خبر ما وراء «التهدئة» في الأجندة الإسرائيلية ..نواف الزرو

الساعة 11:05 ص|22 ديسمبر 2008

ـ البيان الإماراتية 22/12/2008

الأسئلة الكبيرة والمهمة المطروحة اليوم بعد ان انتهت «التهدئة الملغومة» هي: إلى أين ستسير الأوضاع الفلسطينية، وهل تسير يا ترى باتجاه «تهدئة جديدة» صامتة غير رسمية وغير متفق عليها.ام تسير باتجاه آخر مختلف.. باتجاه المواجهات الشاملة وربما باتجاه انتفاضة فلسطينية ثالثة...؟!

فبعد ان سقطت عمليا استراتيجية الحصار والتجويع ومرحلة إسقاط حكم حماس في غزة، كان من الطبيعي ان تنتهي «التهدئة» إلى ما انتهت إليه، وأن تعود الأوضاع إلى مربعها الأول.فإلى أين ستفضي ديناميكية التطورات والأحداث الدراماتيكية في غزة إذن...؟!. الأصل في التهدئة، أي تهدئة بين أطراف متحاربة أن تسري على كافة الجبهات وتشتمل كافة العناوين المتعلقة مباشرة بالجبهات.

غير أن التهدئة التي كانت على مدار الشهور الستة الماضية كانت عرجاء ومن طرف واحد هو الفلسطيني إلى حد كبير، بينما واصلت دولة الاحتلال سياساتها المشار إليها. واليوم ما تزال تلك الدولة الاحتلالية تصر على «تهدئة» من طرف واحد فقط، وحتى ان الرئيس الأميركي جيمي كارتر اقترح على حماس «تهدئة من جانب واحد».

حيث قالت مصادر فلسطينية «إن قادة الفصائل في دمشق رفضوا عرضاً لتمديد التهدئة من جانب واحد لمدة ستة شهور طرحه الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر على خالد مشعل خلال لقائهما في العاصمة السورية»، بل وكما نتابع فان روسيا ومصر وغيرهما تطالبان حماس والفلسطينيين بـ «تهدئة أحادية الجانب»، أي أن يلتزم بها الفلسطينيون في حين تبقى يد الاحتلال طليقة على سبيل المثال ليس فقط بالتحكم بالمعابر والبوابات المختلفة في القطاع، وإنما أيضاً لاقتراف الاجتياحات والاغتيالات والاعتقالات والمصادرات والاستيطان في أنحاء الضفة..!.

فلماذا إذا هذا الصلف والإصرار الإسرائيلي على «تهدئة أحادية الجانب» رغم إجماعهم على «خيار الحل والحسم العسكري و«قطع رؤوس القيادات الفلسطينية»...؟!. تنطلق دولة الاحتلال في سياساتها تجاه غزة كما أعلن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي آفي ديختر من «ان غزة بالنسبة لإسرائيل ليست مدينة في لبنان أو إيران فهي مدينة تخصنا، وأي زعيم إسرائيلي قادم لا ينجح في معالجتها فلن يبقى على كرسي الحكم لفترة طويلة».

ولذلك ؟ فان السياسة العلنية والسرية الإسرائيلية على حد سواء تعمل دائما من اجل تحقيق هدفين كبيرين حسبما يؤكد لنا الكاتب الإسرائيلي المناهض للاحتلال «باروخ كيمرلنج- توفي مؤخرا-» في هآرتس هما:

الأول: منع الفلسطينيين من إقامة دولة سيادية قابلة للحياة وفي نفس الوقت توفير الوقت الكافي أيضاً لتكريس واقع الاستيطان.

الثاني: إذكاء الكراهية وشهوة الانتقام لدى الطرفين الفلسطينيين المتقاتلين للبرهنة ثانية وثالثة على صحة البدهية التي خرج بها الجنرال باراك، في حينه، ومفادها انه لا يوجد شريك فلسطيني»... وان الفلسطينيين ليسوا جديرين بالدولة...!

