خبر إنها القدس ..!!

الساعة 08:05 ص|06 ديسمبر 2017

فلسطين اليوم

بقلم : أكرم عطا الله

التاريخ أقوى عناداً من البشر، لا يتم تزييفه بجرة قلم من سياسي عابر وجاء بالصدفة في أحد مساراته الخاطئة، كثير من الطغاة حاولوا بكل ما امتلكوا من قوة انتهوا بضحكة نهاية ساخرة في الكتب بعد أن حاولوا أن يضعوا لافتات جديدة وأسماء جديدة لمدن مغروسة في قلب الحضارات، انصرفوا وبقيت المدائن.

القدس زهرتها وروحها وألقها وسجادة صلاتها وصوت مآذنها وجرس كنيستها، هي ليست مدينة عابرة في التاريخ ككل المدن هي عبق التاريخ المعتق في حجارتها وترنيمة الأنبياء وحفيف أجنحة الملائكة وناي الرعاة الأولين وهم يصعدون هناك نحو جبال كانت شاهدة التاريخ على هزيمة كل الغزاة.

القدس هي ابنة التاريخ المعذب والمصلوب على خشبة الطامعين بهذه الأرض وهي القبلة الأولى والركعة الأولى والآية الأولى وشجرة الزيتون وحجارة الوادي التي لم تجرفها مياه المعارك المتدفقة بلا توقف برائحة الدم، كم شهدت تلك البقعة الطاهرة من لصوص الأرض والغرباء؟ كلهم ذهبوا وبقيت مدينة الصلاة.

القدس مدينة الله التي كلفها بتتويج الأنبياء ومسح رؤوسهم بزيتها المرصع بالطهارة لا تترك لحفنة مستوطنين كل همهم التقاط الصور في باحاتها فهي التراث الروحي للإنسانية جمعاء لا تُسَلَّم لمن يحاولون تغيير وجهها وأسماء شوارعها واقتلاع حجارة سار عليها المسيح نحو الصليب بعد أن وشى به يهودا الإسخريوطي.

يرتكب الرئيس الأميركي حماقته الكبرى إن فعلها اليوم محاولاً التلاعب بأوراق ملكيتها التي تشهد عليها الجدران والبوابات وآبار الكنعانيين وفخار الجرار وقباب المساجد وصلبان الكنائس وطبقات الأرض التي كلما اجتهد الباحثون عن أسرارها اكتشفونا هناك منزرعين منذ القدم نحمي الجذور بما سال من دم ولحم على هذه الأرض منذ معاركنا الأولى دفاعاً ورقيمات كتبت رواية مهدنا.

إنه العالم الذي يتشح بالسواد اليوم حين يحني رأسه لغطرسة القوة، اليوم الذي يسجل موت الضمير العالمي الذي نام عقوداً من الظلم ليعلن رئيسا عابرا موتاً برجّة عنيفة كفيلة بإفاقة كل الموتى ولكن عندما يسير التاريخ معاكساً للإنسانية تنعدم المعايير وحين يتسلم سليل القرصان مورجان قيادة العالم فعلى الدنيا السلام.

قال بيلاطس وهو يذهب بالمسيح نحو الخشبة ” إني بريء من دم هذا البار” لكن بيلاطس الأميركي يوغل في دمنا وأرضنا ومسقط رأسنا وتاج روحنا وعاصمة تراثنا الروحي وتراث البشرية الانساني، هي بوابة السماء وهناك صعد النبي نحو الله وهناك سار المسيح نحو نهاية أخرى هي بداية انبعاث التمرد على الظلم.

اعتقد بيلاطس أنه أقام مملكته وعاصمته واتكأ على سيفه مرة وللأبد وظن مثله كثير من الطغاة الذين حفظتهم القدس عن ظهر قلب وهزمتهم حواريها لأن كل زاوية فيها تسبح باسمه وتؤذن حي على الكفاح.

انها القدس حيث أقدام الأنبياء وخطوات الحواريين، إنها حلم ياسر عرفات ووصية صفرونيوس وعهدة عمر، هي المسجد والكنيسة والقباب المقلوبة وتاريخ نبت بين الحجارة العتيقة التي تغسلها قارورة عطر السماء، هي الدمعة المتحجرة في المقل حين تدوسها سنابك خيل الطغاة هي كل ما سال منا من حنين لكل ما فيها واندلق على بواباتها.

هي الماضي الذي تسمر فينا بلا هوادة وسيف ارادتنا المرصع بالحماسة ليست قطعة أرض بل قطعة من الروح التي تنتفض كلما احتلها الطغاة لتعلن في كل مرة انتصارها من جديد ولم ترفع رايتها البيضاء ولن يكون الاحتلال الأخير استثناء فمدينة الله لا تنهزم.

نعتذر للأنبياء سامحنا يا نبي الله عيسى لأن واحداً من أبناء دينك يعين “باراباس” والياً على مدينتك ووصياً على قيامتك وسامحنا يا رسول الله لأن مدينة الرسالة سرقت على مرأى ومرمى من أمتك المترامية منزوعة الروح، لكن ثقوا بأهل القدس لأن بها زيتاً كفيل بشحن أهلها الى يوم الدين لن يتركوا للتاريخ أن يمارس نزواته كما يريد العابرون فهم يصوبون مساره كلما تمت رشوته أو صوبوا المسدس في رأسه لأنها مدينة الانسانية وقيم الحضارة …إنها القدس..!!

كلمات دلالية