خبر اصرار السعودية على السير في الاتجاه المعاكس أدى بها الى طريق مسدود- هارتس

الساعة 03:27 م|10 نوفمبر 2017

فلسطين اليوم

بقلم: تسفي برئيل

أكثر من عشرة آلاف شخص قتلوا في الحرب في اليمن منذ اندلاعها في 2014. مليون مواطن تقريبا أصيبوا بمرض الكوليرا. حسب معطيات الامم المتحدة، أكثر من سبعة ملايين مواطن يعانون من الجوع، ومئات الآلاف أصبحوا بلا مأوى. هذه المعطيات الفظيعة التي تبدو شاحبة مقارنة مع المذابح التي تجري في سوريا في السنوات الاخيرة، لا تكفي لاثارة الرأي العام العالمي، أو على الاقل الحكومات في الغرب.

طائرات السعودية واتحاد الامارات القتالية تقوم بقصف تجمعات المتمردين الحوثيين بلا توقف، والتي يعيش فيها ايضا مدنيون أبرياء، لكن هذه حرب تعتبر « حرب مبررة ». لقد تم وضعها في اطار حرب الاخيار ضد الاشرار: السعودية ضد ايران والولايات المتحدة ضد الارهاب. هذه ايضا هي الحرب الاولى منذ الربيع العربي التي تحارب فيها دولة عربية في اراضي دولة عربية اخرى. هذا حدث حتى سوريا لم تنجح في تحقيقه. التطور الجديد هو الحصار البحري والبري الذي فرضته السعودية في هذا الاسبوع على اليمن كرد على اطلاق صاروخ بالستي من الاراضي اليمنية نحو العاصمة الرياض. وهو الصاروخ الذي تم اسقاطه بواسطة نظام الدفاع ضد الصواريخ.

الحرب في اليمن هي الفشل العسكري والسياسي المدوي الأكبر الذي وضعت السعودية نفسها فيه، بعد وقت قصير من تتويج الملك سلمان في كانون الثاني 2015. ومن اجل جلالها، أسست التحالف العربي الذي شاركت فيه مصر والسودان، اللتان تسهمان بنصيبهما في الدوريات على شواطيء اليمن. وقد تولى ادارة التحالف ولي العهد محمد بن سلمان الذي حل محل الامير محمد بن نايف الذي كان وليا للعهد وقائدا للحرب. في غياب بيانات رسمية عن تكلفة الحرب، فان التقدير هو نحو 200 مليون دولار يوميا، تنفقها المملكة على الحرب التي لا تبدو نهايتها في الافق.

المأساة الانسانية في اليمن لا تقلق السعودية وشريكتها الولايات المتحدة، التي تؤيد السعودية بشكل كامل. يبدو أن هذا التأييد مقابل تعهد السعودية بشراء السلاح بقيمة 110 مليارات دولار، الذي وقعت عليه السعودية مع ادارة ترامب. ولكن السلاح الدقيق الذي تشتريه السعودية منذ عشرات السنين وقدرتها العسكرية، لا تنجح في هزيمة الحوثيين الذين تسليحهم، رغم المساعدة الايرانية، اقل بكثير من تسلح السعودية. تفسير ذلك يكمن في ظروف المنطقة وطبيعة القتال التي تحتاج الى الدخول البري الواسع للدولة من اجل حسم المعركة، وهي خطوة تحجم المملكة عن القيام بها حتى الآن.

ليس فقط على الصعيد العسكري تجد السعودية صعوبة في هزيمة الحوثيين، ايضا جهودها لاحياء النظام اليمني برئاسة عبد ربه منصور هادي، الذي يحظى بالاعتراف الدولي، لم تثمر نتائج حقيقية. هادي الذي قواته ونظامه تمثل فقط جنوب الدولة، يدير بقدر، ما يمكن تسمية نشاطه ادارة من العاصمة السعودية الرياض شؤون الدولة بواسطة محادثات هاتفية وبريد الكتروني. هو لا يريد ولا يستطيع العودة في الوقت الحالي الى مدينة عدن، التي يوجد فيها مركز ادارة المحافظات التي لم يتم احتلالها من قبل الحوثيين. تقارير في وسائل الاعلام العربية تقول إن السعودية لا تسمح لهادي بالعودة الى اليمن لأنه هو ووزرائه وعدد من الضباط الكبار يقضون وقتهم في فنادق في الرياض وكأنهم رهائن.

