خبر جزاء من جنس العمل/ فهمي هويدي

الساعة 07:48 ص|22 ديسمبر 2008

 

21/12/2008  14:57 

 

أسخف ما قرأت في التقارير الصحافية التي تابعت حدث قذف الرئيس بوش بالحذاء، ان جهات التحقيق شُغلت بالبحث عن حالة منتظر الزيدي النفسية والعقلية، وبالتثبت من أنه تعاطى أم لا مواد مخدرة أو كحوليات قبل إقدامه على العملية، أو أنه تلقى أموالاً من أي جهة لذلك الغرض. وجه السخافة في هذا الكلام أن الذين أثاروا تلك الشكوك استبعدوا من البداية فكرة أن الشاب أقدم على فعلته لأنه عراقي شريف وغيور، أراد أن يثأر لكرامة بلده وشعبه بالوسيلة التي أُتيحت له، وأنه وجد المؤتمر الصحافي الذي تتابعه وسائل الإعلام العالمية فرصة للتعبير عن كراهيته للرجل الذي أمر باحتلال بلاده، وللانتقام «لدم العراقيين» وهي العبارة التي رددها أثناء إلقاء الحذاء وسمعتها بأذني، حيث تم بث اللقطة على شاشات التلفزيون. وتصرفه على هذا النحو يدل على سلامة قواه العقلية، ويشهد له بأنه على درجة عالية من النضج والرشد، ولم يكن بحاجة الى مخدّر يتعاطاه أو مموّل يشجعه على القيام بالعملية. ولذلك قلت امس إنه كعراقي وجّه الرسالة المناسبة الى الرجل المناسب في المكان والزمان المناسبين.

 

ولا أخفي شعورا بالقرف والرثاء، إزاء الذين انتقدوا ما جرى، سواء فعل الشاب منتظر الزيدي، او رد الفعل الذي عبر عنه الناس في العالمين العربي والإسلامي على الأقل. فوصفوا سلوكه بأنه غير مهني وغير حضاري. واتهموا جماهيرنا التي احتفت بالعملية بالغوغائية والعجز. صحيح أن هؤلاء قلة شاذة واستثنائية، لكنهم أسمعوا الآخرين أصواتهم من خلال الصحف اللندنية بوجه أخص، التي كتب احدهم فيها معبراً عن غيرته على كرامة الرئيس الاميركي أكثر من غيرته على كرامة الشعب العراقي.

 

لقد فهمت استياء الذين جاءوا على ظهر دبابات الرئيس بوش في العراق، التي لولاها لما كان لهم ذكر أو دور، لكني أستغرب ما قاله غيرهم، ممن نسوا أن الرئيس الاميركي مسؤول عن قتل اكثر من مليون عراقي خلفوا 4 ملايين يتيم ومليوني أرملة، وهو أيضاً مسؤول عن هجرة أربعة ملايين مواطن إلى خارج بلادهم وثلاثة ملايين آخرين داخل البلد. كما انه مسؤول عما لحق بالبلد من دمار وخراب، وبكل ما لحق بالعراقيين من بطالة وذل وهوان.

 

نسوا ايضا ان الشاب منتظر الزيدي تصرّف كمواطن عراقي يملأ قلبه الغضب والحقد على الرئيس الاميركي وما يمثله. ومن حقه، بل من واجبه أن يغضب، شأنه في ذلك شأن أي مواطن عادي شريف وغيور، وهو لم يتصرّف كصحفي، ولا أظن أنه خطر له أن يرسي بما فعل تقاليد جديدة في مهنة الصحافة، وإدانته أو اتهامه من هذه الزاوية يُعد من قبيل الهزل في موقع الجد، ولا أعرف ما دخل المهنة أو الحضارة في الموضوع، ذلك أن الذي حدث كان تصرفا شخصيا لشاب رفض أن يبتلع الغضب أو يختزنه، ولم يجد سوى هذه الوسيلة التي عبّر بها عن غضبه. صحيح أنه لم يكن ليجرؤ على فعل ذلك في ظل نظام صدام حسين، الذي تعرّض للاغتيال هو وابنه أكثر من مرة، لكنه استطاع أن يفعلها مع الرئيس بوش، فما وجه العيب في ذلك؟ وهل المطلوب من العراقيين جميعاً ان يمتنعوا عن اي فعل مضاد للاحتلال لمجرد انهم كانوا مقهورين وعاجزين طوال سنوات حكم صدام حسين، وما وجه المؤاخذة في احتفاء الأمتين العربية والاسلامية بشجاعة الشاب الذي استطاع بفعلته أن يعبّر عن سخط الأمة كلها وكراهيتها للرجل وسياسته؟ ألم يعلنوا بموقفهم ذاك أن ما فعله منتظر الزيدي ليس تعبيراً عن غضب شخص، ولكنه تأكيد لموقف أمة ضاقت بما وجّهه الرئيس الاميركي اليها من إهانات طوال سنوات حكمه. وإذا كانت هناك صور عديدة لتوجيه هذه الرسالة، على نحو أفضل وأكثر فاعلية، فما الذي يمنع من القبول بالحد الأدنى إذا تعذر بلوغ الحد الأقصى؟

 

إن ما فعله الرئيس بوش بالعراق لا علاقة له بالأعراف الدولية ولا بالحضارة ولا بأي قيمة إنسانية نبيلة، لذلك لم يكن غريباً أن يُردّ عليه بحذاء يُقذف في وجهه، ليكون جزاؤه من جنس عمله.