خبر عمليات تشرين.. يديعوت

الساعة 12:06 م|03 نوفمبر 2017

فلسطين اليوم

اسحق رابين لم يكن ملاكا. فالملائكة لا يوجدون الا في الاساطير. فقد كان ضابط أركان متميز أصبح زعيما رغم أنفه تقريبا. فالى جانب انجازاته الكبرى سجلت أيضا اخطاء، اخفاقات ونقاط ضعف. فلم تكن قواعد اللعب دوما مريحة لرابين. فحين أدى رئيس المحكمة العليا أهرون باراك، عمليا، الى استقالته من رئاسة الحكومة تلقى ضربة شديدة. ولكنه لم يحطم قواعد اللعب.

لقد كسب نتنياهو باستقامة كل كلمة قالها عنه يوفال رابين في يوم الذكرى في جبل هرتسل. المشكلة التي يطرحا نتنياهو في ولايته الحالية لا تتلخص بتباكيه. فهذا خلل قديم. نتنياهو الولاية الحالية يحطم القواعد. لسبعين سنة كان هنا نظام يقوم على سلطة القانون وعلى تفوق قواعد اللعب الديمقراطية. مواضع خلل كانت، ولكن الاطار بقي محفوظا. الليكود والبيت اليهودي، مع مساعدة جزئية من ليبرمان وكحلون، يحاولون كسر الاطار. هذا ما يميز بين الولاية الحالية وولاية بن غوريون، بيغن، رابين وحتى نتنياهو في ولايته السابقة. وهذا خطير. لقد رد نتنياهو على يوفال رابين في خطاب القاه في الكنيست. فقد بدأ نتنياهو خطابه بدعوة تهكمية لا مثيل لها للاعتدال والوحدة، للمصالحة والاخوة. المتصالح من بلاد الواقواق وفي الوسط بالغ في الثناء على رابين قائلا: « أحببته جدا ».

مع محبين كهؤلاء ما كان لرابين بحاجة الى أعداء. نتنياهو احبه في تابوت، مثل التابوت الذي حمله في المظاهرة اياها في رعنانا، مثل خطاب التحريض منفلت العقال من الشرفة، في المظاهرة اياها في ميدان صهيون. نتنياهو سيعود الى هذه الخطابات اذا شعر بان مؤيدوه يتوقعونها. عمق التحريض كعرض التحقيق. في هذه الاثناء هو يدعو الى المصالحة.

ليلة على الجبل

أول أمس تسلقنا، داني روبنشتاين وأنا، القسطل، الجبل الذي يشرف على الطريق الى القدس. القسطل هو موقع وطني الان، يافطات تصف بطولة المقاتلين الذين احتلوا الجبل وعادوا واحتلوه في نيسان 1948، نصبت على طول الدروب. في الطريق الى بيت المختار في الاعلى. علم إسرائيل كبير يرفرف فوقه. وفي المنحدر يحمل أحد التلاميذ رفيقته على ظهره. « انا غولاني »، يقول ويتنفس بصعوبة جراء الجهد.

روبنشتاين (« دافار »، « هآرتس »، واليوم « كلكليست ») وأنا تسلقنا معا على هذه الجبال في السبعينيات. روبنشتاين كان مراسلا للشؤون الفلسطينية وأنا كنت مراسلا لشؤون الاستيطان. في احدى محاولات الاستيطان الليلية لنواة ألون موريه، قرب حوارة، سمح لنا المستوطنون بالانضمام اليهم فقط بعد أن وافقنا على تأييد اقامة المستوطنة. حملنا معا عصا عليها سياج متلوٍ وبدونا كالرمز الشهير على سيارات مرشدي السياحة، بفارق واحد هو أن اسياج حل محل عنقود العنب.

يقول روبنشتاين « في جيلي كان نهجان تربويان للموضوع العربي – اولئك الذين تعلموا عن العرب في إطار »إعرف عدوك« واولئك الذين تعلموا عنهم في اطار »إعرف جارك« . معلمي للعربية كان يوسف يوئيل ريفلين، أبو روبي ريفلين الرئيس. فقد آمن بالنهج الثاني ».

