خبر سحب فوق رؤوسنا .. يديعوت

الساعة 12:22 م|19 ديسمبر 2008

بقلم: ناحوم برنيع

انتهاء التهدئة ضبط حكومة اسرائيل وهي مشلولة حائرة وعاجزة. حتى ان كان هناك احد ما يريد التدخل في غزة عسكريا فان سلاح الجو كان ليبرده بكلمتين قصيرتين: حالة الطقس. سيهايمن كانت محقة: الحروب لا تحدث في الشتاء فالسحب تغطي المشهد الطبيعي.

حالة الطقس هي طرف الحكاية فقط والمشكلة التي تشكلها حماس لاسرائيل متعددة المواسم والفصول. قيادة الحكومة لم تقتنع حتى اليوم بان هناك وسيلة عسكرية لمعالجة مشكلة غزة. خطة تكون منافعها اكثر من تكلفتها. كما انها لم تقتنع ان هناك طريقا سياسيا لمعالجة مشكلة غزة. فما العمل؟ الانتظار دون نهاية.

الحكومة تعيش صدمات فشل حرب لبنان الثانية. لشدة المفاجئة كان اكثر المتأثرين بصدمة الحرب شخصان لم يكونا ضالعين فيها: رئيس هيئة الاركان جابي اشكينازي ووزير الدفاع ايهود باراك. هناك من يقول ان اشكنازي هو الاكثر حذرا بين رؤساء هيئة الاركان. وهناك من يقول ان الخوف من الفشل يشله. رئيس هيئة الاركان لا يثق بالعملية ولا يؤمن بها.

باراك ايضا لا يؤمن بالعملية. التهدئة كانت مبادرته واعدت بدرجة معينة من خلف ظهر الحكومة. عندما جاء لاقناع الوزراء بضرورتها قال انه ان حدث خرق واحد لاطلاق النار، فسيرد الجيش بصرامة. التهدئة ستتوقف. قال ان الوضع مشابه للحالة مع مصر. ان خرقت حماس التهدئة وان حدث تهريب للسلاح وان قال رئيس الشاباك انه قد حدث- فنحن لن نتشاور معكم وانما سنتحرك.

حدث مع باراك خلل مشابه في عام 2000، بعد ان سحب الجيش من لبنان. هو هدد برد اسرائيلي شديد على كل خرق لوقف اطلاق النار ولكنه ابتلع ريقه عندما اختطف حزب الله جنديين. الظروف كانت صعبة والجيش كان مشغولا بالانتفاضة وكان من الخطورة اشعال جبهة ثانية. اذا لماذا كان عليه ان يهدد؟.

ليست هناك عملية عسكرية لانه عندما يكون وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان معارضين فليس من الممكن ان تحدث. ليس في اسرائيل. اولمرت الذي كان بامكانه ان يلوي ذراع باراك عندما تعلق الامر بعملية محددة ليس بامكانه ان يفعل ذلك بعملية واسعة مع احتمالات كثيرة في غزة.

وعدا عن ذلك ليست لديه خطة. في اخر المطاف هو ايضا لا يريد عملية في غزة.

تسيبي لفني دعت في البداية للرد بشدة على خروقات حماس. الحكومة لم تصغي لها والان تكرر نفس الطلب في خطاباتها. لو كانت رئيسة للوزراء فهي كانت لتجبر الجيش على خوض عملية عسكرية كبيرة؟ اشك في ذلك.

داخل هذا الوضع السيء تدخل قضية اخرى غريبة جدا. قبل سنة توصل طاقم من الوزارات برئاسة يورام تورفوفتش، رئيس الطاقم في ديوان رئيس الوزراء، الى ان مصلحة اسرائيل تستوجب السماح بادخال اموال السلطة الفلسطينية لغزة. اسباب مختلفة كانت وراء ذلك القرار منذ ذلك الحين، ولكن السبب الاهم عملي: لو لم تسمح اسرائيل بدخول الاموال فانها كانت ستستبدل بالدنانير الاردنية او بالدولارات، ومن ثم تهرب عبر الانفاق الى غزة. ليست هناك وسيلة لمنع تدفق الاموال الى غزة.

السلطة الفلسطينية رغبت بتحويل 200 مليون شيكل الى غزة. هذا مالها وهو يرسل لاتباعها. اولمرت طلب من باراك ان ينفذ فرفض. اولمرت ضغط فوافق باراك على تحويل 60 مليون، وفي اخر المطاف دخلت 100 مليون.

لفني اجرت مداولات في وزارة الخارجية هي تريد استكمال فك الارتباط عن غزة، بما في ذلك وضع اسوار جمركية وفصل العملة. هذا ممكن: الفصل لن يؤدي الى انهيار الشيكل، ولكنه قد يصعب على اسرائيل اجراءات الدخول الى منظمة الدول الصناعية.

على خلفية المعركة الانتخابية تحول هذا النقاش حتى التقني تماما الى مسألة ايديولوجية. لا غرابة ان جماعة حماس بغزة يضحكون طوال الطريق الى قواعد اطلاق القسام. هناك سبب وراء ضحكهم.

