خبر الطريدة تتظاهر بانها الصياد.. إسرائيل اليوم

الساعة 10:26 ص|17 ديسمبر 2008

بقلم: درور ايدار

حادثتان لا صلة بينهما في ظاهر الامر حدثتا في نهاية الاسبوع وتشهدان على امر عميق وحاسم في فهمنا الشرق الاوسط وقدرتنا على التدبير السياسي والامني والثقافي.

الاولى عرض حماس المعوج اللسان في نهاية الاسبوع الاخير الذي ظهر فيه "ممثل " في شخصية جلعاد شليت الذي يتوسل امام نواظر الاف المشاهدين المتحمسين. عرضنا هذا العرض مرة اخرى لما عرفه كثيرون انه "القسوة" غير المفهومة لاعدائنا في المنطقة عامة ولحماس في هذه الحالة خاصة. وكانت الحادثة الثانية رمي صحافي عراقي لرئيس الولايات المتحدة التارك عمله جورج بوش بحذاءه في اثناء حفل صحفي. فسر رمي الحذاء بانه تعبير عن اهانة الخصم وتحقيره.

اذا استثنينا الشأن الاعلامي والنميمي الذي تثيره هذه الاحداث في المجتمع فان لها قاعدة مشتركة عميقة جدا في ثقافة المنطقة. نتناول اكثر من مرة الفرق الكبير بين فهم الدبلوماسية الاسرائيلية، وبطبيعة الامر اكثر الاعلام الاسرائيلي والساسة، للواقع حولنا وتفسيرهم اياه وبين طريقة فعل اعداءنا وجيراننا لذلك.

النموذج الاسرائيلي هو النموذج الغربي العقلاني الذي يريد ان يفهم كل ظاهرة بمفهوم السبب والنتيجة. توجد حرب او نزاع عميق- يوجد حل: لنفحص ما هي مطالب الجانب الذي يصارعنا ولنحاول ان نلبيها لنحسم الامر. ان هذا منطق بسيط وكل ذي لب يعلم ان النزاعات تحل بالتفاوض.

لكن النتيجة مرة بعد اخرى تنفجر في وجوهنا. بالحرب او بالعمليات او بصواريخ القسام على مدننا، او باعمال الخطف وخاصة بعدم احترام متصل مستمر للاتفاقات. سبب ذلك باختصار ايقاع الحياة المختلف للمنطقة هنا. حتى لو بدا في ظاهر الامر ان سير الامور هنا منطقي فانه تكمن في مستقر الامور اساطير قديمة اكثر غلبة من كل نظام غربي مترفع وهذه تنتظر كل سياسي او دبلوماسي اسرائيلي في نهاية التفاوض.

اليكم تفسيرا اسطوريا لعرض حماس: مثل القدماء الذين استعادوا امام القبيلة رحلة الصيد وجسدوا بذلك تفوقهم كصيادين على الطريدة فعلت كذلك لكن على نحو عكسي. فاناس حماس يصابون منذ وقت بعيد على ايدي الجيش الاسرائيلي وورقة اللعب الوحيدة التي تحفظهم من هجوم عام هي جلعاد شليت. كان اذلاله في مراسم علنية محاولة خافتة لتقوية صورتهم عن ذاتهم وتحويلهم من منزلة الطريدة الى منزلة الصيادين اي الى "رجال ذوي كرامة " ليحاربون العدو ببطولة. بحسب الشفرات القبلية المقررة يستطيع رؤوس حماس البقاء في السلطة على هذا النحو فقط. اما نحن فيجب ان يشير هذا العرض لنا الى ازمة عميقة عند العدو بل الى خوف. لا شيء يدعو الى التأثر بـ "قسوته".

وكذلك رمي العدو بالحذاء كعلامة على تحقيره ينتمي الى النظام الاسطوري القديم للملتقى. فالحذاء شيء موطوء لكنه ايضا القاعدة التي تصون الانسان. في الكتاب المقدس الشخص الذي لا يرفض الزواج بارملة اخيه يرفض في واقع الامر ابقاء بيت اخيه حيا. وفي رد على ذلك تنزع الارملة نعل الاخ الرافض وتبصق في وجهه. وقد كانوا انذاك ايضا يهينون الاعداء برميهم بالنعال.

اليكم طريقة اخرى لاهانة العدو: عندما دخل عرفات غزة لم توافق حماس على الخضوع للرئيس. في تموز 1995 امر عرفات باعتقال اربعة من قادة حماس الكبار وحلق انصاف لحاهم وشواربهم، وهو عمل اشد اذلالا عندما يكون الحديث عن اناس لحاهم جزء من مظهرهم الديني.

هذا ما حدث في سفر صموئيل لاعضاء الوفد الذي ارسله داوود لتعزية ملك ابناء عامون حانون عن موت ابيه. حانون الذي شك في ان المعزين ليسوا سوى جواسيس متنكرين اعتقلهم "وحلق انصاف لحاهم وقص ملابسهم الى اوساطهم".

ولم يتحدث بعد عن الثأر والقتل على خلفية تدنيس شرف العائلة وظواهر اخرى تدل كلها على الجهل الخطر المصاب به زعماؤنا وصحفيونا الذين يريدون ان يقرأوا الواقع الاقليمي من خلال نظارة ينتجون عدساتها في الاكثر بعيدا من هنا.