خبر الرسائل التي يحملها تفجير النفق

الساعة 11:41 ص|31 أكتوبر 2017

فلسطين اليوم


تفجير النفق وما نتج عنه من استشهاد عدد كبير من المقاومين، بينهم قادة في الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، سواء داخل النفق أو أثناء عملية الإنقاذ؛ أصاب الفلسطينيين بالصدمة ونزل عليهم كالصاعقة، لا سيما وهم يعيشون أجواء المصالحة مملوئين بأمل استثنائي بنجاحها هذه المرة، متشجعين بما أشيع من رفع الفيتو الأمريكي والإسرائيلي عن المصالحة.

التفجير المفاجئ وعدد الشهداء الكبير يضع الكثير من التعقيدات والحسابات على طبيعة رد المقاومة، ويجعلها مجبرة لأن تأخذ الكثير من الاعتبارات بعين الاعتبار أثناء دراستها لأبعاد الجريمة ونوعية الرد ومستوى وجوب الرد ومستوى وجوب الاحتواء، فالقرار في هذه الظروف وهذه التعقيدات شائك ومصيري، وربما يتحول إلى قرار استراتيجي من حيث التداعيات.

وعند دراسة الموقف لابدّ من الوقوف على خلفية ودوافع الجريمة الإسرائيلية، وكيف ستقرأ إسرائيل جواب المقاومة، سواء بالرد المحدود أو التصعيد الكبير أو الاحتواء.

 

معطيات الجريمة

المستوى السياسي والأمني أولى اهتمامًا كبيرًا بالعملية وتعاطى معها بجدية بالغة، فكان نتنياهو أول من أدلى بتصريح متلفز عن العملية، مبررًا ومتوعدًا بضرب كل من يحاول ضرب إسرائيل، وهو تأكيد على الخط الصقري الذي يتبناه في الفترة الأخيرة ضد الجبهة الشمالية.

ليبرمان بدوره أكد، عبر تصريح متلفز، على ذات الخط الصقري المتشدد، وشدد على ان التفجير والكشف تم من داخل أراضي الـ 48، أي أنهم لم يخرقوا السيادة الفلسطينية، محمّلًا الفلسطينيين مسؤولية خرق السيادة الإسرائيلية.

قبل أيام من التفجير، أعلنت القيادة الجنوبية في جيش الاحتلال عن إجراء مناورة على حدود غلاف القطاع، نبهت المستوطنين من سماع انفجارات، وربما كان ذلك للتمويه على نشاطات الجيش والتغطية الأمنية على العملية.

منذ بدايات الإعلان عن التفجير، استخدم الجيش والإعلام التفجير للتسويق والنفخ فيما سموه « الاختراق التكنولوجي » الذي سمح للجيش بكشف النفق واستخدم أيضًا في التفجير، ومن الواضح ان التكنولوجيا - وإن كانت موجودة - لكن تمت المبالغة المقصودة بها لأسباب تتعلق بالتأثير النفسي على الفلسطينيين والتغطية على سبل ووسائل الاكتشاف، وربما أيضًا للتسويق للاختراع لدى الدول التي تهتم بمثل هذه الأسلحة.

أكثر من متحدث إسرائيلي، على رأسهم عاموس جلعاد مسؤول مدير عام وزارة الحرب ورئيس معهد هرتسيليا، شككوا بالمبالغة بالاختراق التكنولوجي، أما المراسل العسكري لإذاعة الجيش طال لبرام فقال ان هناك تقدم تكنولوجي، ولكن هناك أيضًا نشاط أمني، والجهاد الإسلامي تركوا خلفهم الكثير من الآثار، والجيش كان على إطلاع بأمر النفق منذ أسابيع.

يدعون في إسرائيل بأنهم راقبوا تقدم النفق داخل أراضي الـ 48، وأنه لم يكن يشكل خطرًا على كيبوتس « كيسوفيم ».

تضارب في الأنباء الإسرائيلية المتعلقة بطريقة تفجير النفق، فبعضها يقول بالقصف، وأخرى تفجير مراقب، وبعضها الآخر يفيد بأن ما تم عبارة عن قصف وتفجير. بغض النظر عن طريقة التفجير فإن من قام بقصف النفق أو تفجيره كان يملك الكثير من المعلومات التي تجعله على معرفة بوجود مقاومين داخل النفق، وبالتالي كان يقصد قتلهم أو على الأقل لم يكن يعبأ بقتلهم.

على خلاف المرات السابقة في تفجير بعض الأنفاق المكتشفة، فقد تم الحفاظ على خبر اكتشاف النفق طي الكتمان، وتم تفجيره بصوره مفاجئة وفي توقيت حساس جدًا. وعلى خلاف الأنفاق السابقة لم تستخدم إسرائيل اكتشاف النفق للتحريض الإعلامي لفتره من الوقت قبل تفجيره، ولم تقم بأعمال التحذير، فقد اكتشفته قبل أسابيع لكنها اختارت تفجيره بعد أسابيع من اكتشافه.

