خبر حذاء بوش.. يديعوت

الساعة 11:48 ص|16 ديسمبر 2008

بقلم: سمدار بيري

قبل دخولك لمقابلة مسؤول رفيع في العالم العربي بلحظات، يحذرك المستشارون مطالبين بان تتجنب الجلوس امامهم بصورة مسترخية، ساق فوق ساق، بينما تكون مقدمة الحذاء موجهة نحو المضيف. لاحظوا: في كل الصور التي تبث للقاءات القادة يبدو الزعيم وضيوفه وهم يتبادلون الابتسامات وينحنون لمصافحة اليدين امام عدسات الكاميرا- والارجل تكون ملتزمة ببعضها البعض ومتلاصقة تماما. الحذاء هو خرقة حمراء- يتوجب ان تأخذوا بالحسبان يقول المستشارون، بان حذاء الزائر قد داست على اماكن ملوثة ومن الممكن ان يعلق بها الغبار والقاذورات، ولذلك يحذر التلويح بها امام عيني الزعيم. كما ان ارجل الكلب تدوس على اماكن غير معقمة بطبيعة الحال، وهو يعتبر في العالم العربي حيوانا نجسا.

الحذاءان اللذان تطايرا في المؤتمر الصحفي في بغداد صوب الرئيس بوش، حيث ارفق الصحافي- القاذف للحذاء رشقته بصرخات " يا كلب"، اريدا منهما ان يزيلا الاوهام: بعد خمس سنوات من سقوط صدام حسين، لا زال هناك من يواصل الكراهية ويرتاب في نوايا الذين حلو محله الخفية. الحذاء الاول وجه صوب جوليات الامريكي الذي دس قدمه الغليظة في العراق مخلفا من وراء ه الدمار والهلاك، اما الحذاء الاخر فقد اطلق نحو رأس بوش باسم عشرات الاف اليتامى والارامل وملايين الفارين نجاة بارواحهم.

عدا عن الفشل الامني الذي سيتحدثون عنه فيما بعد ويتولون معالجته في واشنطن، تلقى الرئيس بوش درسا شخصيا عن وجهي العراق. الوجه الاول يشير الى ان تغيرا قد طرأ على حياة اولئك الذي صارعوا بتقديم الاعتذار عن الحادث، ولكن رئيس الوزراء نوري المالكي لم يستشط غضبا بل على العكس، المفاجئة رسمت الابتسامة على وجه، مع انه حرص على ان يظهر بصورة محايدة. لا غرابة ان المالكي بقي في بغداد، وهو بحاجة للعودة الى منزله بسلام. في المقابل يمثل امامنا مراسل التلفاز منتظر زيدي الذي خطط تلك الهجمة بالاحذية، مذكرا بوش بان الملايين في العراق يرغبون بان لا يوجه لهم احد التعليمات من خلال جهاز تحكم عن بعد، وان لا يتدخل في حياتهم ويهيمن عليها.

عملية تقييم ومحاسبة سرية تكشفت في واشنطن فور حادثة الحذاء، وتظهر منها معطيات مؤلمة حول تبدد الحلم الامريكي في العراق وتناثره في الهواء: اكثر من مائة مليار (؟) دولار اهدرت على مشروع الاعمار والبناء الطموح. ولكن كلما نجحت هذه المليارات في تحقيقه خلال السنوات الخمس كان الوصول الى الحالة التي كانت سائدة قبل الحرب (جزء كبير من هذه الاموال وجد طريقه الى الجيوب الخاصة والى الشركات الوهمية). ليست هناك انطلاقة ولا ثورة انقلابية . الامريكيون قصفوا ونثروا الوعود، مئات الاف العائلات دمرت، والملايين يبحثون عن ملجىء في العالم الفسيح. بعد قليل سيرحل الامريكيون وصدام ليس موجودا، الا ان العراق سيبقى مستباحا امام خطط الاجتياح الاتية من طهران.

هناك انجاز واحد على الاقل نجح الامريكيون في تحقيقه. في عهد صدام كان من يقوم بالقاء الاشياء على الرئيس يموت من رصاصة بين عينيه. الزيدي الذي تحول خلال ساعة الى بطل الشارع العربي قد يقضي عامين في السجن. فقط ان تبين من التحقيق معه انه القى الحذاء بتكليف من الاستخبارات الايرانية، سيتلقى عقوبة اصعب واشد.

بدرجة لا بأس بها تروي عملية قذف الحذاء حكاية العراق الجديد: عندما تحطم تمثال صدام عند بوابات بغداد، نزعت الحشود احذيتها حتى تضرب الطاغية البغيض. بعد عام من تلك اللحظة داسوا على صور بوش وعلى العلم الامريكي باحذية نجسة ملوثة.

بوش مكروه في العراق مثل صدام تقريبا. ولكن الديمقراطية التي زرعها في العراق والتي هي الانجاز الوحيد للاحتلال ربما، هي مسألة يصعب انتزاعها من العراقيين حتى بالقوة.