خبر صراع السعودية ضد ايران من شأنه أن يورط اسرائيل في حرب في لبنان - هارتس

الساعة 03:22 م|10 نوفمبر 2017

فلسطين اليوم

بقلم: عاموس هرئيل

خلال أقل من 24 ساعة، في نهاية الاسبوع الماضي، قامت العائلة المالكة في السعودية بعدة هزات في الشرق الاوسط، التي صعدت معركة السيطرة الاقليمية الجارية مع ايران. المخطط السعودي، أو كان شيء كهذا، لم يتم كشفه بعد. ولكن التطورات رفعت مستوى التوتر في عواصم الدول المجاورة وأدت الى موجة من التوقعات بشأن الخطوات القادمة للسعودية.

 في البداية جاء اعلان استقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة اللبنانية. في الساعات الاولى تم تبرير استقالته بخوفه من مقامرة لتصفيته من جانب حزب الله بأوامر ايرانية. ولكن كلما مر الوقت فان الامر يبدو وكأنه املاء من الرياض التي لم تكن راضية عن الطريقة التي أجبر فيها الحريري على التعاون السياسي مع حزب الله في الحكومة. جهات في حكومة لبنان ادعت أنه محتجز في الرياض رغم أنفه. أمس أمرت السعودية والكويت مواطنيهما بالمغادرة الفورية للبنان.

بعد بضع ساعات اعلنت السعودية عن عملية اعتقالات واسعة النطاق لأمراء ورجال اعمال بتهمة الفساد. في حين أن الأمراء كان يتم جمعهم في معتقل خمسة نجوم في فندق « ريتس كارنتون » في الرياض، حدثت حادثة جوية غريبة على الحدود الجنوبية للسعودية. في غداة ذلك اليوم تبين أن الأمير الذي كان في الطائرة المروحية حاول الهرب الى خارج حدود المملكة، وتم اسقاط طائرته على أيدي سلاح الجو السعودي. الركاب التسعة وطاقم الطائرة قتلوا. المتمردون الحوثيون في اليمين المدعومين من ايران اطلقوا في هذه الاثناء صاروخ نحو مطار الرياض الذي تم اعتراضه بنجاح من خلال صواريخ امريكية. وردا على ذلك قامت السعودية بفرض حصار بحري وبري على اليمين. ولكن هذه لم تكن التطورات الوحيدة المرتبطة بالسعودية هذا الاسبوع. رئيس الولايات المتحدة ترامب غرد بأقوال داعمة للخطوات التي اتخذها الملك سلمان والرجل القوي في المملكة ولي العهد محمد بن سلمان (صهر ترامب، جارد كوشنر، زار السعودية واسرائيل قبل ايام قليلة من موجة التطهيرات في المملكة)، في اسرائيل، كما جاء في القناة 10، ارسلت وزارة الخارجية لسفاراتها رسائل توافقت تماما مع التفسيرات السعودية لاستقالة الحريري وألقت على ايران كامل المسؤولية عن الازمة في لبنان، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس سافر في زيارة مستعجلة الى مصر والسعودية. وفي بروكسل ورد نبأ مفاجيء، عن رغبة وفد سعودي رفيع المستوى في الوصول في الاسبوع القادم لاجراء عدة مباحثات حول طرق محاربة الارهاب، والتي دعيت اليها قبل عشرة اشهر.

هل يوجد خط واحد يربط بين كل هذه النقاط – وبينها وبين الازمة المختلقة التي افتعلتها السعودية واتحاد الامارات ومصر مع قطر المارقة في الصيف الماضي؟ هل ترتبط ايضا بعملية المصالحة بين فتح وحماس والتي بدأ تنفيذها في غزة في الاسبوع الماضي، بقيادة القاهرة؟ الحكمة المقبولة في اوساط رجال الاستخبارات والخبراء الاكاديميين تقول إن الامر يتعلق بخطوات استهدفت تثبيت سيطرة ولي العهد محمد بن سلمان تمهيدا لنقل الحكم من والده (82 سنة).

