خبر خصي الأمر العسكري- يديعوت

الساعة 10:19 ص|16 سبتمبر 2017

فلسطين اليوم

بقلم: اليكس فيشمان

(المضمون: ينكشف في الجيش الاسرائيلي على الدوام خلل جسيم قد يكون مصيريا في حالة الحرب الا وهو الاستخفاف بالاوامر او تصنيفها كهامة وتافهة، تختار القيادات الدنيا بنفسها ما تلتزم به وما تتجاهله - المصدر).

مديرية مناورة الفيلق الشمالي « نور دغان »، التي انتهت هذا الاسبوع، منعت ادخال الهواتف الخلوية الى مناطق القتال، وعن حق، فقدرات السايبر لدى العدو – حزب الله ايضا، ولكن اساسا ايران – هي تهديد مركزي، والهاتف النقال مثله كمثل محطة تبث المعلومات للعدو. وعليه فقد تقرر جمع أجهزة الهواتف في منطقة التجمع وتعاد الى أصحابها في نهاية المناورة. غير أن ليست كل الوحدات نفذت الامر. ماذا حصل؟ كلها مناورة، كلها هاتف، في الحرب الحقيقية نأتي بدونه. فما هي صغائر الهواتف في الوقت الذي نتدرب فيه على هزيمة حزب الله؟

 

أمر آخر صدر عن مديرية المناورة، التي كانت في أساسها مناورة أوامر ومناورة هياكل، ألزم قادة الكتائب الذين مثلوا الوحدات البعيدة، بالتحرك في المجنزرات القيادية خاصتهم. فهذا هو مكانهم في القتال الحقيقي، ومن هناك يفترض ان يفعلوا مساعدي الاركان ووسائل الاتصال لغرض التحكم بقواتهم. ولكن لماذا يتعين عليهم ان يتعرقوا في داخل مجنزرة صاخبة، فيما يكون جيب قائد الكتيبة المكيف الطف بكثير؟ إذن بعضهم نفذوا الامر والبعض لا. ماذا حصل؟ هذا ليس ما سيقرر مستوى جاهزيتهم للحرب، فماذا اذا كان القادة فوق انزلوا تعليمة مختلفة؟

 

هذان هما مجرد مثالين على الاوامر التي صدرت في هذه المناورة ولم يكلف الجميع نفسه عناء تنفيذها. ربما لان جزءا من الاوامر اعتبرت كتغطية للقفى، وربما لانها اعتبرت في نظر الضباط في الميدان كهامة بما يكفي، ولعل هذه هي قوة المناورة. لقد سبق لرئيس الاركان الاسبق دان حلوتس، الذي جاء من سلاح الجو الى قيادة الجيش الاسرائيلي أن قال: الاوامر في الجيش البري هي مثابة توصية.

 

عندما تعرض هذه التساؤلات مع مسمع قادة الجيش، يكادون يشعرون بالاهانة: ما الذي يجعلك تهتم بالترهات في الوقت الذي نجري فيه مناورة عسكرية بحجم غير مسبوق، مع قوات كوماندو، اقتحامات لاعماق العدو، تنسيقات مع الاذرع، تكنولوجيا عليا، طائرات بدون طيار كبيرة وصغيرة. إذن تجد أن القادة يتجاهلون بعض التعليمات الصغيرة التي قد لا يكون لها مكان في الميدان؟

 

قادة الجيش غير مستعدين لان يعترفوا بان هناك صلة وثيقة بين تجاهل الاوامر والاخفاقات بالقتال الحقيقي. ففي مؤتمر عقد لاحياء عشر سنوات على حرب لبنان الثانية جلست على المنصة مجموعة من قادة الفرق ممن شاركوا في القتال. ووجه رئيس الاركان في حينه دان حلوتس ورئيس الاركان الحالي جادي آيزنكوت، الذي كان رئيس شعبة العمليات في زمن الحرب، اتهامات لقادة الفرق ممن لم ينفذوا الاوامر في الحرب، مثل الامر للخروج في هجوم من فرقتين في سلسلة جبال خماميس. ورد القادة الذين جلسوا في الندوة بانهم لم يكونوا جاهزين لتنفيذ الهجوم لهذه الاسباب او تلك. فقال آيزنكوت اذا كان كذلك فلماذا لم تبلغوا في الزمن الحقيقي بانكم غير جاهزين؟

