خبر ترامب ضد ما بعد الحداثة -هآرتس

الساعة 10:28 ص|16 أكتوبر 2017

فلسطين اليوم

بقلم: تسفيا غرينفيلد

(المضمون: ترامب يرى نفسه كمن ارسلته الجماهير لتدمير قواعد اللعب السابقة التي سادت في فترة الحرب الباردة، وأنه يمثل رد فعل لما بعد الحداثة والخطاب المشوه الذي جاء في اعقابه - المصدر).

الجميع يضحكون، يبكون ويغطون وجوههم بأيديهم بيأس. رئيس الولايات المتحدة يشاغب وكأنه في روضة اطفال، وجميعهم يخافون على السلام العالمي. هناك محللون يعتقدون أن ترامب يرفض الاتفاق النووي مع ايران لأنه يصمم على تحطيم أي ذكر لارث الرئيس السابق براك اوباما. وهناك آخرون، مثلما حدث في الصراع مع كوريا الشمالية، يعتقدون أن ترامب دفع الى اخطار بسبب مزاجه الصبياني المشاكس.

في البلاد تحتفل آلة نتنياهو الاعلامية بالانتصار الكبير لرئيس الحكومة، وتولد الانطباع بأن ترامب سحر به واقتنع تماما بادعاءاته. فقط عدد قليل من الاشخاص، اذا وجدوا، يذكرون الحقيقة

 

التي لها علاقة أكثر من غيرها بالتطورات الاخيرة وهي أن الادارة الحالية تخشى اساسا من تداعيات تهديدات ايران على دول النفط السنية. لهذا فان ترامب يحتج على العيوب البارزة في الاتفاق التي تبقي السعودية (واسرائيل) في خطر. الطريقة الوحيدة لاقناع ايران بقبول قيود اخرى على حرية نشاطها هي من خلال التهديدات.

هذا هو سبب المشهد السياسي الذي يجري أمام ناظرينا. ربما أن يؤدي الى كارثة، كما يخشى كل من ينتقدون ترامب، وربما تقتنع ايران أن من الافضل لها أن لا تبالغ. المقامرة ليست سهلة، لكن يبدو أن التاريخ سبق له وأثبت أن التنازل بأي ثمن تقريبا هو الذي أجل قليلا موعد الدفع، لكنه لم يؤد بالضرورة الى نتائج افضل. ومثلما قال تشرتشل عن فرنسا (وهناك من يقولون عن بريطانيا) عشية الحرب العالمية الثانية: « كان يجب عليها الاختيار بين الاهانة والحرب؛ وهي اختارت الاهانة وستحصل ايضا على الحرب ».

منذ الحرب العالمية الاولى تفضل الديمقراطيات في الغرب اجتثاث التوترات في مهدها، التي يمكن أن تقود العالم الى الحرب الشاملة. استراتيجيات الاحتواء وضبط النفس تشكل جزء بارزا من هذه المقاربة، التي حققت بهذه الطريقة 70 سنة من الهدوء النسبي للعالم. وحتى المواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي حول ازمة الصواريخ في كوبا في 1962 اثبتت أنه عندما يصل التهديد الى شواطيء الولايات المتحدة فان هذه الاستراتيجية تفقد صلاحيتها. إن عودة ترامب الى النماذج القديمة المتمثلة بالتصريحات العلنية عن مواجهة عسكرية، تخيف بدرجة كبيرة العالم، لأن معظم الدول الغربية تؤمن بأنه حتى اذا اصبحت ايران دولة نووية وابتلعت السعودية (أو اسرائيل)، واذا قامت كوريا الشمالية بابتزاز وتهديد كوريا الجنوبية واليابان – فانه لن يحدث لهذه الدول أي شيء. فهي توجد بعيدا عن تلك الصراعات المحلية. بسبب ذلك فان الشيء المهم هو منع الخلافات الدولية التي ستجرها رغم أنفها الى الحرب.

من الواضح أن ترامب لا يلعب حسب هذه القواعد. الافتراض لدى معظم المحللين هو أن التصرفات المشاكسة تجتث كل معنى عقلاني في تصرفاته، وتضعه كتهديد دولي فقط. ولكن من اعتادوا على مدى عشرات السنين على خطاب هدفه الخفي الاساسي هو الدفاع عن الغرب الثابت، حتى بثمن جرائم غير محتملة في الهوامش، لا يخطر ببالهم أن هناك خط متطرف واضح، يوجهه، ولا يرتبط بمواقف الجمهوريين أو الديمقراطيين.

ترامب يرى نفسه بصورة واضحة كمندوب الجماهير، وكمن انتخب لمنصبه من اجل تحطيم انظمة الكذب الاجتماعية والسياسية المتفق عليها، التي سيطرت على العالم منذ الحرب الباردة. ترامب ومن يؤيدوه يريدون العودة الى العالم الذي يحدد بصورة واضحة الشر، غير المستعد للتسليم بوجوده. رد الفعل على ما بعد الحداثة وعلى الخطاب المشوه الذي نما في اعقابه، يسير الى الأمام.

 

كلمات دلالية