خبر تطور الهوية الوطنية في الفكر السياسي للحركة الإسلامية الفلسطينية

الساعة 06:43 ص|19 أكتوبر 2017

فلسطين اليوم | أشرف الفاعوري

 بقلم د. وليد القططي

في مقال سابق تناولت موضوع تطور الهوية الوطنية الفلسطينية موضحاً مراحل بروز مفهوم الهوية الوطنية الفلسطينية التي تبلورت من خلال الصراع مع كل من الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني كتهديد لوجود الشعب الفلسطيني المادي والمعنوي وكنقيض لهويته الوطنية باعتباره يقوم على نفي وجود الشعب الفلسطيني. وتوضيح دور المقاومة كإطار جامع وناظم للهوية الوطنية الفلسطينية، وبيان أهمية التفاف الشعب الفلسطيني حول قضيته المركزية، وتوّحده حول مشروعه الوطني بعناصره: التحرير والعودة والاستقلال، وضرورة وجود إطار سياسي جامع وقيادة وطنية موّحدة للحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، ولاستكمال هذا الموضوع من المفيد تسليط الضوء على زاوية أخرى تتناول تطور الهوية الوطنية في الفكر السياسي للحركة الإسلامية الفلسطينية متمثلة في حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

أساس الهوية الوطنية في فكر الحركة الإسلامية يقوم على الرابطة الإسلامية القائمة على أساس العقيدة، أما الروابط الأخرى كالقومية والوطنية وغيرهما فلا قيمة لها بدون رابطة العقيدة والدين، فالفكر السياسي للحركة الإسلامية يقوم على فكرة (الأمة الإسلامية) كأمة واحدة تجمعها رابطة العقيدة، وليست على فكرة (الجماعة الوطنية) التي يربطها الوطن الواحد. وهذه الرؤية متجسّدة في كتب المفكر سيد قطب حيث اعتبر أن لا وطن للمسلم إلاّ التي تقام به شريعة الله ونفي أهمية روابط العرق والجنس والوطن وغيرها. أما الإمام حسن البنا فقد اعتبر أن أساس وطنية المسلمين العقيدة الإسلامية، واعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وليس بالتخوم الأرضية أو الحدود الجغرافية. غير أنه قد حدث تطوراً على فكرة الهوية الوطنية لدى الحركة الإسلامية خاصة على يد كل من حسن الترابي في السودان وراشد الغنوشي في تونس الذي اعتبر فكرة الدولة الوطنية تقوم على فكرة (المواطنة)، وفكرة المواطنة قائمة على (الصحيفة) دستور دولة المدينة الذي اعتبر « المسلمون واليهود أمة من دون الناس، لهم ما لنا وعليهم ما علينا » فسماها الغنوشي (أمة المواطنة) التي تربطها الحياة المشتركة وتساوي الحقوق والواجبات في بقعة جغرافية مشتركة هي (الوطن).

وانسجاماً مع فكر الحركة الإسلامية ممثلة في الإخوان المسلمين التقليدي حول مفهوم الهوية الوطنية جاء ميثاق حماس الذي أصدرته في بداية انطلاقتها عام 1988 فعرّفت نفسها بأنها جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين، وأبرزت البُعد الديني للقضية الفلسطينية على حساب البعدين: القومي والوطني، واعتبرت الوطنية جزء من العقيدة الدينية التي تفرّض على المسلمين الدفاع عن وطنهم وتحريره... وما بين الميثاق عام 1988 والوثيقة السياسية الجديدة عام 2017 حدث تحوّل في الفكر السياسي الحمساوي انعكس على الخطاب السياسي لا سيما في المفاهيم والمصطلحات فتحوّل مفهوم الأمة الإسلامية إلى الشعب الفلسطيني، والمبادئ العقيدية إلى الثوابت الوطنية، والحقوق الدينية إلى الحقوق الوطنية، والدولة اليهودية إلى الكيان الصهيوني، واليهود إلى الصهاينة، والجهاد إلى المقاومة... وبرز هذا التحوّل في الوثيقة السياسية التي كانت تحوّلاً واضحاً نحو الفكر الوطني الفلسطيني وإبراز للهوية الوطنية الفلسطينية في إطار أبعادها السياسية والعربية والإسلامية .

وأهم ملامح هذا التحول نحو إبراز الهوية الوطنية الفلسطينية فقد ذكرت الوثيقة أن حركة حماس « حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية » بعد أن كانت جناح من أجنحة الإخوان المسلمين في الميثاق، وحددت هدفها « تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني » بعد أن كان إقامة الدولة الإسلامية، وأصبحت أرض فلسطين « أرض الشعب الفلسطيني ووطنه » بعد أن كانت أرض وقف إسلامي، وركزت على « الشخصية الفلسطينية صفة أصيلة » بعد أن كانت مرتبطة بالعقيدة، ولم تشترط في الوثيقة أن تتبنى منظمة التحرير الفلسطينية الإسلام كشرط لدخولها، بل اكتفت « بضرورة تطويرها وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية تتضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني بما يحافظ على الحقوق الفلسطينية » . وهذا كله يؤكد انزياح حركة حماس نحو الفكر الوطني الفلسطيني الذي يؤكد على الهوية الوطنية الفلسطينية.

أما بالنسبة لحركة الجهاد الإسلامي فكان التحوّل في فكرها السياسي نحو الهوية الوطنية الفلسطينية أكثر سلاسة نظراً لطبيعة نشأتها خارج إطار جماعة الإخوان المسلمين، فبالرغم من أن الحركة تأثرت بفكر الإخوان المسلمين خاصة وأنها استقت الكثير من أفكارها من فكري حسن البنا وسيد قطب إلا أنها ومنذ البداية كانت نظرتها للحركة الوطنية الفلسطينية أكثر انفتاحاً رغم رؤيتها الجذرية الرافضة لمشروع التسوية السياسية للمنظمة، فقد اعتبرت أن القضية الفلسطينية هي قضيتها المركزية بل قضية كل الحركة الإسلامية وكل الأمة المركزية، ومنذ البداية كانت تعرّف نفسها بأنها « حركة وطنية بمرجعية إسلامية »، ولا ترى أي تناقض بين دوائر الانتماء الثلاثة: الوطنية والقومية والإسلامية"، وتعتبر نفسها نقطة تقاطع بين كل من: الحركة الإسلامية والحركة الوطنية، إضافة إلى أنها ترى نفسها جزء من الحركة الوطنية الفلسطينية على قاعدة الانتماء للوطن الواحد بعيداً عن الصراعات السياسية والحزبية، كما تؤمن بفكرة (الجماعة الوطنية) دون التخلي عن فكرة (الأمة الإسلامية) ولذلك قدمت الحركة خطاباً سياسياً ينسجم مع فكرها السياسي أهم ملامحه: البُعد عن لغتي التخوين والتكفير وإقصاء الآخر الوطني والإسلامي، وإعطاء الصراع بُعداً وطنياً كحركة تحرير وطني وبُعداً حضارياً بين مشروعين متناقضين، واعتبرت الجهاد من أجل التحرير وليس فرض العقيدة بالإكراه... وهذا كله يؤكد وضوح الفكرة الوطنية لدى الحركة وإدراكها لخصوصية الهوية الوطنية الفلسطينية في إطار أبعادها الفلسطينية والعربية والإسلامية. 

كلمات دلالية