ولي العهد السعودي أعلن مرات كثيرة مؤخرا بأنه يتوق الى انهاء الحرب في اليمن. ولكن حتى الآن لم يطرح خطة مقبولة، رغم الانتقاد الداخلي لطريقة الادارة الفاشلة. محمد بن سلمان يجب عليه ايضا التنافس مع أجندة محمد بن زايد، ولي عهد دبي. بن زايد يعارض اخراج القوات من اليمين ويدفع نحو استمرار الحرب حتى الحسم العسكري. بن زايد يوجد له وزن كبير في اتخاذ القرارات السعودية، ليس فقط بسبب اسهام دولته العسكري في الحرب، بل ايضا لأن له علاقة جيدة مع الادارة الامريكية ومع المصريين، كما أنه ايضا شريك حيوي في فرض العقوبات الاقتصادية على قطر وفي الحرب الشاملة ضد ايران.

عندما يطلب رئيس الجهاز الامني في امارة أبو ظبي، ضاحي خلفان، اقالة الرئيس اليمني، فان هذا يعكس عمق الفجوات في وجهات النظر بين السعودية وحليفتها. ومشكلة وليي العهد هذان هي أن قواتهم لا تستطيع احتلال العاصمة صنعاء. طالما بقيت هذه المدينة تحت سيطرة الحوثيين، ففقط تنازلات سياسية واقتصادية كبيرة، تشمل توزيع جديد في الميزانية وتعيين وزراء وربما رئيس حكومة، يمكنها اقناع المتمردين بنزع سلاحهم.

          مقامرة وحشية

ليس فقط رئيس اليمن ممنوع من العودة الى بلاده. منذ هذا الاسبوع يمكنه تبادل الذكريات مع نظيره سعد الحريري، رئيس حكومة لبنان الذي استقال بشكل مفاجيء. منذ يوم الجمعة الماضي هو يوجد في الرياض ولا ينوي تركها. خصومه في لبنان يقولون إن السلطات السعودية لا تسمح له بالعودة الى لبنان، في حين أن مؤيديه يقولون إن وجوده في السعودية هو لاسباب أمنية على خلفية تهديد حياته. هذه ليست المرة الاولى التي يمكث فيها الحريري خارج البلاد بسبب تهديدات ارهابية. في العام 2011 بعد سقوط حكومته تنقل بين باريس والرياض مدة خمس سنوات الى حين عاد الى لبنان. الحريري نفسه قال إنه التقى مع سفراء وشخصيات غربية هامة، لكن حتى الآن لم يقم بنشر أي نبأ رسمي حول اسباب مكوثه هناك. ومتحدثون سعوديون ايضا يملأون افواههم بالماء.

لا شك أن النظام في السعودية، واكثر دقة الامير محمد، هو الذي دفعه الى الاستقالة بهدف جر لبنان الى طريق مسدود وفوضى سياسية، من اجل أن يسحب من ايران وحليفها حزب الله شخص شرعي مثل الحريري. وربما من اجل اثارة الاحتجاج الجماهيري الواسع، للي ذراع حزب الله وايران واجبارهما على رفع ايديهما عن الدولة. هذه عملية دراماتيكية تحول السعودية الى متدخلة بصورة مباشرة وفظة في شؤون لبنان الداخلية (مثلما في اليمن)، وترسم خطوط الجبهة السياسية بين السعودية وايران. ولكن مشكوك فيه أن تنجح هذه المناورة. فحزب الله لا ينوي التنازل عن مواقعه السياسية في لبنان، وايران من شأنها أن توسع تدخلها في الدولة. المقامرة السعودية يمكن أن تبدو فشل آخر مؤلم لسياسة وحشية تعارض بصورة بارزة الاستراتيجية السعودية التقليدية التي اعتمدت على دبلوماسية سرية والكثير من الاموال.

