خبر العرب والفرص الضائعة ..د. محمد صالح المسفر

الساعة 07:45 ص|23 ديسمبر 2008

عندما تحدق بالولايات المتحدة أزمة أياً كان نوعها فإنها توجه وجهها نحو العرب لمساعدتها أو لابتزازهم من اجل حل أزماتها. لن أغوص في تاريخ أزمات أمريكا واستغلال العرب لحل أزماتها المختلفة، لكن لا بد أن نقف عند محطات هامة في تاريخ الأزمات الأمريكية. في الثمانينات من القرن الماضي واجهت الحكومة الأمريكية أزمة شديدة في منطقة الكاريبي وتعذر عليها توفير الأموال اللازمة لمواجهة المد التحرري في تلك المنطقة فكانت قبلتها العالم العربي الذي زودها بالمال الوفير لمواجهة الحركات الوطنية في الكاريبي التي ترفض الهيمنة الأمريكية.

في مواجهة الاتحاد السوفييتي ومنذ خمسينات القرن الماضي وحتى انهياره في أواخر ذلك القرن، كان المال والإعلام والمجاهدون العرب في خدمة المشروع الأمريكي من أفغانستان إلى الصومال إلى السودان. العرب حاصروا ليبيا التي يحيط بها أربع دول عربية لسنوات طويلة لرغبة أمريكية ولم يفك حصار ليبيا سوى الزعماء الأفارقة. العراق حوصر لثلاثة عشر عاما بموجب قرار أمريكي ويحيط به أربع دول عربية كانت مناطق انطلاق القوات الأمريكية والبريطانية لغزو العراق واحتلاله. الصومال دولة عربية - بحكم عضويتها في الجامعة العربية ومنظمة الموتمر الإسلامي - تعتصرها الأحداث ويعبث بها الأمريكان والأحباش والعرب يتفرجون ولا يحركون ساكنا لإنقاذ الصومال من الضياع مرضاة لأمريكا، والسودان حدث ولا حرج.

غزة فلسطين، تصارع من اجل الكرامة والحياة الحرة وهي تعيش بين فكي الكماشة. حصار عربي تفرضه القيادة المصرية وسلطة تعيش في رام الله تريد الانتقام من أهل غزة لأنهم فضلوا حماس عنهم في الانتخابات الماضية، وحصار وعدوان مسلح تشنه القوات الصهيونية على أهل غزة والعرب يتفرجون ولا يتدخلون إرضاء لأمريكا أو خوفا منها لكون أمريكا ترفض أي سلطة عربية لها علاقة بالنظام الإسلامي.

الرئيس الأمريكي بوش الابن جرجر وزراء خارجية الدول العربية وبعض الدول الإسلامية إلى مؤتمر انابوليس العام الماضي وكان في الحفل ايهود اولمرت ومحمود عباس، وخرج الأول اولمرت من المؤتمر مزهوا بالنصر والفرح، وخرج عباس بالكاد ينظر إلى كاميرات التلفزة العالمية خجلا مما فعل مكتئبا من نتائج ما حصل. كل هذا جرى ويجري والعرب صامتون خوفا أو استرضاء لأمريكا.

في هذا الاطار تقول كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية أمام مجلس الأمن الدولي وبحضور كوكبة من عرب الاعتدال في الأسبوع الماضي 'لا يوجد (للفلسطينيين) درب آخر غير مسار انا بوليس' يعني لا قبول بمبادرات عربية، ولا بقرارات الأمم المتحدة، ولا قبول إلا بما تقبل به إسرائيل. ومن حقنا أن نسأل الوزراء العرب الميامين الحاضرين في ذلك المؤتمر أين تعهداتكم واشتراطاتكم لقيام الدولة الفلسطينية بنهاية هذا العام. كلام في الهواء.

العالم يمر بأخطر مرحلة اقتصادية منذ عقود من الزمن، والذي صنع هذه الأزمة العالمية وصدرها إلى بقية العالم هي أمريكا، بمعنى آخر، الولايات المتحدة والنظام الرأسمالي الشرس الذي تهيمن عليه لم يجد جهة يتجه إليها إلا العالم العربي وبالأخص الدول الخليجية لإنقاذه من الإفلاس. رئيس وزراء بريطانيا زار الدول الخليجية في الأيام الماضية نيابة عن النظام الرأسمالي الأمريكي يناشد أو يأمر الدول الخليجية بإنقاذ ما أفسدته الإدارة الأمريكية في الاقتصاد العالمي، لا شك بأنه وجد تجاوبا متحفظا من البعض وتجاوباً ايجابياً من الخائفين المرتعشين من بؤرة الشر العالمي.

بعض الدول الخليجية استجابة لمطالب الإدارة الأمريكية الآفل نجمها وتقربا منها تبرعت بشراء اسلحة مساهمة منها في المساعدة في انقاذ الاقتصاد الأمريكي والحق ان تلك الاسلحة لا ضرورة لها ولا نفع منها الى جانب ثبوت عدم فعاليتها الحربية، ونسأل ما فائدة القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة - التي في اعتقادي اننا نتحمل معظم نفقاتها إن لم يكن كلها - والاتفاقات الأمنية طويلة الأجل مع أمريكا وغيرها من الدول الغربية؟

لا يمكن لولاة الأمر فينا نحن أهل الخليج على وجه التحديد أن ينكروا بان استثماراتنا والصناديق السيادية والودائع في خارج الوطن العربي قد تعرضت لخسائر كبيرة، ولا استبعد أن يفرض على دول مجلس التعاون الخليجي عقد صفقات تسلح وهمية بحجة مواجهة القرصنة في جنوب البحر الأحمر بما يزيد عن عشرات المليارات من دولار. اضف الى ذلك ان مؤسسة كلينتون تبرع لها عرب الخليج بما يزيد عن ثلاثين مليون دولار معلنة، فهل السيدة كلينتون سترد الجميل للعرب بتبني قضاياهم العادلة عندما تتسلم مهامها في الخارجية الأمريكية.

آخر القول: أمريكا في أزمة وكذلك النظام الرأسمالي برمته، ونحن المنقذون وقد جاؤوا إلينا طالبين النجدة فلماذا لا نستفيد من هذه الفرصة لفرض وجودنا في المؤسسات الدولية وفرض إرادتنا لاسترداد حقوقنا في فلسطين ودحر المحتلين من العراق وحماية السودان من الهلاك وإنقاذ الصومال مما آل إليه الحال.