خبر لماذا لا نُعوّل كثيرًا على مُفاوضات المُصالحة الفِلسطينيّة ؟ عبد الباري عطوان

الساعة 01:08 م|11 أكتوبر 2017

فلسطين اليوم

تَبدأ اليوم (الثلاثاء) في القاهرة الجَولة الأولى من “مُباحثات المُصالحة” بين حَركتي “فَتح” و”حماس″، حيث وَصلت الوفود التي تُمثّل الجانبين، وكان لافتًا أن وَفد حَركة “حماس″ تَغيّر في مُعظمه، مِثلما تَغيّرت الكَثير من مَواقِفها وسياساتها دون التخلّي عن الثّوابت الأساسيّة، بينما لم يَتغيّر وَفد حَركة “فتح” وقيادته باستثناء بَعض “الرّتوش” فيما بَقيت المَواقف على حالها، ممّا يَعكس حالةً من “الجُمود” لا تُبشّر بالكَثير من التّفاؤل في إمكانيّة التوصل إلى اتفاق مُصالحةٍ حقيقيٍّ يتّسم بالدّيمومة.

العَقبة الرئيسيّة كانت، وما زالت، تتلخّص في سِلاح المُقاومة، فحَركة “حماس″ تُريد الاحتفاظ بِه كضمانةٍ لمُواجهة أيّ عُدوانٍ إسرائيلي، والسّلطة في رام الله تُريد انتزاعه استجابةً لضُغوط إسرائيليّة أمريكيّة، وتَجنّبًا لتهديداتهما بوَقف المُساعدات الماليّة التي تُشكّل “عمود الخَيمة” بالنّسبة إلى بَقاء السّلطة ورئيسها اللذين يَعتمدان على هذهِ المُساعدات للتحكّم بولاء أكثر من 160 ألف مُوظّف مُدرجين على قوائم مُرتّباتِها شَهريًّا.

الرئيس محمود عباس الذي قال أنّه طَلب أكثر من مرّة اللّقاء مع نتنياهو، ولكن الأخير يَرفض، الرئيس قال أن قوّات أمن سُلطته ستَعتقل أيّ مُواطنٍ فلسطيني من حركة “حماس″ يَحمل سِلاحًا، لأن سِلاح الأمن الفلسطيني هو السّلاح الشّرعي الوحيد، في رسالةٍ واضحةٍ إلى حركة “حماس″ تقول أنه لا مُصالحة في ظِل بَقاء سِلاحها، وكَرّر الرئيس عباس أكثر من مرّة أنّه لا يَقبل تِكرارًا لصيغة “حزب الله” في قطاع غَزّة.

من المُفارقة أن القيادة المصريّة التي تُقيم علاقاتٍ رسميّة مع إسرائيل مَحكومة بمُعاهدة كامب ديفيد، وتُقيم تنسيقًا أمنيًّا وعَسكريًّا معها لمُواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” في سيناء، أكثر تَفهّمًا وتَقبّلاً لسِلاح المُقاومة، ونموذج “حزب الله” في قطاع غَزّة من السلطة الفلسطينية ورئيسها، فلم تُطالب مُطلقًا في مُحادثاتها مع حركة “حماس″ التي أدّت إلى التوصّل إلى “تفاهماتٍ” بين الجانبين انعكست إيجابيًّا على العلاقات بينهما، لم تُطالب بنَزع سِلاح المُقاومة مُطلقًا، وتبنّت وِجهة نَظر “حماس″ في هذا المِضمار، واعتبرتها الطّرف الأكثر تنازلاً لتسهيل المُصالحة بحلّها اللّجنة الإداريّة، واستعدادها لتسليم “الوزارات” لحُكومة الدكتور رامي الحمد الله “رئيس الوزراء.