ليس من الواضح أن السعوديين سيكتفون بذلك. العائلة المالكة قريبة بشكل خاص من ادارة ترامب – السعودية هي احدى الدول القليلة اضافة الى اسرائيل التي استقبلت بحماسة فوزه في الانتخابات الرئاسية، في مثل هذا الاسبوع قبل سنة. في السنة الاخيرة يتم نشر تقارير متزايدة في وسائل الاعلام العالمية عن تنسيق سياسي متزايد بين الرياض والقدس، والذي يقترن ايضا بالتعاون الاستخباري. اسرائيل والسعودية تعتبران ايران عدوا مشتركا، وهما محبطتان من عدم قدرة الغرب على مواجهة زيادة نفوذ ايران في المنطقة، التي تسمى « الهلال الشيعي ».

هذه الاحداث المتواصلة والتي بدايتها من الازمة القطرية، تعزز التقدير بأن امامنا عملية سعودية أوسع – محاولة طموحة لانشاء نظام اقليمي جديد. جزء منه هو المصالحة الداخلية الفلسطينية، التي تحتاج الى دعم اقتصادي من السعودية واتحاد الامارات، وهو لا ينتهي عند هذا كما يبدو. في جهاز الامن وفي المستوى السياسي مستعدون للاحتمالية المعقولة وهي أن تقوم ادارة ترامب بطرح وثيقة سياسية جديدة على اسرائيل والسلطة الفلسطينية، في محاولة لتحريك العملية السلمية المتوقفة. عملية كهذه يجب أن تكون منسقة بين واشنطن والرياض.

ولكن من المحتمل أن تكون لطموحات السعودية نتائج اخرى ايضا. عنوان المقال الذي نشره في بداية هذا الاسبوع سفير الولايات المتحدة السابق في اسرائيل، دان شبيرو، في النسخة الانجليزية لصحيفة هآرتس، « سؤال: هل السعودية تدفع اسرائيل الى حرب مع حزب الله وايران؟ ». شبيرو الذي كان ايضا مستشارا لبراك اوباما لشؤون الشرق الاوسط يطرح احتمالية أنه ازاء نجاح نظام الاسد في البقاء بعد الحرب الاهلية في سوريا، تريد السعودية نقل ميدان القتال مع الايرانيين من سوريا الى لبنان – ومعنيين بأن تقوم اسرائيل بهذا العمل القذر لصالحهم. هنا يمكن حدوث ردود فعل متسلسلة لهذه الخطوة. وحسب تقدير شبيرو تأمل السعودية بأن استقالة الحريري ستجبر حزب الله على مواجهة تداعيات الازمة السياسية والاقتصادية في لبنان – والمنظمة الشيعية بدورها يمكن أن تبادر الى مواجهة عسكرية مع اسرائيل من اجل توحيد الجمهور اللبناني حولها. لقد حذر شبيرو بأنه « يجب على اسرائيل أن لا تكون أداة لعب في أيدي السعودية لادخالها الى مواجهة مبكرة جدا ».

شبيرو ليس الوحيد الذي يطرح سيناريو كهذا. دوف زكهايم، الذي شغل مناصب رفيعة المستوى في البنتاغون في ادارة ريغان وبوش، كتب هذا الاسبوع في مقال نشر في مجلة « فورين بوليسي » عن التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية والامارات واسرائيل، وذكر بأن زيارة كوشنر للرياض كانت هي الثالثة منذ دخول ترامب الى البيت الابيض. وحسب اقواله، على ضوء الربط بين القادة الثلاثة، ترامب ونتنياهو وابن سلمان، فان كل الاحتمالات مفتوحة. « هؤلاء الثلاثة يخططون لشيء ما – وهذا يبدو مخطط من اجل الضغط على ايران ».

