خبر السيد نصرالله في كلمة تاريخية لمرحلة جديدة .. غالب قنديل

الساعة 11:59 ص|16 ديسمبر 2008

 

 

الكلمة التي وجهها السيد حسن نصر الله يوم أمس تميزت بالعديد من الأفكار و المواقف ، لكن جملة اعتبارات تفرض النظر إليها كمحطة فاصلة في الكفاح التحرري العربي ضد الغزوة الاستعمارية و كنقطة تحول هامة في مسار النضال حول القضية الفلسطينية  بالذات :

 

أولا :   في التوقيت

-       الكلمة أعقبت صدور بيان مشترك وقعته المؤتمرات الثلاثة التي تضم الأحزاب و التيارات و الشخصيات العربية المناهضة للاستعمار و الصهيونية بجميع مصنفاتها العقائدية و السياسية و بما تعبر عنه في الشارع العربي و بالتالي فهي تواكب دعوة حشد من الشخصيات القيادية الفاعلة و الأحزاب و المنظمات السياسية التي يتشكل منها واقع الحركة السياسية و الشعبية العربية الراهن .

-       البيان الثلاثي الذي صدر خرج عن مألوف الكلام المعتاد في مجرد التضامن مع الشعب الفلسطيني بل إنه تحدث عن دعوة لأسبوع من التحركات الشعبية المتواصلة لنصرة غزة و لفك الحصار عنها .

-       الموعد المحدد لإطلاق حركة التضامن بمسيرات شعبية في أنحاء البلدان العربية   و الإسلامية وفقا للبيان و لكلمة السيد نصرالله هو يوم الجمعة التاسع عشر من كانون الأول أي الموعد المفترض لانتهاء التهدئة في غزة و لوضع الاحتلال الصهيوني بين ناري تفاوض جديد بشروط قيادة المقاومة لتهدئة شاملة تحفظ حق الردع للمقاومة  و تسري في الضفة و القطاع معا و تفتح جميع المعابر أو الدخول في مجابهة قتالية مع المقاومة التي يخشى القادة الإسرائيليون ما راكمته من قوة خلال الشهور الماضية على الرغم من الحصار كما تخشى حكومات عربية أن تذهب بها رياح الغضب الشعبي إذا تفجرت جولات قتال جديدة في الضفة و القطاع بين المقاومين و جيش  الاحتلال .

-       من مصادفات التوقيت بما يدعوه السيد نصرالله بالتوفيق الإلهي ، أن يأتي التحرك في نصرة قضية فلسطين و لفك الحصار عن غزة في ذات اليوم مع اندلاع موجة شعبية عارمة من التضامن مع المقاومة العراقية و الشعب العراقي بشخص الصحافي المقدام منتظر الزيدي الذي ألهب الحماسة القومية و أثار النخوة الوطنية داخل العراق  و خارجه في رمزية استهدافه لجورج بوش .

ثانيا : في المضمون التاريخي

قدم السيد حسن نصرالله صياغة فكرية سياسية مهمة في كلمته حول المرحلة التي تجتازها القضية الفلسطينية و مقتضيات التحرك العاجل لنصرتها في هذا التوقيت بالذات :

-       منذ ستين عاما تعيش منطقة الشرق العربي و الإسلامي تحت وطأة العدوانية الصهيونية و حروبها و مجازرها و لو تحمل آباؤنا و أجدادنا المسؤولية لما ورثت أجيالنا هذا الويل الذي استنزف طاقات و إمكانات هائلة و أهلك و شرد و أصاب عشرات الملايين من العرب خلال هذه العقود و بالتالي فالتحرك لحمل المسؤولية في التوقيت الراهن قد يعفي الأجيال العربية القادمة من توارث الويل الصهيوني الذي اهلك الأمة و أعاق تقدمها .

-       المسار الاستراتيجي الراهن الذي يتناول القضية الفلسطينية يستهدف تصفية مرتكزاتها و قد عرض السيد نصرالله عناوين تلك التحركات الأميركية الاستعمارية و الصهيونية داخل فلسطين المحتلة و خارجها : مخطط معلن لشطب حق العودة و توطين الفلسطينيين في أماكن اللجوء ، تهويد القدس المحتلة و إفراغها من سكانها الأصليين بالتهجير و الإبعاد ، الاقتلاع المتواصل للسكان في الضفة الغربية المقطعة أوصالها بالجدار العنصري الفاصل و التي يستهدف سكانها بالتنكيل و التجويع  و الإرهاب ، الاعتداءات المنظمة التي يشنها الصهاينة على الفلسطينيين في فلسطين المحتلة عام 48 و صعود مشروع الترحيل كعقيدة صهيونية تلتقي عليها جميع المكونات السياسية الإسرائيلية ، حصار غزة  و هو العقدة المركزية في طريق سحق مقاومة الشعب الفلسطيني و إملاء صيغة سياسية لتصفية قضيته الوطنية نهائيا .

