خبر ماذا جنت أوسلو بعد 24 عاماً ؟

الساعة 05:05 ص|14 سبتمبر 2017

فلسطين اليوم

داود أحمد شهاب

تمر الذكرى 24 للتوقيع على اتفاق أوسلو المشؤوم ، الذي كان القبول به والتوقيع عليه بمثابة ضربة أطاحت بأحد أهم الإنجازات الفلسطينية وهو الانتفاضة الفلسطينية الشاملة التي بدأت في العام 1987 ووضعت الكيان الصهيوني أمام مأزق حقيقي.

اتفاق الشؤم هذا أوجب على الفريق الفلسطيني الذي فاوض الاحتلال ، الاعتراف بـ« إسرائيل » والتنازل عن 78% من أرض فلسطين مقابل سلطة حكم ذاتي ضعيفة بلا سيادة ، محاصرة بالتزامات أمنية واقتصادية ووعد بإقامة دولة ..!!

وعلى مدار الـ 24 عاماً التي مرت من عمر هذا الاتفاق وآثاره الكارثية تلازم المسيرة السياسية الفلسطينية التي مرت بتراجعات كبيرة وخطيرة تمس بمكانة القضية الفلسطينية .

فلا الدولة أقيمت ولا الوحدة تحققت ، وظل الشعب الفلسطيني كله رهينة بيد « إسرائيل » تتحكم في حياته واقتصاده ، وكان الاتفاق المشؤوم سبباً للانقسام المرير الذي وقع في العام 2007 ، لتتفاقم الأوضاع الإنسانية والحياتية ويمتد معه حصار غزة ليقترب عمر هذا الحصار إلى 11 عاما ، فيما استعر غول الاستيطان والتهويد في القدس متخذاً من المفاوضات ستاراً لسنوات طويلة ، وبعد أن استيقظ المفاوض الفلسطيني كان جدار الفصل العنصري قد ابتلع مساحات شاسعه من أراضي الدولة العتيدة التي كان يفاوض الاحتلال للاعتراف بها ، وكان التهويد في مراحله الأخيرة والاستيطان يلتهم كل شبر من الضفة والقدس ، كل ذلك يحدث دون أن يكترث رعاة المفاوضات من الأمريكان وغيرهم بصرخات الاستغاثة التي أطلقها مفاوضو السلطة لوقف أو تجميد الاستيطان ، لأن نتنياهو المتغطرس يدرك أن السلطة فقدت كل أوراق القوة من يدها وأنه لم يعد باستطاعتها التراجع خطوة واحدة إلى الخلف. وأن الفلسطينيين أو بعضهم قد انشغل بالصراع على هدية أوسلو المفخخة (السلطة) التي خلقت أرباب مصالح كبرى تستفيد من كل الوقائع ومن كل الظروف وتكتنز لنفسها نفوذاً وسلطات صارت كالأغلال تكبل أصحابها وتمنعهم من اتخاذ الخطوات اللازمة للحد من تدهور الأوضاع السياسية والإنسانية ووقف الانزلاق السريع نحو المجهول .

إننا مطالبون اليوم بإجراء مراجعة لكل المسيرة السياسية التي مرت من عمر القضية الفلسطينية على الأقل في الربع قرن الأخير ، والبحث في مخرج حقيقي من المأزق الراهن بعيداً عن المفردات التي تلبست العمل الفلسطيني بعد اتفاق أوسلو وتقزيم المشروع والأهداف الوطنية بالحفاظ على السلطة التي تصر « إسرائيل » على بقائها في إطار الحكم الذاتي وتلوح ببدائل أخرى من قبيل فرض الفصل بين غزة والضفة ، ثم بين أجزاء الضفة ذاتها وعودة الإدارة المدنية مجدداً للعمل هناك ، أو تهددنا بالاستيلاء على مدن كبيرة مثل الخليل عبر السماح للمستوطنين الغاصبين بإقامة مجالس إدارة محلية لهم!! وآخر هذه التهديدات كان مصادقة أحد الأحزاب اليمينية المتطرفة والشريكة في الحكم على مشروع طرد وتهجير الفلسطينيين ودفع تعويضات مالية لهم وإلغاء حل الدولتين وتسريع وشرعنة الاستيطان وصولاً إلى ضم الضفة بالكامل لدولة الاحتلال.

هذا هو الحال الذي أوصلتنا إليه المفاوضات العبثية على مدار ربع قرن ، ومعه باتت السلطة عاجزة تماماً عن المواجهة مع المشروع الصهيوني الذي يدير ظهره للسلطة ، وعيناه مفتحتان على الهرولة العربية للتطبيع وإقامة علاقات ثنائية ، وزيارات (سرية وعلنية) متبادلة لمواجهة « الإرهاب والتطرف » ، وها نحن نرى حصاد هذه العلاقات في مزيد من القمع وتكميم الأفواه والزج بالناس في السجون. ومنع أي اقتراب من فلسطين أو شعبها أو مقاومتها!!

المأزق الذي نتحدث عنه وصل إلى كل بيت ولم يعد أحدُ سالماً أو معافى من آثاره ، وليس هذا مدعاة لليأس أو إشاعة للاحباط لأننا لن نفقد الأمل مطلقاً والشعب الذي يملك مخزون الإرادة التي رأيناها تتجلى في معركة الأقصى الأخيرة شعبٌ لا يعرف اليأس بين أبنائه طريقاً ، لكن ذلك ينبغي أن يكون دافعاً لنا جميعاً من أجل العمل وتجاوز كل الأسباب التي أدت إلى تراجع وإحباط المساعي المبذولة لرأب الصدع وتصحيح المسار السياسي الفلسطيني الذي اعتراه الخلل منذ أوسلو وتأسيس السلطة وبناء مؤسساتها وإضعاف منظمة التحرير وحتى هذا اليوم.

يخطئ من يظن أن المأزق يتعلق بإجراء هنا أو هناك ، وأن إنهاء أو إلغاء أو حل هذا الأجراء يعني أن الأمور قد حُلت ، ويخطئ كذلك من يراهن على عامل الوقت والمتغيرات والظروف الإقليمية وتبدل التحالفات شرقاً وغرباً ومعه تبدل المصالح ، هذا كله لن ينهي الأزمة ولن يحل المشكلة ، بل يجعلنا رهائن لسنوات قادمة ويقيدنا بقيود تحاصرنا أكثر وتجعل من قضيتنا أسيرة لمزاج هذا السياسي أو ذاك. وتبقى كل الحلول المطروحة مؤقتة إن نجحت ، لكن المأزق سيبقى ويتعزز، والقضية ستتآكل أكثر فأكثر ومع هذا التآكل الخطير ستصبح « إسرائيل » صاحبة دور مركزي في المنطقة ، لأنه باختصار فلسطين هي القادرة على مواجهة المشروع الصهيوني ومنع تمدد خطره في المنطقة.  وإذا غابت فلسطين أو كقضية مركزية فإن أسباب القدرة على المواجهة ستضعف وستصبح « إسرائيل » في مركز المنطقة مهيمنة على كل شيء فيها لا قدر الله.

 

كلمات دلالية