خبر غمزة عين متعددة المعاني .. هآرتس

الساعة 12:17 م|19 ديسمبر 2008

بقلم: تسفي بارئيل             

مصر لن تتحمل عبارات اسلامية على حدودها الشرقية"، حذر رئيس لجنة الخارجية للبرلمان المصري مصطفي الفقي في بداية الشهر، خلال تطرقه لحكم حماس في قطاع غزة. حماس تدعي ان مصر ليست "وسيطا نزيها"، بينها وبين فتح. والفقي لم يحاول بالفعل ايجاد النقطة الوسطى بين التنظيمين . هو اتهم حماس صراحة بافشال اللقاء مع فتح، الذي بادرت مصر الى عقده في تشرين الثاني في اطار حوارات المصالحة (حماس الغت مشاركتها قبل اللقاء بيوم)، واضاف ان حماس حسب رايه هل المسؤولية عن اغلاق معبر رفح.

في هذا الاسبوع اضاف وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط بعض الزيت على النار المشتعلة. "ايران لا تحرص على مصالح المفلسطينيين وانما على مصالحها الخاصة فقط". قال في معرض رده على اتهامات رئيس ايران السابق هاشمي رافسنجاني الذي ادعى ان مصر تمنع ادخال المساعدات الى غزة، وبذلك تتعاون مع اسرائيل في الاغلاق الذي تفرضه على القطاع. مصر ترى حماس وايران ككتلة واحدة، تهدف الى اضعاف وزعزعة السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس. حماس في نظر القاهرة ليست تنظيما فلسطينيا وطنيا، وانما امتدادا للجمهورية الايرانية الاسلامية، ودورها توسيع دائرة نفوذ ايران في الشرق الاوسط.

ولكن في الوقت الذي تحاول فيه مصر مواجهة الضغوط الشعبية الداعية الى رفع الحصار الاقتصادي عن غزة، يقوم الاردن تحديدا بتعزيز صلاته مع حماس. حكاية الغرام الجديدة هذه تجري في السر منذ ان التقى رئيس الاستخبارات الاردنية محمد الذهبي في شهر اب مع ممثل حماس في الاردن، ذلك اللقاء الذي حصل طبعا على مصادقية الملك الاردني عبدالله وترحيب من نادر الذهبي رئيس الوزراء وشقيق رئيس الاستخبارات.

عبدالله الذي حذر قبل سنة من نشوء "الهلال الشيعي" في الشرق الاوسط، يرى في حماس فجأة درعا واقعا لترسيخ مكانة الاردن. كيف يحدث ان دولتين تعتبران معتدلتين وموقعتان على السلام مع اسرائيل تنظران الى حماس بمثل هذه الصورة المتناقضة؟

الرد يكمن في خوف الاردن العتيق: هو يخشى كما كان من التحول الى دولة فلسطينية. الاردن غاضب على ابو مازن، بسبب ابعاده عن المفاوضات مع اسرائيل. غضبه يزداد عندما يسمعه وهو يقول ان الحاجة لحل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان موجودة على راس اولوياتها. هو لا يتطرق للاجئين في الاردن او اولئك العالقين في سوريا. عبدالله الثاني يوجه نظهر ايضا نحو اسرائيل، ويقدر ان اليمين سيفوز في الانتخابات القريبة. هذه التطورات من وجهة نظر الملك قد تنعش فكرة "الوطن البديل": الاردن هو الوطن الفلسطيني وهو الذي سيضطر لاستيعاب اللاجئين القادمين من لبنان- فوق المليوني لاجئ فلسطيني الذين يعيشون هناك.

وسيلة الخلاص من هذه الضائقة، تكمن في تبني حماس. بالحذر والارتياب المطلوبين، يفضل الاردن حركة تقول بصورة واضحة ان حل مشكلة اللاجئين وحدود الدولة المستقبلية لن يكون على حساب الاردن، وقادرة من الان على تشكيل "كتلة حاسمة" امام رؤية وتصور فتح السياسي، والتي قد تمس بالمصالح الاردنية.