في هذا السياق التاريخي برهن السيد نصرالله أن فك الحصار عن غزة هو الهدف القومي الذي يمثل تغييرا في المسار العام الذي لو قيض للعدو أن يتحكم به و يفرضه على الفلسطينيين و المنطقة فذلك سيعني المزيد من الكوارث و الويل للمنطقة و لشعوبها في نير الهيمنة الصهيونية و الاستعمارية السياسية و الاقتصادية و الأمنية .

هذه المهمة التاريخية التي كرس السيد نصرالله كلمته للدعوة إلى التحرك لإنجازها تأتي على مفترق فاصل في حركة الصراع سيكون فيها حضور الحركة الشعبية العربية بوصفه بعدا حاسما في معادلات المنطقة بمثابة رد اعتبار لهذا العامل التاريخي الذي غيبته عقود طويلة من الإحباط بينما تعيد إليه الانتصارات التي حققتها المقاومة في لبنان و فلسطين و العراق الكثير من الثقة بقدراته و إمكاناته الفعلية .

الحركة الشعبية العربية تحضر بقوة هذه الأيام حول فلسطين و العراق على أبواب تغيير هام في الإدارة الأميركية و انتخابات إسرائيلية و في عقدة توازن حساسة في الصراع بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي ، هذا التحول النوعي يعزز الوضعية الفلسطينية  و العراقية في المعادلة و يضيق هوامش المناورة الأميركية و الصهيونية بينما يضع الحكومات العربية على المحك .

ثالثا : في الخطاب السياسي

أحكم  السيد حسن نصرالله مخاطبة جميع المستويات و الدوائر التي  يراد استنهاض تضامنها مع القضية الفلسطينية رسميا و شعبيا و ثقافيا :

-       التوجه الخاص للسلطات المصرية بفتح معبر رفح بصورة دائمة و اعتبار الاتفاقات ساقطة قانونيا و إنسانيا إذا كانت نتيجة التقيد بها جريمة ضد الإنسانية كالتي تحدث في غزة المحاصرة و قد استخدم السيد نصر الله في هذه المخاطبة لغة التحفيز  و الدعوة إلى احتضان عربي و إسلامي لأي قرار مصري يتجاوب مع هذه الرغبة الشعبية التي عبرت عنها تظاهرات شعبية حاشدة في مصر خلال الأسابيع الأخيرة  و هي تشكل عنوان الغليان الشعبي في الشارع المصري كما تشير التقارير الصحافية من القاهرة .

-       المخاطبة الدينية للمسلمين و المسيحيين بمعتقداتهم الإيمانية التي توجب عليهم التحرك لفك الحصار عن غزة و لنصرة الشعب الفلسطيني و التوجه إلى معتنقي حقوق الإنسان بضرورة اتخاذ الموقف الطبيعي و بهذا المعنى فالنداء انطوى على دعوة مسكونية عامة لها قيمتها الفعلية في تزخيم حركة التضامن المتعاظمة في العالم و التي تعبر عنها كثافة المبادرات الأجنبية المتلاحقة لكسر الحصار .

-       من نافل القول أن تشديد السيد نصرالله على ضرورة تخطي اللبنانيين في المشاركة بالتحرك خطوط الانقسام والاختلاف السياسي لأن لبنان يدفع بالفعل كلفة آثار حرب عام 1948 حتى اليوم و هو سيكون مستهدفا بالهيمنة الصهيونية و بتبعات كثيرة ناتجة عن تصفية القضية الفلسطينية إذا قيض للعدو أن يفرض مخططه على الشعب الفلسطيني ، و سواء كان اللبنانيون ناشدي استقرار و سلام أم كانوا يخشون مخاطر تصفية حق العودة و التوطين أم كانوا عروبيين علمانيين أم إسلاميين مناهضين للصهيونية فأقل واجباتهم النضالية أن يهبوا لنصرة الشعب الفلسطيني و أن يشاركوا في التحرك الشعبي و السياسي الذي ينطلق الجمعة .

ختاما : من أهم ما طرحه السيد نصرالله هو دعوة المؤتمرات الثلاثة للتنسيق مع قوى المقاومة في سبيل تنظيم تحرك متواصل حتى فك الحصار عن غزة و هنا بيت القصيد فالبناء على أسبوع التضامن لحركة شعبية متصاعدة حتى تحقيق هدف محدد يقودنا إلى أول اختبار من نوعه في تاريخ النضال الجماهيري العربي منذ عقود و النصر في هذه المعركة سيكون بداية تحول كبير سيسجله التاريخ موعدا لصحوة الأمة التي طال الحديث عن كبوتها حتى قامت فيها حالة الصمود و المقاومة التي ألحقت الهزيمة بالغزوة الاستعمارية الأميركية الصهيونية خصوصا في حرب تموز 2006 و ما تلاها من علامات كسر الغزوة و دحر فصولها الأشد خطورة على بلاد الشام، و ما يزال النضال سجالا .

بيروت الثلاثاء   16 – 12- 2008