هذا الاسبوع صدر عن « يديعوت احرونوت » كتاب روبنشتاين « إما نحن أو هم ». نقطة انطلاق الكتاب هي ليلة المعركة على القسطل وسيرة حياة عبدالقادر الحسيني، القائد الكاريزماتي للفلسطينيين في القدس، الذي قتل في تلك الليلة على الجبل، في سفوح بيت المختار. يراع القصة يتسع ويشمل ثلاثة أحداث وقعت في غضون 48 ساعة: احتلال القسطل، مذبحة دير ياسين والمعركة في حرس المرج. روبنشتاين مقتنع بان هذه الاحداث الثلاثة حسمت مصير الحرب – منحت النصر لاسرائيل التي لم تولد بعد، وحكمت على الفلسطينيين بمصيبتهم، النكبة.

 بخلاف بعض زملائه، الذين جعلوا الخوف من كل غربي حياة مهنية، الخوف الذي يجلب مساحة النشر، فان روبنشتاين ليس داعية: فهو يروي القصة. في كانون الاول سيبلغ الثمانين. خمسين سنة وهو يتجول بين الفلسطينيين، في أزقة القصبة في نابلس، في اسواق البلدية القديمة، في الدكاكين في مخيمات اللاجئين. يتجول ويسمع القصص ويدحرجها الى الامام. هو بطل روات القصص. في كل هذه السنين، سألته، الم يكن هناك من هدد بايذائك. لم يكن من أغلق في وجهك باب بيتك؟

قال « في حالات قليلة فقط. فاذا كنت تبعث على الثقة فان الابواب تفتح لك ».

أعطني مثالا؟

« اصعد الى سيارة أجرة عربية في القدس »، قال. « اول سؤال يسألني اياه السائق ماذا اريد العداد أم السعر. فاجيب بالعربية كل سعر تقوله. لا، يجيب السائق، كم أنت تقول. لا، انا اقول، كم أنت تقول. ومن قول الى قوله، يقل الشك. الثقة في الحديث تملأ لدى الفلسطينيين دورا مركزيا ».

فضيحة في الاحتفال

من كان عبدالقادر الحسيني، سألت.

فقال « كان هو جد استثنائي. خلفيته العائلية، كابن لاحدى العائلات الارستقراطية، رشحته لان يكون رجل اعمال كبير أو رجل مهنة حرة، طبيب او محامٍ. وبدلا من ذلك فضل التراكض مع الشبان البدو، فتيان التلال. طردوه في صباه من ثلاث مدارس. الاحتفال النهائي له في الجامعة في القاهرة تحول الى فضيحة حين مزق شهادته امام كل المعلمين والتلاميذ.

»في أحداث 1936 – 1939 اكتسب عالمه كمقاتل. وعندما انتهت الثورة العربية واصل القتال ضد البريطانيين في العراق. وبسبب كراهيته للبريطانيين ارتبط بالنازيين. وبالطبع، كراهيته للحكام العرب. فقد رأى فيهم خونة للقضية الفلسطينية« .

في كانون الثاني 1948 كان في صوريف، قرب غوش عصيون، قاد قاعدة التدريب لقوته، الجهاد المقدس. وحدة البلماخ التي انطلقت بمساعدة مستوطنات الغوش اصطدمت بمرؤوسي الحسيني، هزمت في المعركة وذبحت حتى آخر مقاتل فيها. وقد نكلوا بالجثث. هذه هي القصة المأساوية لتلك اللحظة. فوزي نركيس، قائد غوش عصيون في 1948، كان في العام 1967 قائد المنطقة الوسطى. وقد سعى الى اغلاق الحساب وأمر مقاتلي الدورية المقدسية بتفجير منازل صوريف. داني روبنشتاين كان احد مقاتلي الدورية. »وضعنا مواد متفجرة في مبنى كبير في مدخل القرية« ، كتب يقول. »لحق بالمبنى ضرر. كان واضحا انه كانت حاجة لكمية هائلة من المواد المتفجرة لتفجير كل المنازل. بعد وقت قصير انصرفنا. وبهذا تلخصت عملية الرد ضد صوريف« .

