خبر بين خداع ليفني ومكاشفة أولمرت ..فيصل جلول

الساعة 06:51 ص|17 ديسمبر 2008

بعد مضي ما يناهز الاسبوعين على التئام مؤتمر “حق العودة” في دمشق بحضور آلاف المندوبين عن الفلسطينيين المهجرين والتعبير عن اصرارهم على استرجاع أرضهم بادرت وزيرة الخارجية “الاسرائيلية” تسيبي ليفني الى الحديث عن تهجير اولئك الباقين في ارضهم التاريخية زاعمة ان مصير هؤلاء وتطلعاتهم الوطنية يكون في الدولة الفلسطينية التي مازالت افتراضية، وبالتالي لا يكون حيث هم منذ آلاف السنين. وعلى الرغم من توضيح ليفني لاحقا انها لا تقصد اقتلاع الفلسطينيين المعنيين بالقوة فإن جوهر ما قالته ما انفك يعبر عن تطلعها وتطلع الصهاينة عموما نحو دولة يهودية صافية عرقيا لا وجود فيها لغير اليهود.

جوبهت وزيرة الخارجية الفاشلة في تشكيل ائتلاف حكومي والمرشحة للفشل بحسب استطلاعات الرأي في الحصول على اغلبية نيابية خلال انتخابات العام المقبل، بردود فعل فلسطينية وعربية مستنكرة شملت حتى المملكة الاردنية التي ترتبط بمعاهدة سلام مع الدولة العبرية في حين لم نسمع اصواتا قوية في الغرب تصنف اقوال ليفني في خانة العنصرية والتطهير العرقي، ولعل ابرز ما قيل في هذا الشأن ان تصريحاتها تعكس احتداما في التنافس الانتخابي بين الأحزاب “الاسرائيلية” للفوز بأصوات المستوطنين و المتطرفين اليهود الذين يتسابق القادة الصهاينة على استرضائهم في المواسم الانتخابية.

ولئن كانت الوزيرة المذكورة تكذب على مستوطنيها لاسباب انتخابية أو تصدق معهم، فالأمر سيان ذلك بأن مصير الفلسطينيين الذين مازالوا يعيشون في ارضهم التاريخية ليس مرتبطا بتصريح “إسرائيلي” من هنا او بحملة انتخابية من هناك وانما من خلال الثوابت التالية:

أولاً: تمسك الفلسطينيين بأرضهم بثبات وقتالهم الضاري من اجل البقاء فيها رغم سياسة الاقتلاع المموهة التي تعتمدها الدولة العبرية منذ تأسيسها وانتشار ثقافة سياسية حازمة في صفوفهم، تعتبر أن وجودهم في ارضهم هو الخط الأحمر الاخير الذي لاخط بعده، فإما البقاء حيث هم واما الفناء الوطني وبهذا المعنى فإن اقتلاعهم يساوي موتهم، وبما انهم واجهوا الموت ببقائهم طيلة السنوات الستين الماضية حيث هم فإن أحداً لايمكنه حملهم على اعتماد خيار آخر مهما عظمت قوته.

ثانياً: لايمكن لأحد في فلسطين او في العالم العربي مهما علا كعبه ان يوافق على البحث في مبادرة من هذا النوع، لا بل ان الدول العربية المطبعة مع الكيان او المرشحة للتطبيع معه لاتستطيع تحمل نتائج “نكبة” جديدة بهذا الحجم، فهي اخفقت في اعتماد لغة سياسية متنازلة او متسامحة مع مبدأ “حق العودة” للفلسطينيين المهجرين فما بالك بتهجير من بقي في فلسطين.

ثالثاً: من الصعب أن يظل العالم الاسلامي مكتوف اليدين إزاء خطوة من هذا النوع خصوصا اذا كان العرب مجمعين، وهم كذلك على رفض المس بهذه القضية من قريب او من بعيد.

رابعاً: لم تبارك المؤسسات الدولية حتى هذه اللحظة بل رفضت بعنف كل محاولات التطهير العرقي وبالتالي من الصعب ان تستدرج خطوة من هذا النوع تأييد دولة واحدة معتبرة أو مؤثرة بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.

خامساً: كان يمكن لتصريح ليفني ان يثير جدلا ونقاشا لو أن احتلال العراق قد نجح في تغيير خريطة الشرق الاوسط ولو ان “اسرائيل” لم تهزم في حرب لبنان عام ،2006 ولوأن المحافظين الجدد لم يخفقوا في انتزاع البيت الابيض لولاية ثالثة ولو ان العالم لا يعيش ازمة اقتصادية تحتاج معالجتها الى استقرار هذه المنطقة المعمرة بالاحتياطات النفطية الاستراتيجية. اما وقد حدث العكس تماما فمن الصعب على الدولة العبرية ان تفوز في جريمة بهذا الحجم وان تمر جريمتها مرور الكرام.

سادساً: اذا كان صحيحا ان القوة “الاسرائيلية” المطلقة قد تغري بارتكاب اكثر الجرائم بشاعة ومن ضمنها جريمة تهجير جديدة لمن تبقى من الفلسطينيين في ارضهم، فالصحيح ايضا ان هذه القوة المطلقة صارت قوة نسبية بعد حرب لبنان الأخيرة وحروب غزة الدورية، هذا اذا اردنا اهمال حرب اكتوبر تشرين الاول عام 1973 ما يعني أن عصر التهجير الواسع للفلسطينيين قد ولّى وان عصر العودة قد صار اكثر احتمالا.

سابعا: لقد صدرت تصريحات ليفني بعد اسابيع من تصريحات شهيرة ادلى بها ايهود اولمرت في الاتجاه المعاكس، اذ اكد ان مشروع “اسرائيل الكبرى” قد ولى وان الصهاينة قد يندمون على كل يوم يفوت من دون توقيع السلام مع جيرانهم. علق البعض على هذا التصريح الخطير بالقول إن اولمرت كاذب وانه لو كان صادقا لطبق ما قاله اثناء رئاسته للوزارة وليس بعد استقالته.

ينطوي هذا التعليق على قدر مذهل من السذاجة، ليس لأنه يشكك بمصداقية رئيس الوزراء الصهيوني المستقيل بل لأنه يهمل ظروف الاستنتاج الذي توصل اليه بعد حرب لبنان وبعد حروب غزة وهي الحروب التي بينت بوضوح ان الكيان الصهيوني بات امام معادلة جديدة، فهو إن قاتل دفاعا عن الكيان لم يعد قادراً على حمايته بانتصارات سريعة وحاسمة، وإن فاوض لحماية الكيان باتفاقات سلام عادلة يصطدم بالرأي العام الصهيوني الذي ترعرع على حلم “اسرائيل الكبرى” وعلى هزائم الدول العربية المتتالية، وإن اعتمد سياسة اللاحرب واللاسلم فإنه يمنح اعداءه فرصة ذهبية للاستعداد لحرب قادمة عبر امتلاك وسائل قتال وتجهيزات افضل في وقت تستعد فيه القوة الاعظم في العالم للرحيل خالية الوفاض من بلاد الرافدين.لا لم يكن اولمر ت كاذبا في استنتاجه المذكور حول مصير الكيان، فالكاذب هو ليفني التي تخدع الصهاينة بوعد ينتمي الى عصر آخر وظروف اخرى وصهاينة وعرب آخرين.