 

اثنان من قادة الفرق هذه رفعا بعد الحرب الى رتبة لواء. وعندما تسأل آيزنكوت كيف يمكنه أن يتعايش بسلام مع حقيقة أن هذين الضابطين اللذين لم ينفذا الامر في زمن الحرب اصبحا لوائين، يأتي الجواب المرتقب: هما لم يرفعا في ولايتي كرئيس للاركان. وبشكل عام، ماذا تريد؟ ان نقيلهما؟

 

وسؤال آخر: هل يحتمل ان تكون صلة بين عدم تنفيذ الاوامر التي تصدرها هيئة الاركان والجهات المعنية للجيش البري وحقيقة أنه في « الجرف الصامد » مثلا دخلت الى ساحة القتل مجنزرات غير محصنة بخلاف الاوامر؟ لا بد أنه توجد مشاكل، يجيبوننا في الجيش، ولكن الوضع اليوم في مجال تنفيذ الاوامر ورقابة القيادات المسؤولة على ما يجري في الجيش جيدة بلا قياس مقارنة بالماضي، والدليل: لم نعد نسمع عن تمردات للجنود في الجيش. عفوا، ولكن ما الصلة؟

 

الجيش يأتي بأمثلة اخرى: قبل عدة اشهر سرق سلاح من معسكر سديه تيمان في الجنوب. وفي غضون ست ساعات جرى تحقيق، استخلصت استنتاجات وفي الغداة، صدرت تعليمات عن تشغيل مقاولين عرب في معسكرات الجيش الاسرائيلي. واضافة الى ذلك، ففي فترة زمنية قصيرة بلغ كل قادة المعسكرات عن اصلاح الخلل الذي انكشف عندهم ايضا وأجريت رقابة. كل شيء جيد وجميل لو أن القائد اياه في معسكر سديه تيمان الذي كان مسؤولا عن تشغيل اولئك المقاولين، وكذا القادة الذين كانوا مسؤولين عن حراسة مخزن السلاح، نفذوا الاوامر القائمة والمكتوبة بشأن تشغيل العمال العرب في معسكرات الجيش الاسرائيلي وانظمة الحراسة – ما كانت اي شاحنة لاي مقاول ستتمكن من الدخول الى المعسكر وتحميلها بالسلاح والانصراف.

 

ان ظاهرة عدم تنفيذ الاوامر ليست جديدة، وسنواتها تقريبا كسنوات الجيش الاسرائيلي. ولكن طالما كان الجيش البري يوفر البضاعة وكانت التكنولوجيات التي استخدمها اساسية – تنظيف البسطانة وتشحيمها والخروج الى الحرب – فقد طمسوا الامر. اما اليوم فهذا لم يعد ينجح والدليل: نتائج اللقاءات العسكرية الكبرى في السنوات الاخيرة والتي انتهت بافضل الاحوال باحساس بتفويت الفرصة وفي الحالة الاقل جودة – مع لجان تحقيق. التكنولوجيا العليا التي تدخل الى الجيش البري تستوجب انضباطا حديديا مثلما في الاسلحة التكنولوجية – الجو والبحر – والا فان التحديثات التكنولوجية لن تصبح مضاعفات قوة.

المراقب ضد المراقب

 

ما أن تسلم وزير الدفاع افيغدور ليبرمان مهام منصبه قبل سنة، حتى وضع على طاولته تقرير رقابة لجهاز الامن يعنى بالمراكز اللوجستية لساحات القتال. ومواضع الخلل التي انكشفت هناك كانت دراماتيكية. مثلا، مئات الشاحنات التي وجدت تجثم على عجلات منفسة، وواضح تماما بانها في حالتها لن يكون هناك من ينقل تموينا منتظما للقوات في الجبهة. ولكنهم يشرحون لوزير الدفاع بان سلم اولويات الجيش تغير لان ساحات القتال اليوم لا تفترض هذه الكتلة من الشاحنات. وهذا لم يمنع قادة الجهاز اللوجستي من الاعلان لاحقا بان كل شيء اصلح وان الجيش يعتزم شراء شاحنات حديثة باستثمارات كبرى.