من يحل محلكم

عبدالقادر كان في آخر اسبوع من حياته في دمشق. طلب سلاح، مدافع، رشاشات وبنادق حديثة، ذخيرة ومال لتمويل الحرب على القدس. أما ممثلو الدول العربية فقد تعاطوا معه باحتقار. رأوا فيه شخصا بلا تأهيل عسكري، ورجاله كأنفار. وفي النهاية تلقى شاحنة واحدة. عاد الى القدس غاضبا ومحبطا، حاول اللحاق بقوته في القسطل وقتل مع الفجر. جندي في كتبة الهاغناة، يدعى مئير كرميون، رأى ظلالا. ظنه يهوديا. وهتف يقول »مرحبا يا جماعة« . اعتقد الحسيني بانه أحد الفارين البريطانيين ممن انضموا الى الفلسطينيين. فاجاب: »هلو بويز. ففهم كرميون بان امامه يقف جندي عربي، صحا واطلق النار عليه فقتله. بعد بضع ساعات قتل هو نفسه. اليهود لم يعرفوا انهم قتلوا الحسيني. العرب لم يعرفوا بان الحسيني قتل. والهجوم الكبير على الجبل لم ينظم الا بعد ان فهموا بان بطلهم فُقد. في المعركة القاسية اياها ولد القول التأسيسي لقائد البلماخ شمعون الباسي: « الانفار ينسحبون؛ القادة يغطون ». 39 مقاتلا قتلوا في المعركة، بينهم الباسي وقائد السرية ناحوم ارئيلي. واحتل الجبل من العرب، وهجر. عندما التقى أنور نسيبة، أمين عام اللجنة الوطنية العربية في القدس، بالناس في جنازة عبد القادر سأل اذا كان حل محلهم احد على الجبل فأجابه أحدهم « نعم ». فسأله من حل محلهم فاجابه « اليهود ».

كان الحسيني ابن 38 سنة عند وفاته. ترامبلدور فلسطيني. في الوعي الفلسطيني تثبت كـ « الميت الحي »، فقد مات ولكن إرثه حي. واحبط مرؤوسوه تعيين قائد مجرب بدلا منه. « مات الحسيني، يحل محله الحسيني »، قالوا. لقد كان القسطل المعركة الاخيرة التي خاضها الفلسطينيون. في 15 ايار اجتاحت البلاد وحدات نظامية من الدول العربية، تغيرت الحرب وجهها. سألت روينشتاين كيف جمعت المعلومات للكتاب.

فقال: « كان هذا أبسط من النبش في الكتب في الادبيات. أثار اهتمام الناس الذين عاشوا في القرى هنا. الى اين اختفوا. عرفت أنهم بشكل عام يواصلون السكن معا، في الحي ذاته، في مخيم اللاجئين ذاته. فقد درج على تسميتهم باسم المكان الذي جاءوا منه. وبعضهم جعل اسم القرية اسم عائلته.

»التجنيد لدى الفلسطينيين كان كله محليا، قبليا، عشائريا. حول عبدالقادر كان 20 شخصا، رجال الجهاد المقدس. وقد نشرت اسماؤهم بكل مناسبة. فأنت تقرأ مثلا بان احدهم، كامل عريقات، جلب معه الى العمل رجال ابو ديس. تسافر الى حي ابو ديس فترى اسم عريقات على دكان. تدخل الدكان وتسأل فيجيبونك على الفور كامل كان ابن عم جدي، حفيده اليوم هو محامٍ في القدس. هو سيروي لك عنه« . وهكذا دواليك. لقد تبين التسلق للشجرة العائلية كرهان آمن. وفي الكتاب يروي عن فلسطيني ما في الخليل صور صفحة من كتاب عن مذبحة يهود الخليل في العام 1929. وسجلت في الصفحة اسماء عرب في الخليل ممن أنقذوا اليهود. اسم عائلة أحدهم كان كاسم عائلة الرجل. سأله روبنشتاين لماذا تحتفظ بالصفحة. فأجاب قائلا: اريها للجنود في الحواجز. من كان منهم لك، سأل روبنشتاين. إذ لتعرف، قال الخليلي. نحن حامولة من الاف الاشخاص. ولكن هذا يساعد في الحواجز.

»مهما كان الامر غريبا، فقد خرج الفلسطينيون بخير من النكبة. فقد اقام البريطانيون في البلاد بنية لدولة حديثة – شبكة مدارس، لم يستخدمها معظم اليهود ولكنها خدمت العرب جيدا، ميناء في حيفا، مطارات، محطات لتكرير الوقود، انبوب نفط، بريد ومركزية هاتف. وقد عمل الفلسطينيون في هذه الاماكن. وكانوا اصحاب مهن. بعد 1948، عندما تطورت صناعة النفط، نشأ طلب على العاملين المختصين في دول الخليج وكان مال للدفع لهم. ياسر عرفات عمل كمهندس في الكويت، أبو مازن كان معلما في قطر. وقد ازدهر الفلسطينيون في الوساطة، بين أمراء النفط والعمال السود، بين الاغنياء والفقراء. وهذا ما يسمى دهاء التاريخ« .