بيان الناطق باسم الجيش يحمل صيغة الرغبة بالاحتواء، حيث قال « لم نكن نقصد التسبب بمقتل القادة »، الأمر الذي أثار ضده حملة انتقادات واسعة من عدد من الوزراء وكأنه يعتذر عن « قتل المخربين، الذين ينتمون لحركة مثل الجهاد الإسلامي، التي هي ذراع إيران ».

أكثر من مسؤول إسرائيلي صرح بأن حماس في أضعف حالاتها، وأنها ذهبت للمصالحة نتيجة الضعف وليس حبًا في عودة السلطة، وحماس الضعيفة ليس لها مصلحة في التصعيد وستعمل على الضغط على الجهاد واحتواء الأمر. وبحسب إسرائيل فإن جميع الأطراف (مصر وحماس والسلطة) غير معنية بالتصعيد.

 

قراءه في أبعاد العملية ورسائلها

لو لم تكن المصالحة تسير بهذا المستوى من الجدية، ولو كانت الظروف تشبه ما كان عليه الأمر قبل أشهر؛ ربما كانت إسرائيل ستفضل العمل بتكتيك فضح أمر النفق وتوظيفه في التحريض والتقاط الصور ثم تفجيره، والقيام بقصف محدود لمواقع الجهاد وحماس كرد فعل على خرق السيادة. لكن إسرائيل - التي ترى في المصالحة وعودة السلطة إلى بسط نفوذها إلى القطاع وإنهاء حالة الانقسام كتهديد لاستراتيجية نتنياهو التي قامت على تعزيز الانقسام، بما يصل إلى انفصال كلي وضرب وحدة الشعب الفلسطيني وإنهاء مشروعه الوطني، لكنها في نفس الوقت لم تكن قادرة على الظهور بمظهر من يخرب ويعطل المصالحة نتيجة الرعاية المصرية والتأييد الأمريكي - استغلت النفق ووظفته للتخريب على المصالحة واستهدافها دون ان تتحمل مسؤولية اتهامها مباشرة بالتخريب، وتحميل المسؤولية لمن يصرون على خرق السيادة الإسرائيلية بهدف تنفيذ عمليات قتل ضد مواطنيها.

كون النفق يتبع للجهاد الإسلامي مثّل لإسرائيل فرصة إيجابية أخرى، كون الجهاد تنظيمًا يمكن بسهولة التحريض عليه في الأوساط الغربية والإقليمية الرسمية، الأمر الذي يعتبر في إسرائيل عملًا نظيفًا بدون التسبب لإسرائيل بانتقادات أو اتهامات.

بتفجير النفق أرادت إسرائيل تفجير الأوضاع وتفجير المصالحة دون التسبب بتصعيد كبير. إن قراءة الموقف الإسرائيلي لضعف حركة حماس وعدم رغبتها بالتصعيد ربما منح إسرائيل جرأة أكبر في التصعيد والمخاطرة، كما ان قتل مقاومين يتبعون للجهاد لا يمثل بالنسبة لإسرائيل خطورة بانفجار الموقف كما لو ان الجريمة استهدفت مقاومين يتبعون لحركة حماس.

الجريمة تعتبر اختبارًا حقيقيًا لقيادة السنوار، في ظل ظروف ومعطيات صعبة ومعقدة، وهي بذلك اختبار لقيادته في ظروف حرجة، وقد تنطوي على إحراج لقيادته وهو الذي صرح قبل أيام عن جاهزية المقاومة وقدرتها على توجيه ضربة قوية لتل أبيب، والجريمة هنا تعتبر أيضًا استخفافًا بتهديدات السنوار عبر وضعها على المحك.

الجريمة في هذا التوقيت بالذات تضع بطريقة مباشرة وعملية سلاح المقاومة وسلاح الأنفاق على طاولة البحث من قبل أطراف المصالحة، وهي بذلك تفرض عليهم البحث في قضايا فضلوا التهرب من بحثها أو على الأقل تأجيل نقاشها، وهي بذلك إنما تفجر لغمًا خلافيًا كفيل نقاشه بتفجير التفاهمات التصالحية.

كما ان تفجير النفق وقتل المقاومين في الظروف الحالية يمثل لإسرائيل فرصة لرفع مستوى ردعها وتغيير قواعد الاشتباك المعروفة، وهذا هدف كبير سعت إسرائيل إليه دومًا، لا سيما بعد تولي ليبرمان وزارة الحرب.

بتقديرنا ان المقاومة مضطرة للرد الموزون الذي يحمل الرسائل والدلالات المعاكسة للرسائل الإسرائيلية، فمن الخطورة بمكان ان تقتنع إسرائيل بأن المقاومة مردوعة عن الرد، الأمر الذي سيجعلها أكثر تجرؤًا في المستقبل، ويخلق سابقة فلسطينية سنستسهل تكرارها مستقبلًا، ممّا يجعل أمر تغيير قواعد الاشتباك وتعزيز الردع الإسرائيلي أمرًا واقعًا. كما نقدر بأن إسرائيل لا ترغب بالتصعيد الكبير، وسوف تحتوي ردًا محدودًا وموزونًا للمقاومة.

 

كلمات دلالية