إذن ما الذي حصل في الوسط؟ هل الجبهات عادت الى حالتها الطبيعية التي تستوجب نقل العتاد بحجوم كبيرة الى ساحات القتال المختلفة؟ لقد فهم ليبرمان بان قصة الجبهات التي يقولها له الجيش لا تتطابق وتعريف التهديدات الذي أملته القيادة السياسية، وقرع الطاولة. والان يسعد الجيش الاعلان بان كل شيء مرتب وان الجهاز اللوجستي مثالي.

يبدو أن الذاكرة العسكرية ليست طويلة على نحو خاص. فبعد حرب لبنان الثانية قالت لجنة فينوغراد ان الجيش لم يكن جاهزا للحرب وانه كان نقص في العتاد في المخازن وان الصيانة كانت عليلة وما شابه. فحصل الجيش في حينه على ملياري شيكل ودخل في مشروع تسلح حتى 2012 سد به الفوارق في الوسائل القتالية. وما أن انتهى المشروع – حتى بدأ كل شيء ينهار من جديد بسبب مشاكل الصيانة. وهذا مجرد مثال واحد. إذ ان هنالك أوامر تتعلق بالصيانة وحفظ الاحتياطات. إذن اين الرقابة واين الاشراف اللذين يفترض بهما أن يمنعا تدهور الجهاز اللوجستي؟

في بداية شهر آب من هذا العام قرر وزير الدفاع اجراء رقابة في لواء المدرعات 460، والذي هو مدرسة المدرعات ولواء دبابات بكل معنى الكلمة، مع خطة عملياتية للحرب. وبدأ ليبرمان على ما يبدو يشعر بانه ليس مطلعا بما فيه الكفاية على القدرات الحقيقية للجيش، رغم أنه في العروض الالكترونية يبدو كل شيء رائعا. وطلب الوزير ان يقوم مراقب جهاز الامن، التابع له، باجراء الرقابة في اللواء. فعارض الجيش وطلب ان يفعل مراقب الجيش نفسه ذلك، اذا كان هذا ضروريا بالاصل. وفي نهاية المطاف كان مراقب جهاز الدفاع حجاي تننباوم ايرز مع وحدته العسكرية، هو الذي نفذ الفحص.

وكانت النتيجة الاخطر تتعلق بالجاهزية العملياتية للواء. تبين أن طاقم الرقابة أطلق كمية رمزية من الدبابات التي تمثل وحدات اللواء الى مناطق استعدادها في الطواريء – فوصلت بتأخير 50 في المئة من الزمن الذي ظهر في الامر، موضوع بضع ساعات. ولكن عندما تترجم هذه لكل اللواء – من شأن النتيجة ان تكون ايضا تأخير لايام. والمعنى: جاهزية عملياتية غير جيدة. قد يكون اللواء جاهزا للحرب، ولكن ليس وفقا للاوامر والخطط العملياتية. وعندما حفر رجال الرقابة عميقا وجدوا أن حتى في المناورات التي يجريها اللواء توجد مشاكل التواصل والاستمرارية. فالدبابات تتوقف اكثر مما ينبغي كي تجري تصليحات، وذلك كنتيجة لصيانة غير جيدة بما يكفي.

بعد ذلك فحصوا شروط خدمة الجنود، وهناك ايضا انكشفت نتائج اشكالية. الكثير من الجنود ينامون في اثناء الصيف الحار لمنطقة شيزفون خارج الغرف إذ لسنوات هناك خلل في مركز القوة الذي يوفر الطاقة للمعسكرات في المنطقة. المنشأة التي يوجد فيها اللواء معدة لان تضم بضع مئات الاشخاص ولكن منذ سنين وفيها بضعة الاف ومركز الطاقة لا يلبي الاحتياجات. لا بأس، يقولون في اللواء، فليقيموا خياما ويناموا في الخارج. توجد سلم اولويات. هناك اماكن اكثر الحاحا تستحق المكيفات. منطقي. ولكن ماذا؟ رئيس الاركان عرف قبل نصف سنة على الاقل من الرقابة بوجود المشكلة، وأمر بايجاد حل لمشكلة المكيفات. رغم أمر رئيس الاركان، لا توجد مكيفات. ومن اصل 12 مليون شيكل صرفت لغرض شراء مكيفات للجيش، ذهبت الاغلبية العظمى لقاعات الرياضة في ألوية الحسم النظامية في الجيش، ومدرسة المدرعات لا تعرف كلواء حسم بل كلواء مناور يمكنه ان ينضبط. لقد سبق أن قيل في اطار التفاوت في الجيش ان بعض الوحدات ستأكل الانتركوت والاخرى ستأكل الشنيتل. اذا كانت هذه هي السياسة التي يمليها رئيس الاركان – فهكذا يجب أن يكون.