فقلت مع ذلك ليس فيهم حبا كبيرا لاخوانهم العرب.

فروى يقول: »التقيت اصدقاء من رام الله. وقالوا ان وضعنا رهيب. العلاقات بين اسرائيل ومصر أوثق من اي وقت مضى. اسرائيل تساعد السيسي في  السيطرة على سيناء. والعلاقات مع الاردن وثيقة جدا: اسرائيل تحمي حدود المملكة مع سوريا ومع العراق. لديكم جبهة مشتركة مع السعودية ضد ايران وعلاقات ممتازة مع عدة دول في الخليج. اما نحن، فأين؟ لم يسبق ان كنا بهذا القدر في الاسفل.

« العرب خانونا في حينه ويخوننا الان »، قالوا. ذات الجمل قالها الحسيني في 1948؛ ذات الجمل كررها عرفات وقال لي في لقاءات أجريتها معه على مدى السنين.

« ينهض فلسطيني في الصباح، يفتح التلفزيون ويشاهد عشرات القنوات العربية. يعرف ان حوله يعيش 350 مليون عربي. فيظن الا يستطيع 350 مليون عربي طرد بضعة ملايين يهودي من هنا؟ ». فقلت، هم لا يستطيعون ونحن لا نستطيع. الى أين يتجه هذا برأيك؟

« نحن نتدحرج الى دولة واحدة بين النهر والبحر »، قال. « هذا لا يعني أني اعتقد انه جيد – هذا رهيب وفظيع – ولكن هذا ما يحصل. هنا صغير جدا، مكتظ جدا. اذا اريد ان تتجسد اليوم خطة الفصل لكلينتون، فالحدود حول القدس وحدها ستتلوى على طول 800 كيلو متر.

»الفجوة الاقتصادية ستسقط كل جدار حدود. منذ اليوم جزء من صناعة التكنولوجيا الدنيا في البلاد توجد هناك، عبر مقاولين فرعيين ووسطاء. ادخل الى مصنع الفرشات للحرباوي في الخليل وستجد كل العلامات التجارية للشركات الاسرائيلية. هناك مئات عديدة من المصانع في المناطق الصناعية في المستوطنات. يعمل فيها عرب. بعضهم يعملون كأمناء مخازن – البضاعة تنتج في المدن الفلسطينية. الفلسطيني يزرع التوابل في طوباس، ويبيعها الى اسرائيل من خلال مزارع يهودي في الغور، وكل ما يفعله هو الصاق البطاقة الصحيحة« .

بيت المدام

من قمة القسطل يرى المرء كيف يمتلىء رواق القدس بالبيوت، كما يقول الشاعر، على التلة تجلس مدينة – وللدقة، مجمع تجاري، والان مجمعان. في سفح الطريق رقم 1 الجديد، قرب المكان الذي يتفرع منه طريق الوصول الى بيت زايت، يوجد البيت الذي نال اسم »كيلو – سابان« ، الكيلو متر السابع.

ويروي روبنشتاين يقول: »كان هذا بيت المدام منيرة. منيرة كانت حسناء تزوجت من ابن عائلة عربية مرموقة. زوجها كان معظم الوقت سكرانا ومخدرا وكان يضربها. وبعد أن ولد لهما طفل، تركت زوجها وفتحت في بيتها نُزلا للجنود الانجليز. وتحول البيت الى مكانا للقاء. وكانت كلمتا « بيرة ومنيرة مترادفتان. وما حصل بينهما كان شائعا من يافا حتى القدس. وعندما كبر الولد ترك البلاد وصعد عاليا في مراتب الجيش السوري.

»اذا اخذتني الى هناك سأروي لك كل القصة« ، قال ليس ذات مرة زكي نسيبة، صديقي الطيب. وعدته بان آخذه. »في هذه الاثناء مرض بالسرطان. وحتى عندما كان ينازع الموت، عاد وطلب أن آخذه الى هناك، الى كيلو سابان، ولكنه لم يكن قادرا على الحراك. وقد توفي قبل سنة« .

يفهم من القصة ان للعرب ايضا احلام وليست كلها تعنى بقتل اليهود.

أحد أصدقاء روبنشتاين ابلغه بانه يعتزم ان يكتب للوزير ميري ريغف ويبلغها بان كتابه يساري، خائن، مناهض للصهيونية. واذا ما دعت الى مقاطعة الكتاب فلعله يحظى بما حظي به »جدار حي" رواية دوريت روبنيان: الناس سيركضون لشرائه.

كلمات دلالية