 مبالغة في التقدير

إن احصاء مخزون حالات الفشل السعودية لا يمكنه أن يقفز على اضاعة الفرصة التاريخية التي سنحت لها: انشاء علاقة جديدة مع العراق بعد سقوط صدام حسين في 2003. خلال هذه السنوات قاطعت السعودية النظام العراقي، ايضا حتى لو لم تعلن عن ذلك رسميا، واغلقت عدد من المعابر الحدودية ومنعت الرحلات الجوية المباشرة بين العراق والمملكة.

في الوقت الذي سارعت فيه ايران وتركيا الى اقامة علاقات مع النظام العراقي الجديد، وحظيت بفوائد سياسية واقتصادية كبيرة، بقيت السعودية في الهامش. في الشهر الماضي حدث تغير طفيف في سياسة السعودية تجاه العراق، حيث وقعت الدولتان على اتفاقيات تعاون، وانشأتا مجلس للتعاون وتم فتح معبر عرعر البري أمام الحركة. ولكن هذه الخطوات قليلة جدا ومتأخرا جدا، لذلك فهي تعتبر باردة مقارنة مع مكانة ايران القوية في العراق، التي حصلت عليها بشكل سريع بعد وقت قصير من سقوط صدام حسين، سواء كان ذلك بفضل صلة الشيعية مع النظام العراقي، وبالاساس بفضل الاستثمارات التي استثمرتها في البنى التحتية العراقية.

سوريا تختتم سلسلة خسائر السعودية. الحرب في سوريا برهنت على أن السعودية يمكنها، على ابعد تقدير، أن تؤيد وتمول وتسلح مليشيات تحظى برعايتها، لكنها لم تنجح في انشاء تحالف عربي يحارب ضد جيش بشار الاسد، وهي ايضا ليست شريكة ناجعة في الخطوات السياسية التي تتخذها روسيا من اجل تثبيت وقف اطلاق النار في سوريا والتوصل الى حل سياسي. في هذا الشأن كانت مساهمة السعودية اقامة تحالف للمليشيات التي تم اشراكها في المفاوضات السياسية، لكنه لا يمثل كل المتمردين.

« التحالف السني » الذي أقامه الملك سلمان من اجل محاربة داعش وكبح تأثير ايران، لم يسجل نجاحا حقيقيا وهو يعاني من الانقسام الداخلي، في حين أن تركيا وايران أصبحتا شريكتين في العملية السياسية السورية. وقطر التي فرضت عليها السعودية عقوبات شديدة من اجل التخلي عن ايران، لم تغير سياستها ولم تخضع لاملاء السعودية. ومصر أوضحت أنها لا تعارض استمرار ولاية الاسد (وتركيا ايضا). الحرب ضد داعش ايضا أدارتها قوات كردية وقوات بدعم امريكي في سوريا. في العراق، الجيش العراقي مع مليشيات شيعية وبالتعاون مع الاكراد، كانت القوة الحاسمة في الانتصار.

على خلفية ذلك، الاسئلة المطروحة هي هل مكانة السعودية لا تحظى بالمبالغة في التقدير في الغرب، وهل الشراكة الاستراتيجية معها تستند في الاساس على قدرتها الاقتصادية ومواردها الطبيعية المخزونة في اراضيها، وليس على قدرتها في التأثير على العمليات السياسية والعسكرية في الشرق الاوسط. جزء من الاجابة سيكون متعلقا بالطريقة التي يدير فيها ولي العهد المملكة. حتى الآن نجح الامير محمد بن سلمان في الاساس في عمليات استعراض قوته وفي موجات الغضب الموجهة ضد خصومه.

كلمات دلالية