محللون اردنيون يضمون لقائمة مخاوف مملكتهم ايضا فشل الولايات المتحدة المدوي في محاولاتها للتوصل الى اتفاق مبادىء حتى اخر السنة. الفشل دفع بالاردن بالحرص على نفسه: "الاردن قرر ان من الافضل له الحرص على تطبيق حل خاص به للدولتين لشعبي. دولة للاردن واخرى للفلسطينيين ، طالما ان حل الدولتين لشعبين يهودي وفلسطيني، لم يتحقق"، يوضح محلل اردني، "مثل هذا الحل يستوجب التعاون مع حماس اكثر منه مع فتح". هل يمكن للاردن ان يتفاوض مع حماس من دون ان يخشى رد الفعل الامريكي اوالاسرائيلي؟ "ان كانت اسرائيل تتفاوض مع سوريا او كانت واشنطن تقترح حوارا مع ايران، فلماذا لا يتفاوض الاردن مع حماس؟ اوليست حركة فلسطينية؟ واولم تجري اسرائيل بنفسها مفاوضات غير مباشرة مع حماس حول التهدئة واطلاق سراح شاليت".

بين مصر وسوريا والاردن، تحولت حماس الى تنظيم لا يمكن ان تكون اعتباراته محصورة في القطاع. "التهدئة ليست فقط وسيلة تكتيكية لادارة الصراع بينها وبين اسرائيل"، يقول قيادي حمساوي في الضفة لصحيفة هارتس، "هي تتعلق بمكانة التنظيم وفترة ولاية محمود عباس بعد التاسع من كانون الثاني (والتي ستنتهي حينئذ وفقا لوجهة نظر حماس) وعلاقات حماس مع دول عربية واحتمالية ايجاد قناة مفاوضات مع الادارة الامريكية الجديدة في واشنطن، والتغيرات الاستراتيجية المتوقعة اثر تعيين براك اوباما رئيسا".

في حماس يقدرون انه سيكون هناك حوارا بينهم وبين الولايات المتحدة، وان ايران هي الاخرى قد تكون بطريقة ما جزءا من الحوار الجديد في المنطقة. ومن هنا يتربص بحماس خطران اثنان- وكذلك فرصتان سانحتان. المخاطر: ان تقوم سوريا ببيع حماس مقابل العلاقات مع واشنطن وان تقوم واشنطن بدورها- مع مصر، السعودية، اغلبية اعضاء الجامعة العربية- بمنح عباس الرعاية والدعم الكفيلين ببقاءه في منصبه بعد شهر كانون الثاني ايضا. اما الفرص: ان توافق واشنطن على التفاوض مع حماس ايضا وبذلك تمنحها مكانة جديدة، وان تستخدم سوريا رافعتها المتوفرة لديها حتى تدفع حماس لاحداث التغيير البنيوي في نظام الحكم في المناطق. سوريا التي دفأت علاقاتها مع الاردن مؤخرا تستطيع حينئذ الظهور كمن تسبب بالمصالحة الفلسطينية الوطنية وليس مصر التي فشلت حتى الان في هذه المهمة بصورة ذريعة.

منظومة الاعتبارات السياسية هذه عند حماس، هي التي ستفرض ايضا قرار تمديد التهدئة او عدمه، ومدى الشدة النارية الممارسة ضد اسرائيل وكيفية استخدام هذه النيران لخطوات استراتيجية ناجعة لحماس. الضغط في الشارع بسبب الحصار الاقتصادي قائم ومثقل، ولكن شبكة الانفاق التي تدخل البضائع والسلاح والمال للقطاع، تزيل جزءا من العقبات وتتيح لقيادة حماس بدمشق ان تناور- وان تكسب الوقت للاساس.