اسرائيل كما كتب هنا في السابق، تتصرف الآن في الشرق الاوسط في ظروف حساسة جدا. نجاح معسكر الاسد في الحرب الاهلية وتواجد روسيا المتزايد في سوريا والتأثير الكبير لايران، خلقت وضعا جديدا وغير واضح. وبالذات بسبب ذلك، حسب رأي هيئة الاركان العامة، هناك حاجة الى تحديد قواعد اللعب التي يجب أن تحافظ على حرية عمل اسرائيل العسكرية في الجبهة الشمالية. من هنا كما يبدو، تأتي التقارير الكثيرة عن هجمات سلاح الجو في سوريا. ولكن هذه الظروف ايضا تزيد بصورة دراماتيكية مخاطرة التدهور غير المخطط له، كنتيجة لحادثة معينة تخرج عن السيطرة. اذا كانت السعودية حقا تزيد من اشعال النار بين الطرفين بصورة متعمدة، فهذا سيتحول الى خطر ملموس.

في الجيش الاسرائيلي يتحدثون عن أن كل عملية ترتكز على الاستخبارات الدقيقة والتفكير المعمق، قبل تقديمها للمستوى السياسي للمصادقة عليها. وحتى الآن يبدو أن هذه فترة متوترة، حتى بالمقارنة مع احداث السنوات الماضية، التي تميزت بالتغيرات السريعة التي سيطرت على المنطقة منذ اندلاع الثورات العربية في كانون الاول قبل سبع سنوات.

ليست مؤامرة، بل هراء

نتساريم شتاء 2001: في مكتب قائد الكتيبة في الموقع العسكري الذي يدافع عن المستوطنة المعزولة، يجلس اربعة ضباط من غولاني مع عيون منتفخة اضافة الى ضيف. الانتفاضة الثانية اندلعت قبل بضعة اشهر من ذلك، واللواء يتحمل جزء كبير من عبء القتال في قطاع غزة – الدفاع عن خطوط التماس الطويلة التي تقع تحت الهجوم المتواصل من اطلاق النار، قذائق مدفعية وعبوات ناسفة.

اريئيل شارون الذي كان رئيسا جديدا للحكومة في حينه، كان شخصا يحب المزاح وعلق في الغرفة المجاورة صورة اهود باراك على لوحة تصويب. الصورة كانت مليئة بالثقوب جراء السهام. في ايار السابق انسحب الجيش الاسرائيلي من المنطقة الامنية في جنوب لبنان، بعد 18 سنة من معركة دفاعية عقيمة. نفس الضباط كانوا فقط في جبهة القتال ايضا في لبنان، سلسلة غير منتهية من الاحداث الصغيرة والقاتلة في حرب عصابات، التي انتهت بتراجع أحادي الجانب لاسرائيل.

على الاقل في نظر نفسها، تلك كانت مجموعة تم اعدادها للقيام باعمال عظيمة. يوجد فيها قادة لهم تجربة قتالية، قادوا بتميز وبشجاعة الجنود نحو المواجهة. المحادثة تركزت حول قائد أرفع، تورط في شكوى انضباطية، نائب رئيس الاركان بوب كفدان، الذي هو مؤمن كبير بروح الانسان، برأه من كل تهمة بعد بضعة ايام.

بعد مرور 16 سنة أعلن آخر الضباط في تلك الغرفة عن استقالته من الجيش. وهو العميد مردخاي كهانا، ضابط التخزين القتالي الاول، والذي تورط في قضية الحاوية التي احتفظ فيها، حسب الاتهام، ببندقية كلاشينكوف تم أخذها غنيمة، وامور اخرى محظورة. زملاءه في الغرفة ايضا لم يصلوا الى طاولة هيئة الاركان: اثنان اضطرا الى الاستقالة في ظروف انضباطية، وبالنسبة للثالث يبدو أنه لم يتحرر اطلاقا من ظل حادث عملياتي صعب.

في الشبكات الاجتماعية انتشر تفسيران تآمريان للقضية الجديدة، التي كشفت عنها كرميلا منشه في « كان » (هنا). النظريتان مدحوضتان بنفس الدرجة، حسب النظرية الاولى، كهانا وهو إبن شقيق الحاخام مئير كهانا، قام بتخزين سلاح لاهداف سياسية. وحسب النظرية الثانية فان هذه ببساطة سلسلة اخرى من سلسلة التنكيل بالضباط الكبار المتدينين.

