خبر من يسيطر في سماء غزة .. معاريف

الساعة 11:26 ص|03 نوفمبر 2017

بقلم

(المضمون: سلفيان او ثلاثة يطلقون صاروخا فتنطلق طائرات الجيش الاسرائيلي لتضرب اعداءهم من حماس. هذا هو الواقع الذي تثبت في القطاع وجعل النكتة هذه تكون على حسابنا. ومئة عام على بلفور وما يطلبه الفلسطينيون من بريطانيا ).

يوم الجمعة الماضي أنهى الجنرال توفيق ابو نعيم، قائد اجهزة الامن لحماس، صلاته في المسجد وخرج عائدا الى مكتبه. دخل السيارة، وبعد عدة ثوان من تحريكه لها انفجرت عبوة ناسفة زرعت تحت الجناح اليساري. وكانت العبوة صغيرة نسبيا ولم تفعل فعلتها. فقد اصيب ابو نعيم بجراح طفيفة وسرح من المستشفى في الغداة. ومنذئذ تدفقت مياه مجاري كثيرة في الانابيب لمياه بحر غزة. بعد ثلاثة ايام من محاولة اغتيال ابو نعيم دمر الجيش الاسرائيلي نفقا قرب خانيونس فقتل في داخله ثمانية من رجال الجهاد الاسلامي وحماس. في حماس عضوا على الشفاه وقرروا عدم الرد. كان لهم سبب وجيه. بعد يومين من ذلك سلمت حماس لابو مازن السيطرة على ثلاثة معابر حدود. والان يتوقعون منها أن تأخذ المسؤولية عن القطاع، ولا سيما ان تضخ الملايين التي جمدتها. ومن شأن المواجهة مع اسرائيل ان تخرب على هذه الخطط. ومن يحتاج لذلك الان.

أحد من قادة حماس لم يقل هذا علنا، ولكن المشبوه الفوري هو « تنظيم الدولة الاسلامية في لواء سيناء »، الموالي لداعش. ابو نعيم هو الرجل الذي أغلق انفاق رفح وحدودها في وجه مقاتلي التنظيم. وحتى قبل نحو سنة كان نشطاء « لواء سيناء » شركاء رجال حماس. وفي اللحظة التي فهموا فيها في غزة بان مصر تريد تحسين العلاقات، وقعوا في حضن القاهرة وباعوا اصدقائهم في سيناء بين ليلة وضحاها. اما نشطاء التنظيم المتطرفة، ممن درجوا على الهرب من الجيش المصري الى القطاع، او جرحى معاركهم ممن كانوا يتلقون العلاج في مستشفيات غزة، فوجدوا فجأة بابا مغلقا.

لتنظيم « لواء سيناء » مؤيدون ونشطاء في داخل القطاع ايضا، ولا سيما من اوساط الدوائر السلفية. ومن هذه الدوائر تخرج خلايا إطلاق الصواريخ، ممن يطلقون النار بين الحين والاخر على الاراضي الاسرائيلية. اما حماس ومهما بدا الامر مفاجئا، ففي السنوات الاخيرة لا تطلق النار نحو إسرائيل- الا في اوقات الحرب. هناك من يفعل هذا بدلا منها. وفي حماس بات متبعا نهج ثابت. بعد كل صاروخ يطلق من غزة، يخلي مسلحو الذراع العسكري القواعد، الى أن تفرغ طائرات الجيش كل صواريخها في اراضي القطاع. وبعد ذلك يأتي بيان اسرائيلي بان حماس مسؤولة عن كل ما يجري في غزة وبالتالي فهي العنوان. اما عمليا فمن يطلق النار هم اعداء حماس.

حصل هذا النمط عشرات المرات في السنوات الاخيرة. منظمات ما تطلق صاروخأ او اثنين على اسرائيل وحماس تتلقى الرد. مشكوك اذا كان سكان في المجلس الاقليمي اشكول يعرفون، بان الصاروخ الذي بسببه هرعوا للدخول الى الغرف الامنية اطلقت في اعقاب اعتقال حماس لنشيط سلفي.

النمط اياه يجعل اسرائيل، القوة العسكرية المتطورة والاقوى من بين الثلاثة وسيلة في أيدي شبكات صغيرة ليس لبعضها حتى اسم. وعند التفكير في هذا يتبين لنا ان النكتة على حسابنا. اثنان او ثلاثة سلفيين لا يعرفهم احد يضغطون على زر الصاروخ، فيطلقون بذلك طائرات حربية متطورة تضرب رأس أعدائهم، وذلك فقط لانه في ليلة أمس اعتقل سلفي رابع.

وماذا عن النصف الاخر

كم اسرائيلي يعرف من هو بلفور اياه الذي على اسمه تسمى الشوارع في كل مدينة كبيرة تقريبا؟ امس مرت الذكرى المئوية للوثيقة الشهيرة التي وضعها وزير الخارجية البريطاني، آرثور جيمز بلفور، في يد البنكي ليونيل روتشيلد، من قادة الجالية اليهودية في لندن. بريطانيا، التي كانت في حينه القوة العظمى الاقوى في الغرب، اعربت بذلك عن تأييدها لاقامة دولة يهودية، او على حد اللغة المكوية للتصريح، رأت بعين العطف اقامة وطن قومي لليهود في بلاد اسرائيل.