مناورات مريبة جدعون ساعر قام بطرح مجموعة من القوانين على الكنيست خلال فترة خدمته فيه. احد القوانين التي رغب بها جدا كان ما اطلق عليه اسم قانون بيرتس: القانون الذي اريد منه وضع بيرتس امام خيار صعب- اما الكنيست او الهستدروت.

القوانين الفردية الخاصة بالوظائف هي مسألة سيئة وهذا القانون ولد بصورة سيئة واستثنائية. بمطلع التسعينيات اقرت الكنيست تعديل قانون يحظر ازدواجية المناصب. رؤساء النقابات المهنية كانوا استثناءا وهذا لم يرق لساعر فادعى بدرجة من المنطق ان منصب بيرتس كرئيس للهستدروت يوفر له تميزا في المنافسة على المقعد في الكنيست.

ولكن كانت امامه مشكلة: ابراهام هيرشزون رفيقه في كتلة الليكود كان رئيسا هستدروت العمال الوطنيين. مع كل رغبته في توجيه ضربة لبيرتيس الا انه لم يكن يستطيع المس بهيرشزون.

في شهر كانون الثاني 2005 عين هيرشزون وزيرا للسياحة هو استقال من منصبه وازيل الحاجز فتقدم ساعر بطرح القانون الذي يريده ليتبين له ان هناك حاجزا جديدا: حاييم كاتس الذي يتراس نقابة عمال الصناعات الجوية.

وهكذا فكر جدعون ساعر وفكر الى ان وجد الحل. التعديل 13أ الذي اضيف على القانون وحصل على الاغلبية (53 ضد 42) في حزيران تموز 2005، تضمن منع عضو الكنيست من ان يكون منتخبا في هيئة عامة. خمسة هيئات اعتبرت "هيئة عامة" : السلطة المحلية، المجلس الديني، الهستدروت العامة الجديدة، هستدروت العمال الوطنيين، الهستدروت الصهيوني.

هل ذكرت الصناعة الجوية؟ هي لم تذكر وهكذا اضطر بيرتس للاستقالة من رئاسة الهستدروت بينما بقي حايم كايتس رئيسا لنقابة العاملين في الصناعات الجوية وعضوا في الكنيست.

انا اعتقد انهم يبالغون بالتنظير للديمقراطية داخل الاحزاب. الديمقراطية يجب ان تكون في انتخابات الكنيست. الطريقة التي يختار فيها الحزب مرشحيه هي مسالة تخصه. في شاس مثلا يختار عوفاديا يوسف المرشحين. هو يعرفهم جيدا ويتابع عملهم عن كثب. ومثله ايفيت ليبرمان في اسرائيل بيتنا: هناك لجنة تنظيمية ولكن المقرر هو شخص واحد. ان كان ليبرمان لا يرغب بخسارة الانتخابات فهو يختار المرشحين الذين يساعدونه في ذلك.

في الليكود في المقابل يضطرون للقيام بكل المناورات والحيل المريبة لتعديل القائمة بعد تركيبها. فضيحة تتلوها فضيحة. لو سمحوا لنتنياهو باختيار القائمة بنفسه لكانت النتيجة افضل بكثير. ولم يكن المرشحين مضطرين لبيع روحهم للفايغلينيين وحايم كاتس ومقاولي الاصوات الاخرين.

ساعر كان اول من خرج من الانتخابات بفارق اكثر من 4000 صوت عمن يتلوه، وهو جلعاد اردين. بعد الاصوات جاء من فايغلن والبعض الاخر من كاتس. السخرية هي ان ساعر ليس بحاجة لهم بالمرة: هو كان سيحظى بالمرتبة الاولى من دونهم.

المسألة المقلقة فعلا هي مكانة الصناعات الجوية في المعركة السياسية. العاملون والادارة فيها سواء بسواء. كاتس يعالج القضايا الشركة مع الجهاز السياسي واعضاء كتلة الليكود الذين يحتاجون الاصوات في الصناعات الجوية. في سيقليا يسمون ذلك مافيا. اما في اسرائيل فيسمونه عادة. هذا هوالحال دائما كما قال لي احد قدامى الصناعات الجوية، وهذا ما سيكون.

في اثر المالية بالامس صباحا جلس اثنان من كبار مسؤولي المالية لتبادل اطراف الحديث: "الاقتصاد نجى" قال احدهما للاخر. "فلتنظر كيف انتهت انتخابات كاديما التمهيدية".

هو بالغ طبعا. الاقتصاد الاسرائيلي يتقدم بخطوات واسعة نحو احدى السنوات الاصعب في تاريخه. ولكن حقيقة ان وزير المالية روني بار اون قد وصل الى المرتبة الثالثة في قائمة كاديما توفر بعض الطمأنينية لكبار المسؤولين في المالية في الوقت الراهن. بار اون حول رئيس الهستدرون عوفر عيني الى عدو معلن له. ورغم ذلك لم يتضرر. لم يمسه عداء نقابات العاملين ولا الاجواء الكئيبة السائدة حول الوضع الاقتصادي. اذا هذا يعني ان الناس قد بدأوا يقدرون سياسة شد الاحزمة التي يدعو لها ام ان الناخبين في كاديما لا يكترثون. هم صوتوا وفقا للصفقة وليس لسبب اخر.