في الحادثتين، هذا هراء تام. كهانا الذي كان سيترك الجيش في السنة القادمة، هو ضابط شجاع ومحبوب، والذي حسب الاتهام ارتكب مخالفة صبيانية وغبية. تلك ظهرت كخروج كبير عن الاوامر، الى درجة أنها اجبرت رئيس الاركان غادي آيزنكوت على تسريحه – وكهانا الذي فهم ذلك فضل الاستباق والاستقالة بنفسه. ولكن لهذا الضابط لا توجد أي خلفية سياسية معروفة، والاحتفاظ ببندقية بدون اذن ليس « تخزين سلاح ». ايضا ادعاء التنكيل بالضباط المتدينين مدحوض. من خلال منصبه، كان كهانا مسؤول ايضا عن جهاز الحماية في الحدود، الذي يشمل كتائب مشاة مختلطة يخدم فيها رجال ونساء معا. في السنة الاخيرة اشرف على برنامج لتشجيع تجنيد الشبان المتدينين لوظائف قتالية، الذي اثار ضده غضبا في اوساط الحريديين.

الاسئلة التي ثارت حول القضية مختلفة. وهي تتعلق بالصعوبة التي يواجهها الجيش الاسرائيلي في تثبيت ثقافة ملزمة للانضباط، حتى في اوساط الضباط الكبار. آيزنكوت يبذل جهدا كبيرا للوعظ وتطبيق القانون، لكن مرة تلو الاخرى يستغرب من الامور التافهة التي يتورط بها الضباط. حقيقة أن عدد لا بأس به من الضباط يأتون من اللواء الفاخر الذي تربى فيه هو نفسه وكان قائدا له، هي حقيقة ترمز لشيء ما. لا يوجد خلاف حول الاخلاص والروح القتالية التي تميز غولاني، من تل الفخار ومعارك جبل الشيخ وحتى بنت جبيل والشجاعية. ولكن في الوقت الذي ينشغل فيه الجمهور بالتربيت المستمر على أكتاف المقاتلين، فان آيزنكوت يتجاهل الاحداث الانضباطية المتكررة في الوحدات القتالية – لا توجد طريقة للفصل بين فرض الانضباط في الحياة اليومية وبين الانضباط في القتال، الذي يكلف عدم الخضوع للاوامر حياة الناس.

حسب ادعاء آخر تم طرحه، الجيش الاسرائيلي ينكل عمدا بالضباط الذين اظهروا شجاعة في المعركة، وبهذا فانه يبقي القيادة القتالية مخصية وخائفة دائما وضيقة الأفق. هذا ادعاء تم طرحه للمرة الاولى قبل عقد من الزمن، حول قرار رئيس الاركان في حينه، غابي اشكنازي، الذي أقال عميدين هما تشيكو تمير وعماد فارس بسبب مخالفات انضباطية شديدة. قبل بضع سنوات ادعى الجنرال غرشون هكوهين، الذي تسرح في حينه، أنه في القيادة العليا « يوجد هناك أكثر من اللازم اشخاص متميزين وأقل من اللازم قطاع طرق ». هذه الادعاءات لا تخلو من الاهمية – وفي حالة تمير، يوجد في الجيش من يأسف لابعاده ايضا الآن (آيزنكوت فحص اعادته الى منصب قائد الذراع البري، لكن في نهاية المطاف قرر أن لا). لكن الادعاء السياسي الذي يقول إن الجيش يبعد ضباط مؤهلين ذوي مكانة، ويبقي عمدا فقط المتوسطين، هو ببساطة ادعاء غير مقبول. فرض الانضباط ليس أمرا هامشيا، ويوجد ايضا حدود لتحمل رئيس الاركان، اذا اراد ان يواصل الجيش أداءه كما هو مطلوب.

كلمات دلالية