 

ولكن ماذا يتبين؟ انهم اتصلوا بالفعل بمقاول التزم بانهاء العمل على المكيفات في شيزفون في آب، بالضبط عندما وصل وزير الدفاع الى الرقابة. غير أن المقاول لم يلتزم بتعهده، ولم يكن ملحا لاحد أن يصر عليه. وقد اخرج هذا ليبرمان عن طوره، وقائد الذراع البري الذي كان يقف الى جانبه في الرقابة سمع منه كلمات صعبة جدا وأمر واضح: حتى كانون الاول ستعود الرقابة لتجد اللواء في وضع مختلف جوهريا، والا ستستخلص النتائج. إذن ننتظر حتى كانون الاول.

الخطر يصبح رهانا

في الاشهر الاخيرة يستبق الى اذن ليبرمان نبأ عن جاهزية عملياتية عليلة على خط الحدود في الشمال. وطلب الوزير فحص مصداقية المعلومة قبل أن يطرح علامات استفهام على الجيش. اما الجيش فرفض بشكل قاطع هذه الانباء التي عرضت على وزير الدفاع. فالجيش هو الذي يجري التقويمات، وهو الذي يقرر ما هي المخاطر وهو الذي يعرف ما هي الحلول.

 

في العام 2000، عندما وجه رئيس الوزراء ووزير الدفاع ايهود باراك الجيش للتحرك بآليتين على الاقل على الخط، استخفوا به، واختطاف الجنود الثلاثة تم بالضبط في نقطة الضعف التي اشار اليها. ايهود باراك كان لا يزال رجلا عسكريا، رئيس اركان سابق. اما لليبرمان فيمكن ان يباع انه يمكن التحرك في الليل على الخط بمركبة واحدة لانه لم يعد هناك تهديد اختطاف. اذا كان هذا هو الوضع والتهديدات تغيرت. والاحتياجات تغيرت. والقدرات تغيرت – فغيروا الاوامر ايضا. لا تدفعوا الضباط الى الارتجال وتدوير الزوايا بسبب اضطرارات لوجستية واضطرارات قوى بشرية. لقد تسلم رئيس الاركان آيزنكوت مهام منصبه مع خطة مرتبة، ثورية، لتكييف القوة العسكرية مع التهديدات المختلفة في الساحة، والتي تفترض مخاطر سواء في حجم القوة البشرية، في حجم الوسائل القتالية ام في قدرة الجهاز العسكري على استيعاب واستخدام الوسائل التكنولوجية المتطورة التي يفترض ان تكون مضاعفات قوة وتعوض عن تقليص القوة المقاتلة. ومثل كل خطة مرتبة بمثل هذا الحجم، يوجد هنا أخذ لمخاطر محسوبة، إذ ان الساحة متغيرة والافتراضات متغيرة. وبالفعل، تجري هيئة الاركان اعمال الرقابة، ورئيس الاركان يأتي الى الرقابة المفاجئة، والجيش يتدرب بلا توقف.ولكن يجب أن نتذكر بانه في التدريبات لا يوجد حقا عدو يعرقل.

ينبغي أن يكون لدى رئيس الاركان علم واضح وصريح بان ما يجري تحته، في المستويات القتالية والقيادية، يتم بروح الخطة ونصها. اذا كان هذا الجهاز الضخم غير منضبط بما يكفي، فان المخاطرة المحسوبة تصبح رهانا وفي هذا الفيلم سبق ان كنا.

كلمات دلالية