركنا أساسيا في طرد الفلسطينيين الموجودين في فلسطين المحتلة/48.

هذا لأن الخلل داخل منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية تركيبي وليس عرضيا، ومسألة التوقعات في ظل هذا الخلل لا تتطلب الكثير من الذكاء.

نحن الآن في أواخر عام 2008، وأحاول أن أقرأ إلى أين أي قاع نحن الشعب الفلسطيني ذاهبون، فأرى:

1-  أمام الأخوة في حركة فتح أن يختاروا بين تغييب فتح، واللحاق بالركب الأمريكي الذي لا يقبل من بقي في قلبه ذرة نضال، أو أن يبحثوا عن أعمال توفر لهم بعض تكاليف المعيشة. على من يريد المحافظة على راتبه أن يكون أسوأ من أنطوان لحد اللبناني، وإلا فإنه سيوضع تحت المجهر. هناك كتاب عرب الآن يصفون فلسطينيين بالفياضيين مقابل اللحديين اللبنانيين.

 

2-  كان القبول بمشروع روابط القرى خيانة، أما الآن فاتفاق أوسلو عبارة عن مشروع وطني. غدا سيكون التمسك بالأرض دربا من دروب التطرف، وعلى الوطني الصادق أن يبيع أرضه أو يبارك مصادرتها لأن العدو سيقوم بإنشاء مصانع ومزارع يشتغل فيها الفلسطينيون ويكسبون لقمة خبزهم. التمسك بالأرض سيصبح جريمة بحق الشعب الفلسطيني الذي يبحث عن لقمة الخبز لأطفاله.

3-  الآن الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني المتسول الذي يقدم خدمة للعدو لقاء الراتب. أما غدا فالفلسطيني الجيد هو الذي يبحث عن عمل خارج الوطن لكي يحول أموالا لأهله الجوعى في الداخل. سيقولون للفلسطيني غدا إن عليه أن يكون منتجا، وسيدفعونه دفعا للعمل خارج الوطن بحجج وتبريرات وطنية.

4-  اليوم الخبز أهم من الحرية، وغدا الخبز أهم من الوطن. إسرائيل تريد إقامة دولة اليهود في فلسطين، ولا مكان للفلسطينيين في فلسطين، وعليهم إقامة دولة في الأردن. سيقولون إن الفلسطينيين في الأردن أكثر عددا من الفلسطينيين في الضفة وغزة، ومن الواجب الوطني أن تنضم الأقلية إلى الأكثرية.

بالتأكيد ما أقوله يرسم صورة قاتمة، لكنني حقيقة أرى الصورة الفلسطينية قاتمة، كما رأيتها قاتمة على مدى عشرات السنين. من المهم أن يكون المرء واضحا وألا يساهم في خداع هذا الشعب، لكن الأهم هو كيف نعمل من أجل قلب الموازين لكي نصنع الظروف الملائمة لصورة مشرقة. لدي الكثير من المقترحات التي قدمتها للناس عبر الزمن، ويبدو أن الناس مهتمون بالمناكفات أكثر مما هم مهتمون بالبحث عن حلول. بالكاد تجد من يتفاعل معك عندما تقدم حلولا، لكنك تجد الصفحات مليئة بردود الفعل عندما يتعلق الأمر بمناكفات الفصائل.

هل سنصل إلى هذا الحد؟ قناعتي بأننا سنصل إذا بقيت السلطة الفلسطينية القائمة حالية ممسكة بزمام الأمور من خلال أموال الدول المانحة. لكن قناعتي أيضا أن موازين القوى قد اختلت، ولا يدوم على ما هو إلا هو.