ونقرأ في الأجندة الإستراتيجية الإسرائيلية المبيتة وراء سياسة «التهدئة في غزة» و«التسخين في الضفة»، تلك النوايا الخبيثة الرامية إلى التفكيك والمزيد من التفكيك في الوضع الفلسطيني، وكانت صحيفة «هآرتس» العبرية قد كتبت في صميم ذلك قائلة: «يبدو أن وقف إطلاق النار حتى وإن كان هشاً سيكون مؤشراً لنقطة اللاعودة في الانشقاق الفلسطيني وانفصال المجتمع الغزاوي في كيان مستقل».

وأوضحت «أن الفصل بين مليون ونصف مواطن في غزة وبين الضفة يتيح لإسرائيل عملية سيطرة غير مباشرة من الخارج» مضيفة: «هذه السيطرة قد تتبدل بعد فترة طويلة من الحصار والعنف بسياسة عدم التدخل والتنمية الاقتصادية كوسيلة لتحويل الموارد البشرية من «العنف» إلى آفاق تطورية بناءة - أي إلى ما يسمونه اليوم «الافق الاقتصادي»، واعتبرت الصحيفة «أن الكانتون الفلسطيني ؟ الضفة - الذي تتقلص مساحته إثر توسع المستوطنات ويعيش فيه مليونا إنسان يعتبر اليوم لب الشعب الفلسطيني، لكنه يتحول بسرعة «إلى منطقةٍ ملحقةٍ بإسرائيل بكل معنى الكلمة وفيه مجريات سياسية تشبه تلك التي مر بها عرب الـ 1948».

الكاتب الإسرائيلي آفي يسسخروف يتحدث في هآرتس عن «إقامة ثلاث دول للشعبين» قاصدا دولتين فلسطينيتين واحدة في غزة والأخرى في الضفة إلى جانب «إسرائيل، يضاف إلى ذلك» ان إسرائيل تعمل على صياغة قانونية أمنية تفصل غزة عن الضفة وتتيح عزل حماس «كما ذكرت صحيفة «هتسوفية» الإسرائيلية، مردفة: «ان إسرائيل بدأت صياغة رؤيا أمنية وقانونية جديدة حول ضرورة الفصل في التعامل بين قطاع غزة والضفة الغربية بحيث تعتبر سلطة الفلسطينيين في الضفة معتدلة يجري التعامل معها بطريقة مختلفة عن سلطة حماس المتطرفة».

ولذلك يخطط الاحتلال ويصر على ان يواصل كافة سياساته رباعية الأبعاد: الحصار والتجويع والتركيع تجاه غزة بهدف مشاغلتها وإضعافها وتركيعها من جهة. والاجتياحات وبناء الجدار والأطواق والاستيطان والاغتيالات والاعتقالات الجماعية في مدن وقرى ومخيمات الضفة من جهة ثانية. ومواصلة تهويد وابتلاع المدينة المقدسة وإخراجها من كافة الحسابات من جهة ثالثة. وإجبار الفلسطينيين في نهاية المطاف على القبول بخرائط التسوية الإسرائيلية من جهة رابعة..!.

هناك في «إسرائيل» يعتقدون أن هذا الانشطار الفلسطيني بين غزة والضفة يشكل مصلحة إسرائيلية عليا، ويقدم «لحظة تاريخية» مواتية جدا لهم للإجهاز على القضية برمتهاـ وهم ان كانوا يصرون على تهدئة أحادية الجانب فذلك في إطار هذه الاستراتيجية، رغم إجماعهم السياسي والعسكري والأمني على «قطع رؤوس القيادات الفلسطينية»..!.

لكل ذلك كان من الطبيعي ان يرفض الفلسطينيون بإجماع فصائلهم كل الضغوط الرامية إلى إجبارهم على تهدئة «أحادية الجانب» لا يستفيد منها سوى الاحتلال...!.

فاما تكون «تهدئة» شاملة حقيقية تفتح المعابر هناك في غزة وتطلق حرية الحركة والتنقل والعيش بكرامة، وكذلك «تهدئة» حقيقية في الضفة توقف كل الجرائم الاحتلالية كخطوة على طريق الاستقلال، وأما ستفعل ديناميكية الأحداث والضغوطات فعلها على الأرض في سياق سيناريوهات تفجيرية شاملة...!