بعض العاملين في اربعة مصانع تظاهروا قبالة وزارة المالية عشية الانتخابات التمهيدية في كاديما مطالبين بان يمنح مركز الاستثمارات مصنعهم الاموال، والا فانهم سيتعرضون للاقالة. مظاهرات العمال امام المالية مشهد طبيعي ولكن ليس في كل يوم يتظاهر العمال مطالبين باعطاء الاموال لارباب عملهم ومن خزينة الدولة. المصانع كلها في الضواحي. بار اون من ناحيته يقول انه لا يملك المال والجدل يدور حول مسألتين: الاولى ما هي العبرة التي يتوجب على المالية ان تستنتجها من التحقيق الجاري ضد اولمرت في قضية مركز الاستثمارات. والثانية هي كم يمكن للدولة ان تدس يدها في جيوب دافعي الضرائب والى اي مدى يمكنها ان تصل، في هذا الجيل والاجيال القادمة حتى تمنع سقوط المستثمرين الفاشلين.

المسألة الثانية تشغل جدول الاعمال في كل دولة متطورة اليوم. البنوك والشركات العامة والمصانع ورؤساء البلديات يقفون على اعتاب الحكومات صارخين ومطالبين بان تنقذهم. الرأي العام يجد صعوبة في معرفة الامر الاكثر سوءا: اتاحة المجال للمصانع حتى تسقط، الامر الذي يعني ضياع اموالهم واماكن عملهم، او تفريغ خزينة الدولة واثراء المدراء والمستثمرين الفاشلين الجشعين الذين كانوا وراء الازمة كلها. امريكا في حالة فزع والازمة ملموسة جدا: هي ملموسة في مجال السيارات والمجمعات التجارية والعقارات السكنية. مئات مليات الدولارات اهدرت في الاسابيع الاخيرة من اجل ترسيخ وضع الاقتصاد الا ان الازمة ازدات عمقا فقط.

وزارة المالية في اسرائيل ليست مسرعة. الشعور هناك هو ان عيني ورئيس منظمات ارباب الصناعة شرغا بروش وبعض الاثرياء يحاولون سرقة خزينة الدولة. بار اون يتضامن مع المسؤولين الكبار في وزارته مئة بالمئة. في هذا الاسبوع عندما اراد اولمرت التصويت على خطة حماية اموال التقاعد صوت بار اون ضد الخطة- واحد ضد الجميع.

وهذا الامر يعيدنا الى قضية العلاقات السائدة بين بار اون وبين اولمرت. المجابهة بينهما صعبة ومريرة. اولمرت توصل الى استنتاج ان بار اون هو خصم مزمن يجيد التخاصم ويحول الجدالات التي تبرر التسوية الى مجابهة لا داعية لها. الجامعات هددت بالاضراب. المالية اقترحت عليها 450 مليون شيكل. هي طالبت بمائة مليون اخرى. اولمرت اتفق معهم 465 مليون و50 مليونا اخرى لتطوير، يتم تحويلها فقط بعد المصادقة على الخطط في وزارة المالية. لا ضرورة لتسبب باضراب 200 الف طالب بسبب هذه الفجوة.

ولكن كان لبار اون راي اخر. هو انفجر غضبا عندما اكتشف ان التخنيون قد خسر 15 مليون دولار في ملاحق قضية غش مادوف. والان يأتونه لطلب الاحسان وفي المقابل يقومون بالاستثمار في البورصات الامريكية. اولمرت لم يتاثر مثله وقال ان التخنيون كان سيخسر لو استثمر في البورصة الاسرائيلية ايضا.

بار اون يتهم اولمرت بانه قد خضع لضغوط عيني وبروش المالية. لم يعطيهم اغورة، يقول اولمرت. عندما رفض بار اون الاستجابة للضغوط الاتية من المصانع، لم يقل اولمرت كلمة علانية بحقه. كانت هناك محاولة من جانبه او من جانب اتباعه لاقناع المسؤولين في المالية بالتجاوب مع مطالب المصانع ولكن المالية رفضت ذلك. اولمرت ابتلع الرفض بهدوء وصمت مفترضا ان المالية ستخضع في اخر المطاف لانها ستضطر لذلك.

حقيقة ان اولمرت لن يكون رئيسا للوزراء بعد ثلاثة اشهر وان بار اون لن يكون في المالية بالضرورة تزيد من التوتر فقط. كل واحد منهما يفكر بما سيتركه من وراءه. اولمرت يريد ان يتذكروه كرئيس وزراء مقرر وحازم ومسؤول وسخي. وبار اون يريد منهم ان يتذكروه كوزير مالية مقاتل عنيد محافظ على الخزينة.

بالامس صوت اولمرت في انتخابات كاديما. لم اكن وراءه عندما صوت ولكني افترض ان بار اون لم يكن ضمن القائمة التي اختارها.