خبر الدور العربي والإقليمي في المصالحة الفلسطينية بقلم : د.غازي حمد

الساعة 10:19 ص|24 سبتمبر 2017

فلسطين اليوم

 بقلم : د.غازي حمد

لقد مرت المصالحة الفلسطينية بكثير من المحطات، وطنيا وعربيا، إذ ان كلا من حركتي فتح وحماس- وبعد فشل كثير من جولات الحوار- وجدتا نفسيهما أمام تحد كبير يحتاج إلى مظلة عربية توفر لهما الحماية والضمانات، وقد كانت مصر من أوائل الدول التي دخلت على خط المصالحة وجمعت الفرقاء الفلسطينيين في أكثر من اجتماع، كان أهمها اجتماع عام 2011 والذي تمخض عن التوصل لاتفاق شمولي وضع حلولا لقضايا الحكومة والانتخابات ومنظمة التحرير والأمن. غير ان هذا الاتفاق لم يدخل حيز التنفيذ وبقي معلقا، ما أعاد كرة الاتهامات والمناكفات مرة أخرى إلى الساحة الداخلية.

وبسبب ظروف مصر الداخلية بعد احداث 2013 والتي أطاحت بالرئيس محمد مرسي ووصول عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم، تأزمت العلاقة بين مصر وحركة حماس إلى مستوى غير معهود، ووجهت اتهامات خطيرة لحركة حماس بانها تتدخل في الشأن المصري وتدعم جماعة الإخوان وكذلك الأعمال المسلحة في سيناء، وهذه بدورها أوصلت الأمور إلى حد القطيعة، مما فتح الباب أمام دولة قطر، التي كانت تستضيف قيادة حماس على أرضها وتتمتع بعلاقة طيبة مع الرئيس أبو مازن، ان تتحرك في ملف المصالحة.

وقد جرى الكثير من الحوارات بين حركتي حماس وفتح في الدوحة أسفرت عن اتفاقات جزئية لم تجد طريقها إلى التنفيذ. وظلت قطر على تواصل مع كلا الطرفين وحاولت من خلال وزير خارجيتها ان تقدم صيغا مقبولة لإنهاء الانقسام، كما حرصت على ان تقدم المساعدات المالية واللوجستية التي تساعد في تذليل العقبات أمام تطبيق بنود المصالحة.

وقد تناولت كثير من الصحف زيارات السفير القطري محمد العمادي المتكررة إلى قطاع غزة وذكرت انها كانت مساع مستمرة لرأب الصدع بين الطرفين. كل من حماس وفتح شعرتا بمدى المساحة الكبيرة التي تمنحها قطر من أجل انجاح المصالحة، وذلك بدون ضغوط أو طلب لأي أثمان سياسية في المقابل، وهذا ما جعل الحركتين تجعلان الدوحة محطة لكثير من لقاءاتهما.

وتركيا التي تتمتع بعلاقة جيدة مع حركة حماس وكذا مع الرئيس أبو مازن دخلت على خط المصالحة واستقبلت وفودا من الحركتين، كما ناقشت هذا الأمر مع الرئيس الفلسطيني أكثر من مرة خلال زيارته لأنقرة.

هناك أطراف دولية أخرى سعت إلى تقريب وجهات النظر ومعالجة أزمة الانقسام خاصة تلك التي تسعى إلى تقديم مساعدات إنسانية وإغاثية ومعالجة بعض الأزمات الاقتصادية في قطاع غزة، وتجد صعوبة كبيرة في التعامل مع السلطة التي تقودها حماس في القطاع، ووجدت انه لا يمكن تقديم حلول عملية لأزمات القطاع دون عودة السلطة الفلسطينية إلى ممارسة صلاحيتها في القطاع.

السويسريون نشطوا لفترة طويلة وتواصلوا مع طرفي الانقسام ووفروا لهما أجواء للقاءات في العاصمة جنيف، كما قدموا مقترحات عملية لحل مشكلة الموظفين.

وهناك أيضا مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة نيكولاي ملادينوف الذي سعى من خلال علاقاته مع حماس والسلطة في رام الله ان يحدث اختراقا في ملف المصالحة.

في الآونة الأخيرة تحسنت العلاقة بين مصر وحركة حماس، وبدا ان حالة من التفاهم بدأت تسود بين الطرفين، وعززت اللقاءات الأخيرة التي جرت في القاهرة من فرص ان تستعيد مصر نشاطها ودورها في ملف المصالحة، وهذا ما حدث بالفعل حين استضافت القاهرة وفدا موسعا لقيادة حماس ونجحت في احداث اختراق في ملف المصالحة.

