خبر عمليات اقل، كراهية اكثر.. هآرتس

الساعة 12:34 م|23 ديسمبر 2008

بقلم: بني حيفتس

لا حاجة للسفر بعيدا للوصول الى دولة اخرى. خمس دقائق فقط عن كفار سابا. هذه الكلمات كتبت خلال فترة الخدمة الاحتياطية في منطقة قلقيلية. قضاء الخدمة الاحتياطية في المناطق هو بالنسبة لي مسالة عادية- في كل عام ومنذ سنوات طوال- ومعاناة الفلسطينيين لم تكن غريبة علي . ولكن في هذه المرة وجدت نفسي امام واقع جديد ومثقل- كل ذلك بفضل الجدار الفاصل.

الدولة كرست اموالا كثيرة لبناء الجدران ومنع دخول الفلسطينيين الى الخط الاخضر، وهذه مسالة يمكن الترحيب بها فقط. ولكن اضافة الى وضع العراقيل والمعيقات (الجدار)، تم تضمين (اي في الجانب الاسرائيلي من الجدار) المستوطنات في اطاره، وهكذا اصبحت مدينة فلسطينية كاملة في سجن- قلقيلية- بين الجدران المحيطة بها. من لم يرى ومن لم يتجول على طول الجدار لن يفهم ما اقوله. قلقيلية القرية حبلة (60 الف نسمة) حتى لا "يشعر" سكان الفي منشيه (6500 نسمة) انهم يعيشون في المناطق. حتى يتوجه سكان الفي منشيه للعمل صباحا غير مضطرين لاجتياز الحاجز وحتى لا يشعروا "بانهم يمرون بمعبر الخط الاخضر" وضع هذا التصميم. الوصول الى الحبلة القريبة، يستوجب سفر سكان قلقيلية عبر نفق "للفلسطينيين فقط". اما ان ارادوا الوصول الى اماكن اخرى في الضفة؟ فعليهم الوقوف امام الحاجز.

السخافة غير المنطقية في منطقة قلقيلية تتقزم بالمقارنة مع سخافة وضع التجمع السكاني المجاور لها واسمه راس الطيرة. راس الطيرة هذا ضمن داخل الخط الاخضر الذي يحيط بالفي منشيه. الجدار يتسبب بعزل الاطفال عن مدارسهم الموجودة وراء الجدار في قرية راس عطية، وعزل قرية باكملها عن محيطها. فقط بفضل محكمة العدل العليا يمكن لسكان راس الطيرة ان يجتازوا بوابة "نسيج الحياة" طوال اثني عشر ساعة في اليوم. ما الذي يفكر به الاطفال وهم متوجهون الى مدارسهم عندما يقوم الجنود بتفتيشهم؟ الا نتسبب من خلال ذلك تأليب جيل باكمله من الكارهين والانتحارين المحتملين ضدنا؟ ولماذا كانت هناك حاجة لتمزيق قرية باكملها وانتزاعها من نسيج حياتها الطبيعي؟ الجواب واضح- كل ذلك من اجل سكان مستوطنة الفي منشيه الذين يشعرون .... انهم في كفار سابا.

الجدار الفاصل، اقيم على المسار الذي عزل فلسطينيين كثيرين عن اراضيهم التي يحق لهم ان يدخلوا اليها فقط عبر بوابات "نسيج الحياة". هذا كلام يروق للسامعين للوهلة الاولى، ولكن قسما من هذه البوابات المذكورة مفتوح (بفضل محكمة العدل العليا) فقط لبضع ساعات في اليوم. تخيلوا بينكم وبين انفسكم المزارع الذي يتوجه لفلاحة ارضه، ولكن لا يمكنه ان يعود الى منزله، لانه مضطر لاصلاح انبوب ماء انفجر او ترميم اي شيء قد اعطب، او يتوجب عليه ان يرش المبيدات هكذا في ساعات المساء. ليس بامكانه ان يفعل كل هذه الامور. من اللحظة التي يعود فيها المزارع في الوقت غير المناسب ويدخل البوابة عائدا للجانب الفلسطيني يصبح مشبوها ومتهما بانه متواجد بصورة غير قانونية. وفي احسن الاحوال يتوقع ان ينتزع منه تصريح المرور الذي يمتلكه.

اليكم سخافة غير منطقية اخرى: تحديدا في النقطة الاكثر اشكالية في الجدار- حاجز الخروج الرئيسي لاسرائيل على طريق رقم 55 باتجاه كفار سابا. الحاجز، من الشرق للغرب، مخصص لاتاحة المجال لمرور الاسرائيليين ومنع مرور الفلسطينيين لاسرائيل وبالاساس لمنع دخول الاشخاص غير المصرح لهم والاسلحة والسيارات المفخخة.

ولكن حتى يشعر المستوطنون انهم يعيشون في وسط البلاد، التعليمات التي صدرت للجيش الذي يشرف على الحاجز تنص على عدم التسبب بانسدادات مرورية طويلة جدا عند المخرج من المناطق لاسرائيل ( خمس دقائق انتظار في الحد الاقص) ، ومن اجل تقصير الانسداد يسمح بل ومن المرغوب محاولة التقليل من التفتيش للسيارات. معنى ذلك: احتمالية اكبر لتهريب السلاح والسيارات المفخخة لاسرائيل، واحتمالية اكبر لتهريب اللحوم والبيض وغيرها من المنتوجات. وكل ذلك حتى لا يتاخر المستوطنون وهم في طريقهم الى العمل او عائدين الى منازلهم. وماذا سيحدث ان جرت عملية تخريبية؟ المستوطنون الذين يتسببون في هذا الوضع، سيسعون ويطالبون بالانتقام بالتاكيد.

لا شك ان الجدار الفاصل يبرر وجوده من الناحية الامنية. النتائج، المتمثلة بالتخفيض الملموس للاعمال الارهابية، تتحدث عن نفسها. ولكن من المهم ان نفهم وندرك الثمن الاخلاقي والاجتماعي والقيمي الذي ندفعه مقابل موقفنا من الفلسطينيين ومعاملتنا لهم. نحن نكسب على المدى القصير عددا اقل من العمليات ولكن على المدى البعيد نربي جيلا يواصل كراهيتنا والاشد من ذلك بلاءا- نقوم بافساد ابنائنا اجتماعيا واخلاقيا.