خبر السيد د. أحمد يوسف، فهمنا القصد ولم نسئه

الساعة 08:12 ص|30 سبتمبر 2017

فلسطين اليوم

بقلم: عبد الرحمن شهاب - مدير مركز أطلس للدراسات

كتب السيد الدكتور أحمد يوسف في انتقاده للسيد يحيى السنوار « إن لغة التهديد والوعيد هي مفردات قد يناسب إطلاقها على من هم أسرى الأقفاص أو خلف القضبان، وليس على أبناء حركة، لكل منهم من التاريخ وفضل التضحية ما لا يغيب عن الأذهان أو تتجاهل رؤيته العيان »، ثم اعتذر « لكل  من أساء فهم القصد »؛ لكنه نسي أنه استخدم نظريات علم النفس في رؤيتها لأسرى الأقفاص ولمن هم خلف القضبان، وهي نظريات لم يتحقق من مناسبتها لتطبق على الأسرى الأمنيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية، ولكنه أطل من خلالها علينا ناسيًا القصور في أن لا أحد غير الإسرائيليين درس ظاهرة الأسر الفلسطينية وأثرها على استمرار الصراع والمقاومة، وأن إسرائيل تدرك تمثيلهم للعقل الفلسطيني، ولذا فهم حقل تجارب للوسائل التي تستخدمها في مواجهة المقاومة على مدار الصراع.

يا سيدي الدكتور، هم أسرى الأقفاص، هم الذين خلف القضبان، هم الذين وصفتهم بأنه لا يصلح لهم إلا لغة التهديد والوعيد، هم الجسر الذي جاء بالمغتربين إلى أرض الوطن كي يحكموننا بالحديد والنار، وهم المطيعون والمضحون الذين قدموا أنفسهم حين ترددت الإقدام، وهم الذين تمزقت ثيابهم كي لا تغبر أقدام المثقفين، وهم الذين تمرغت أجسادهم في قاذورات الزنازين بعد أن علقت في ثلاجات المسالخ؛ ورغم ذلك لم يصلح معها لغة العدو بالتهديد والوعيد، هؤلاء هم الذين قادوا القامات في الحركة إلى هذه العزة، وهذا المقام الذي جعلها تتوازي مع عراقة منظمة التحرير وتقارعها التمثيل الفلسطيني.

سيدي الدكتور، يبدو أنها لم تفارقك كتب الطب النفسي التي تحدثت عن السجناء وعن فكرة تماهي الضحية مع الجلاد، تلك الأسطوانة المشروخة والعدسة المقعرة التي رأى مثقفونا من خلالها السجناء على مدار عقود وتركتهم، ولم تهتم مؤسساتكم لدراسة الأوضاع النفسية للسجناء الفلسطينيين، وتركتم ذلك لمؤسسات يهمها ان تظهرهم كمرضى نفسيين.

سيدي الفاضل - وأنا واحدٌ من السجناء، وتربطني بالسيد يحيى السنوار علاقة شخصية ما يقارب العقدين، وكتبتُ عنه عندما هاجمته الناس، وتوقفت عندما انهال عليه المديح - أنا لا أقبل منه انتقاء تلك العبارة التي وصفتها مناسبة للأسرى، ولكن أمرًا واحدًا يجعلني أتفهم ذلك، هو أنه ما زال نظيفًا من التخفي وراء اللغة التي تريده ان يتخفى خلفها، والتي ألفها جمهور « المثقفين »، فما زال لا يستطيع أن يكون كاذبًا أو دافنًا رأسه في التراب، ومن هذه الناحية فإنني وبحق مطمئنٌ منه وقلق عليه أنه لم تصبه لوثة المراوغة والتلكؤ في الدبلوماسية الفلسطينية الداخلية، وصراحتها ووضوحها في العلاقات الخارجية.

وأقول للذين استيقظوا الآن فاكتشفوا السنوار: ليست المرة الأولى التي يقول فيها « ان حياة طفل أغلى من حكم غزة »، فلقد استمعت إلى خطابه يوم ان أفرج عنه في ساحة الكتيبة، واعدًا بأنه مدين بالإفراج عنه من السجون الاسرائيلية لكل طفل حرم حليبًا يومًا بسبب الحصار نتيجة أسر المقاومة للجندي شاليط.

سيدي أحمد يوسف، إن الأسرى المحررين هم الآن من يُخرجون هذا الوطن من مأزق دخلتم إليه، وما زلتم تدكون الزاوية أملًا في تدويرها.

لقد كتبت عن السنوار قبل أن يتفاءل به المتفائلون فقلت: السنوار كان له تغريد خارج السرب قبل الاعتقال، فقد كان على رأس الذين قادوا التحول من المجمع الإسلامي إلى حركة حماس؛ هذا التحول كان مطلبًا شعبيًا في حينه وترددًا داخليًا للإخوان، ربما يرى البعض ممّن كان سعيدًا لهذا التحول آنذاك أننا الآن نمر بمرحلة مشابهة في ضرورة التحول، ولكن في عكس الاتجاه.

كلمات دلالية