قبل بضعة اشهر من ذلك، حصلت بريطانيا على الانتداب على بلاد اسرائيل.  وقبل بضعة ايام فقط طرد من هنا آخر الجنود العثمانيين في معركة في بئر السبع. لقد كان تصريح بلفور انجازا تاريخيا للحركة الصهيونية، ولكن اسبابه لا تعود الى محبة صهيون. هكذا سعى البريطانيون لخلق اجواء لطيفة قبيل بدء الانتداب وليقربوا الى صدورهم الجالية اليهودية في بريطانيا، ممن كان الكثيرون منهم اغنياء وذوي نفوذ.

عن حق يشير الفلسطينيون الى الوثيقة كبداية انهيار حلمهم في دولة من البحر حتى النهر. وفي السنة الاخيرة، قبيل حلول 2 تشرين ثاني 2017 شرعت السلطة الفلسطينية في حملة ضد تصريح بلفور. « من لا حق له اعطى من لا يستحق »، درج الفلسطينيون على القول وترافقت الحملة مع مطالبة البريطانيين الغاء التصريح بأثر رجعي. أبو مازن نفسه، والى جانبه كبار رجالات السلطة، يكلفون انفسهم عناء ذكر هذه الرسائل في خطاباتهم بين الحين والاخر. وفي الاونة الاخيرة، بروح المصالحة، ارتبطت حماس هي الاخرى في المساعي الاعلامية لمهاجمة تصريح بلفور. وللحظة ادعى الفلسطينيون بان في نيتهم رفع دعوى ضد بريطانيا على اضرار بلفور ولكنهم تراجعوا عن رأيهم على الفور.

ستسألون ما هو هدف الجهود الفلسطينية بالتنديد بالتصريح؟ فقادة السلطة وزعماء حماس يعرفون جيدا بان بريطانيا لم تتراجع عن خطوة سياسية اتخذتها قبل مئة سنة. وبالفعل هم لا يطلبون ان تتراجع بل العكس. فالحملة تستهدف اجبار لندن على المواصلة الى الامام واستكمال النصف الناقص. وحسب نهج الفلسطينيين، فان تصريح بلفور لم يتناول الا المصلحة اليهودية وأهمل العرب. ومنذئذ يتواصل النزاع وينزف بقوة اكبر. حان الوقت، يقولون، ان تدعو بريطانيا الى وطن قومي للشعب الفلسطيني في بلاد اسرائيل.

قانون العلم، صيغة بغداد

صادق البرلمان العراقي هذا الاسبوع على قانون يمنع رفع علم اسرائيل في المجال العام. وكان بادر الى القانون حامد بن الخضري، رئيس كتلة المواطن. وهذه كتلة متوسطة ومنقسمة، اعضاؤها متدينون معتدلين معروفون بولائهم لايران.

سن هذا القانون في اعقاب عدة مناسبات رفع فيها علم اسرائيل في الاقليم الكردي، في الايام التي سبقت الاستفتاء الشعبي. احد لا يعتقد انه عملي، وهدفه الاساس هو الصعود الى عناوين الصحف. الاكراد وحدهم يميلون لرفعه في هذه المرحلة. وللحكومة العراقية مشاكل اكبر من أن تبعث اليه برجال القانون كي ينبشوا وراء كل عمود وشرفة.

في اسرائيل هناك مجموعة ضغط صغيرة لتشجيع العلاقات مع الاقليم الكردي  أبرزها د. ايدي كوهن من جامعة بار ايلان. كوهن، اليهودي الذي ولد في لبنان، اعرب عن تأييد اسرائيلي للشعب الكردي عشية الاستفتاء. وانتشر بيانه الحميم كالفيروس في الشبكة. ولم يخفى عن ناظر السياسيين في بغداد.

عشية الاستفتاء اياه نشر مكتب نتنياهو في القدس بيان تأييد للمساعي الكردية للاستقلال. وبعد بضعة ايام اتصل بي صديق عراقي واشتكى من البيان. قال انكم الوحيدون الذين تؤيدنهم، واضاف انه في العراق هناك من يريدون اقامة علاقات معكم في المستقبل، ومثل هذه البادرات تفعل العكس. فاجبته رغم أن بيان نتنياهو تناول تطلعات الاستقلال لدى الاكراد، كان هدفه الاول اهانة اردوغان الذي لحكومة اسرائيل حساب معه. فالرئيس التركي كما هو معروف، يخاف من مظاهر الاستقلال لدى الاكراد وقد هددهم بحملة عسكرية اذا تجرأوا على اعلان الاستقلال. هذا الاسبوع عدت اليه وسألته  اذا كان قانون العلم هو السبيل الذي يختاره اخوانه لتثبيت العلاقات المستقبلية مع القدس. فلم يتشوش. وقال انه مثلما هو الحال عندكم عندنا ايضا ليس كل العراقيين يريدون الامر ذاته، والسياسيون كما هم في العادة يميلون الى التزلف للجمهور. وبعد ذلك ذكر بيان نتنياهو في الموضوع الكردي. وقال: « هدفكم هو الضغط على اردوغان ولهذا استخدمتم الاكراد. وهكذا هو قانون العلم. انتم لستم العنوان فهو يستهدف المس بالاكراد – عبر إسرائيل ».

كلمات دلالية