خبر خطاب عباس أمام الجمعية العمومية.. عدلي صادق

الساعة 08:58 ص|21 سبتمبر 2017

بقلم

كان معظم فحوى خطاب رئيس السلطة محمود عباس ورئيس دولة فلسطين التي لم تبسط سيادتها على أرضها؛ يقدم الرواية الفلسطينية وفق المالآت الراهنة للعملية السلمية ووفق الحال في بلادنا. ونُقدّر أن الأوضاع في المنطقة، وطبيعة المنبر الدولي، وطبيعة عباس نفسه، أملت على كاتب الخطاب، أن يخصم منه العبارات التي يتمنى الوجدان الشعبي الفلسطيني إسماعها الى العالم، وهو أن إسرائيل المحتلة والباغية، تدفع شعبنا الى الشروع في كافة أشكال المقاومة. أما الألفاظ والكلمات الزائدة، التي لم يكن الشعب الفلسطيني يتمنى أن لا يتضمنها الخطاب، فهي التنويه إلى رفض الشكل العنفي من المقاومة، وإدراج هذا الشكل، ضمن صنوف الإهارب وتسمينه « إرهاباً داخلياً ». فلو توافرت هوامش ومقومات هذا الأخير ووقع، فإنما هو مقاومة عنفية مشروعة، لا غبار على الشعوب الرازحة تحت الاحتلال عندما تمارسها!

لم يأت عباس بجديد، وإن كان قد أعاد التلويح بخيار تسليم مفاتيح السلطة للمحتل، وهذا إجراء لا تنم سياقات الحكم في رام الله، على إمكانية اتخاذه.

غير أن ما يفتح مجالاً للنقد استطراداً، فهو أن يشير عباس الى أمرين: الأول، هو أنه وأننا، قد اجترحنا المعجزة تحت الاحتلال ونجحنا في بناء مؤسسات الدولة. والثاني، هو قوله وهو يضع يده على صدره، أنه سيدعو « المجلس الوطني الفلسطيني، برلماننا، الى الانعقاد لاتخاذ قرارات مصيرية!

في الأمر الأول، يختلف كلام الخطاب عن كلام الواقع. فعباس دمّر مؤسسات السلطة نواة الدولة، ولم يتبق منها سوى هياكلها الهزيلة التي لا يحكمها قانون. بل إن جذع المؤسسات، وهو المجلس التشريعي الفلسطيني، قد أصبح في موضع القلق على مصيره، وبات من بين الأعضاء، من هم مفصولون من حركتهم التي أصعدتهم الى المجلس، أو ممنوعون من السفر ومقطجوعة رواتبهم، أو على حافة الدفع الى المحاكم العباسية. بل إن مؤسسة »الخارجية« التي ينبغي الحذر في تشكيل فريقها الديبلوماسية، فقد أصبحت تدار من قبل المخابرات التي تُعيّن وتفصل وتُقصي مناطق وشرائح اجتماعية وفصائل، وتتبع نهجاً في تحريك الديبلوماسيين، وفق عصبيات مناطقية واعتبارات ولاء مخابراتي، شأنها شأن المؤسسات المدنية والخدمية. بل إن من بين المؤسسات، ما تنطوي التغييرات فيها، كسلطات الأمن والأراضي والمياه، على اعتبارات الولاء والفساد والتنسيق الأمني مع الاحتلال الذي يتشكى منه الخطاب.

في الأمر الثاني، وهو موضوع المجلس الوطني الفلسطيني، الذي أشار اليه عباس واضعاً كفه على صدره باعتزاز، كان الخطيب يخادع، لا سيما وهو يقول للآخرين »برلماننا". فليس هكذا تكون البرلمانات، وهي ليست ملفاً مهملاً، أو أيقونة، من بين الملفات والأيقونات، على رف في مكتب رئيس السلطة التنفيذية، اللهم إلا إذا كان عباس لا يعرف معنى البرمانات التي تنعقد على مدار السنة، باستثناء شهور الإجازة، وتتجدد عبر التمكين للإرادة الشعبية، وتأتي قراراتها محصلة نقاشات حرة. فالبرلمان ليس فريقاً رياضياً، يمكن جَمْعُه من كل النواحي، لكي يوضع في حافلة ويذهب لأداء مباراة ودية!

في الإشارة الى غزة، والى الشعب فيها، كان الخطاب سخياً وعاطفياً وغير ذي صدقية، ينقصه الدمع الذي يستعصي على الممثل. فما يفعله عباس في غزة، هو نقيض ما أشار اليه الخطاب، ولم يعد هذا سراً يخفيه الفاعلون، مثلما يضطر الآثمون الى مُداراة عوراتهم. فقد أصبحت المجاهرة الوقحة بإلحاق الأذى بغزة وشعبها وموظفيها، أمراً مرئياً ومسموعاً يتحدث به فريق عباس نفسه، المفروض فرضاً على الشعب الفلسطيني، ومن بين أعضائه عناصر لم تحظ بثقة الشعب في قراها. وليس أدل على ذلك، من التجاذب الحاصل اليوم، بين حماس التي تقمصت دور المدافع عن غزة وشعبها وحتى عن موظفي سلطة عباس فيها، والفريق الذي يعاند فكرة التراجع عن مفاعيل إيذاء، وهي مفاعيل تخطيء لغة الإعلام الفلسطيني في تسميتها، عندما تقول إنها عقوبات. فالذين يُعاقبون هم المذنبون!

لم يكن في وسع كاتب خطاب عباس، أن يضع من السطور أقل مما وضع، عن مظلومية شعبنا، وهذا ما يحتاج الفلسطينيون الى تكراره وإسماعه الى ممثلي الأمم! 

كلمات دلالية