ان حركة حماس تعي جيدا الثقل السياسي للقاهرة ومدى تأثيرها المباشر على القضية الفلسطينية عموما وقطاع غزة على وجه الخصوص، وتعي طبيعة العلاقة المتوترة بين مصر وكل من قطر وتركيا، لذا فانها تتحرك بين التناقضات العربية والإقليمية بحذر شديد، وتسعى لكسب تأييد الكثير من العواصم لصالح مسار المصالحة الفلسطينية.

لا شك ان ملف المصالحة كان يجتذب أدوار كثير من الوسطاء، سواء من قبل دول أم أشخاص من أجل وضع حد للانقسام، غير ان العقبات والمخاطر الكبيرة التي تكتنف هذا الملف كانت تدفع بهم إلى التوقف عن محاولات الوساطة.

للأسف ان كثيرا من الأطراف العربية والدولية لم تحفل بهذا الملف رغم علاقتها المباشرة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي ولم تقم بجهد يذكر، ربما لقناعة بعضها ان هذا الملف بات محصورا في يد المصريين وانه لا يمكن تجاوزهم في حال من الأحوال، أو ان بعضهم شعر ان هذا الملف الذي استمر لأكثر من عشر سنوات لا يمكن ان يقدم فيه شيئا. هذا بالرغم من ان كثيرا من الأطراف العربية والدولية كانت تقدم النصح للحركتين بانه دون معالجة الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية فان القضية الفلسطينية ستخسر كثيرا ولن تكون لها الأولوية في الأجندة الإقليمية والدولية.

ما يتردد كثيرا ان المصالحة هي رهن لتجاذبات إقليمية أو دولية لم يقنعني كثيرا، ولم أجد له دليلا دامغا، والمؤسف انه أصبح قناعة لدى البعض وأخذ يروج لها في المقالات والتصريحات دون الاستناد إلى ما يؤكد صحته.

ما أميل إليه ان قرار المصالحة كان بيد قيادة الحركتين وكان بامكانهما اتخاذ قرارات جريئة وانهاء حالة الانقسام.

الطرف الوحيد الذي كان يسعى بقوة إلى ابقاء حالة الانقسام واستمراره هي إسرائيل، والتي تجد في ذلك مصلحة استراتيجية، وتتخذ ذلك ذريعة للتنصل من عملية السلام واستكمال المشروع الاستيطاني وإبقاء سياسة العقاب الجماعي على قطاع غزة.

ان الانقسام الفلسطيني هو أكبر هدية لدولة الاحتلال كي تقنع العالم بان الحل السياسي غير ممكن وان السلطة لا تمثل شعبها وان حماس منظمة إرهابية، إلى غير ذلك من الأكاذيب والادعاءات التي روجت لها العقلية الإسرائيلية في أوساط المجتمع الدولي.

الأطراف الإقليمية والدولية – هي أيضا- وجدت ما يشغلها عن القضية الفلسطينية مثل الأوضاع في سوريا والعراق واليمن أو التصدي لما يسمى بظاهرة الإرهاب، وهذا قلل كثيرا من اهتمامها بالمصالحة الفلسطينية.

ان الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب جعلت القضية الفلسطينية آخر اهتماماتها، وبالتالي لم تول موضوع المصالحة الفلسطينية شيئا من تفكيرها.

وفي حال تحققت المصالحة الوطنية ـ على أصولها ـ فان الفلسطينيين بامكانهم ان يحدثوا الكثير من التغيرات في المنطقة، خاصة في إعادة القضية الفلسطينية إلى اهتمام المجتمع الدولي.

بامكانهم ان يستقطبوا الكثير من الدول التي نفرت منهم بسبب الانقسام، وبامكانهم اقناع العالم بعدالة قضيتهم، وبامكانهم أيضا التصدي بقوة لمخططات الاحتلال الإسرائيلي.

كل ما نأمله هذه المرة ان تجد المصالحة طريقها إلى التنفيذ، وان يذهب الانقسام بلا عودة، وان يتمكن الفلسطينيون من رسم مستقبلهم وتحقيق طموحاتهم، بعد هذه السنوات العجاف من الانقسام والصراع غير المبرر.

 

 

 

كلمات دلالية