لا نَفهم لماذا يُعارض الرئيس عباس نَموذج “حزب الله” في قطاع غَزّة، ويُطالب بإلحاح بنَزع سِلاح المُقاومة، وهو الأمر الذي خاضت إسرائيل ثلاث حُروب ضد القِطاع من أجل تحقيقه، وارتكبت جرائم حرب خلالها، دون أن تنجح، لو كانت سُلطة الرئيس عباس تتمتّع بالسيادة على الأرض في إطار دولة فلسطينيّة مُستقلّة، فإن طَلبها بنَزع سلاح المقاومة ربما يبدو وجهة نظر تستحق المناقشة، لان هذا السّلاح يتناقض نظريًّا مع السّلاح الرّسمي، ولكن الرئيس عباس لا يَملك دولة، ولا يَتمتّع بأيِّ سيادةٍ ولو حتى جُزئيّة، ويَتعرّض هو، ورئيس وزرائه، لتفتيش مُهين ومُذل أمام المعابر الإسرائيليّة على أيدي مُجنّدات إسرائيليات مُراهقات، وهو نَفسه، أي الرئيس عباس، اشتكى في خِطابه الأخير في الجمعيّة العامّة للأُمم المتحدة من هذهِ الإهانات.

لا نُعوّل كثيرًا على مُفاوضات المُصالحة في هذهِ الصّحيفة “رأي اليوم”، لأننا أمام برنامجين مُتناقضين لطرفيها، ولا نعتقد أن الشعب الفلسطيني يُعوّل عليها ويُعيرها أي اهتمام، ولا نُبالغ إذا قُلنا أن أبناء قطاع غَزّة المُحاصرين الذين يَزيد تِعدادهم عن مُليوني نسمة، كانوا أكثر اهتمامًا بمُتابعة مُباراة المُنتخب الكَروي المِصري في مُباراة التأهّل لنهائيات كأس العالم أكثر من اهتمامهم بمُتابعة مُفاوضات المُصالحة، وإذا تابعوها فمن أجلِ هدفٍ واحدٍ فقط، وهو الاطمئنان إلى إمكانيّة تحقيق الوعود بإعادة فَتح مَعبر رفح مَنفذهم الوحيد إلى العالم الخارجي.

الرئيس عباس أكّد على نواياه غير الوديّة تُجاه قطاع غَزّة وإبنائه عندما أخلّ بوعوده بإلغاء تَخفيض رواتب أكثر من 60 ألف مُوظّف، وإحالة سبعة آلاف منهم إلى التّقاعد المُبكر، وهي الوعود التي وَردت على لِسان السيّد عزام الأحمد، رئيس وَفده المُفاوض في القاهرة، الذي أكّد أن هذهِ “العُقوبات الجماعيّة” ستُزال بمُجرّد وصول الدكتور الحمد الله إلى غَزّة وتَسلّم الوزارات، وحل اللّجنة الإداريّة (حُكومة مُوازية) التي أقامتها “حماس″ لإدارة شُؤون القِطاع.

يَجب أن يتذكّر الرئيس عباس، ووفدا حركتي “فتح” و”حماس″ أن الشّعب الفِلسطيني لم يُفجّر ثَورته من أجل إعادة فَتح مَعبر، أو استمرار “ابتزاز″ مُساعدات الدّول المانحة الماليّة، وإنّما من أجل تحرير أرض فِلسطين المُغتصبة بالطّرق والوسائل كافّة، كل أرض فِلسطين دون أي استثناء، ويَجب أن لا يَغيب عن ذِهنهما مُطلقًا أنّهما يَتنافسان على سُلطة وَهميّة، وأن الضفّة الغربيّة ما زالت مُحتلّةً يَنخرها سوس الاستيطان، والشيء نفسه يُقال أيضًا في مُعظمه على قِطاع غَزّة.

إنّهم يَخضّون الماء في “سعن” اسمه المُصالحة، وتَحت إشراف المُخابرات المِصريّة، وفي عَمليّة اختزالٍ مُهينةٍ لقضيّة فِلسطين، باعتبارها قضيّة أمنيّة، وليست قضيّة إنسانيّة وسياسيّة وعدالة، ومع كل هذا نَتمنّى أن تَنجح لتَحقيق الحَد الأدنى الذي يَتمثّل في رأينا في تَخفيف مُعاناة مَليوني إنسان في قِطاع غَزّة انهكهم المَرض، والجُوع، والحِرمان، والاكتئاب، واليأس بسبب الحِصار الظّالم المَفروض عَليهم، وظُلم ذَوي القُربى.

كلمات دلالية