خبر لننظر الى النصف المليء من الكأس.. هآرتس

الساعة 10:32 ص|17 ديسمبر 2008

بقلم: الكسندر يعقوبسون

رئيس الدولة شمعون بيرس حاول في الاونة الاخيرة من خلال اتصاله مع القادة العرب، ان يبلور موقفا ايجابيا ومرنا من مبادرة السلام العربية. ورحب بالمبادرة واكد اسسها الايجابية ودعى لاجراء مفاوضات حولها، من دون ان يتبنى كل بنودها مسبقا، لما في ذلك البند الاشكالي الخاص باللاجئين. هذا بالضبط الموقف الذي كان من الجدير على الحكومة الاسرائيلية ان تتبناه. هذا الموقف الواضح لم يطرح من قبل حكومات "كاديما". ان شكل بنيامين نتنياهو الحكومة القادمة، فاحتمالية تعاملها بصورة ايجابية وخلاقة مع التحدي الذي تشكله المبادرة شبه معدومة. هذا سبب اخر للخشية من المغزى السياسي المترتب على عودة نتنياهو الى الحكم.

السعودية ومصر اوضحتا حتى الان بصورة قاطعة، ردا على جس النبض الذي قام به بيرس، ان الخطة ليست مفتوحة للتفاوض، على اسرائيل ان تقبلها كما هي. من المفهوم ان الخطة لا تفرض تفاصيل اتفاقيات السلام المستقبلية، الا انها تحدد المبادىء بالتأكيد. في قضية اللاجئين تقول الخطة ان حل مشكلتهم العادل سيتم وفقا للقرار 1 9 4- الصادر عن الامم المتحدة- ذاك الذي يدعو الى اتاحة المجال للاجئين الراغبين "بالعودة الى منازلهم" (وليس للدولة الفلسطينية) باسرع وقت عملي ممكن.

كما ان الخطة تنص على ان الانسحاب الكامل من الجولان (الذي يعرف الجميع ان الاتفاق ليس متاحا من دونه)، سيكون حتى خطوط الرابع من حزيران 67 - وليس حتى الحدود الدولي. معنا ذلك عودة سوريا الى اجزاء من شاطئ طبريا والتي ليست جزءا من المناطق السيادية السورية وفقا للحدود الدولية المعترف بها. وبالنسبة للبنان تطالب المبادرة اسرائيل استكمال انسحابها من اراضي هذه الدولة- خلافا لقرار مجلس الامن الذي اكد ان انسحاب اسرائيل قد استكمل عن كل الاراضي اللبنانية في عام 2000.

هذه الامور لا تلغي بالمرة المغزى الايجابي الكبير البذي تنطوي عليه المبادرة والتي تشمل الاستعداد الصريح للسلام واقامة علاقات طبيعية مع اسرائيل من قبل العالم العربي كله . يتوجب ان لا نتذكر للغة المبادرة فقط، وانما ايضا سياقها السياسي. الصورة السعودية الاصلية لهذه المبادرة لم تتضمن البند المتعلق بعودة اللاجئين لاسرائيل. هي اقترحت على اسرائيل صفقة رزمة ثورية في طابعها: الجلاء عن المناطق مقابل السلام مع العالم العربي كله.

هذه الحقيقة تؤكد المسافة التي قطعتها الدول العربية منذ " لاءات الخرطوم الثلاث"، ورغبة الانظمة العربية البراغماتية في وضع حد للصراع، تحديدا في ظل ازدياد قوة الاطراف المتطرفة التي تتغذى من هذا الصراع والتي تشكل خطرا على الانظمة ذاتها. مع ذلك تعبر حقيقة اضافة بند اللاجئين على المبادرة السعودية بضغط سوري وفلسطيني عن الصعوبة الكبيرة التي تواجهها الاطراف البراغماتية لمواجهة المطالب الراديكالية التي تصاغ باسم المبادىء القومية العربية التي تحظى بتأييد شعبي واسع.

في ظل هذا الواقع المعقد يتوجب ان نركز على النصف المليىء من الكاس من دون ان نسى النصف الفارغ. وبالتاكيد من دون نفي وجوده- خصوصا عندما يتعلق الامر بمسألة مصيرية مثل مطلب العودة الى اسرائيل. ان لم يكن هناك استعداد من قبل العالم العربي للبحث في تفاصيل المبادرة اليوم، ومن المحتمل ان تنشأ مثل هذه الاستعدادية في المستقبل- بتاثير مواقف اسرائيل وسلوكها ايضا. على اية حال من الواضح ان الموقف الاسرائيلي الرفضوي والسلبي لن يفسح المجال امام التحقق من درجة استعداد الطرف الاخر بابداء المرونة على مواقفه. في غياب مبادرة سلام اسرائيلية تتحول المبادرة العربية بصيغتها الحالية الى "لعبة وحيدة في المدينة" وكل مظهر من مظاهر الاعتدال البرغماتية في العالم العربي يجدر ان يلقى معاملة ايجابية- من دون اللجوء الى الرفض التلقائي للاقتراحات التي تتضمن عناصر اشكالية، وفي نفس الوقت من دون التبني الشمولي لهذه الاسس ومن دون محاولة طمس وجودها.