خبر نتنياهو يقرع طبول الحرب!

الساعة 07:17 ص|10 سبتمبر 2017

فلسطين اليوم

زهير أندراوس

في أواخر العام 2011، أيْ بعد اندلاع الأزمة السوريّة بثمانية أشهر، انبرى وزير الأمن الإسرائيليّ آنذاك، إيهود باراك، وجزم قائلاً لوسائل الإعلام العبريّة والأجنبيّة بأنّ أيّام الرئيس السوري، د. بشّار الأسد، باتت معدودةً، وغنيٌ عن القول إنّ “سيّد الأمن”، كما يُنعت باراك في دولة الاحتلال، استند في تصريحه على تقديرات الأجهزة الأمنيّة في تل أبيب، التي تعرف بحسبه أيضًا ما هو نوع السجائر التي يُدخّنها الإيرانيون. اليوم بعد مرور سبع سنوات على الأزمة في بلاد الشّام بات واضحًا وجليًّا ومُثبتًا أنّ الاستخبارات الإسرائيليّة أخطأت وأخفقت إخفاقًا كبيرًا ومُدوّيًا في تقديراتها، وقامت بتزويد صنّاع القرار في تل أبيب بمعلوماتٍ، أقّل ما يُقال عنها إنّها سخيفة إلى درجة الكذب، كما أنّه من غير المُستبعد أنْ تكون مخابرات “الجيش الأقوى في الشرق الأوسط” قد عبّرت في معلوماتها بشأن مصير الرئيس السوريّ عن أمانيها وأحلامها، وليس عن الواقع.

الأطماع الصهيونيّة في الوطن العربيّ لا تقتصر على فلسطين فقط، بل تسعى هذه الحركة الاستعماريّة إلى التغلغل في كلّ شبرٍ من الدول العربيّة لتفتيت المجتمعات والدول، وإدخالها في حروبٍ لاستنزافها، كما تعمل بدون كللٍ أوْ مللٍ على إذكاء النعرات الطائفيّة والمذهبيّة في الوطن العربيّ، لعلمها ويقينا التامّين بأنّ هذا الأمر يخدم مصالحها الإستراتيجيّة والتكتيكيّة على حدٍّ سواء. وهنا المكان وهذا الزمان للتذكير بمقولة مَنْ يُطلقون عليه في تل أبيب مؤسس إسرائيل، دافيد بن غوريون، الذي رفض حمل بطاقة الهويّة الزرقاء، لأنّها تشتمل على كلماتٍ بالعربيّة، هذا الصهيونيّ الحاقد والعنصريّ أرسى مقولته الشهيرة، وليست المأثورة: عظمة إسرائيل لا تكمن في ترسانتها النوويّة، بل في تدمير الجيوش العربيّة في كلٍّ من مصر، العراق وسوريّة: الجيش المصريّ، أُخرج من دائرة المُواجهة بعد التوقيع على معاهدة السلام بين القاهرة وتل أبيب في العام 1979، والمعروفة باتفاقية “كامب ديفيد”، الجيش العراقيّ تمّ حلّه بعد الغزو الإمبرياليّ بقيادة أمريكا لبلاد الرافدين في العام 2003، وكان لافتًا أنّ الحاكم العسكريّ آنذاك، بول بريمر، اتخذّ القرار بحلّ الجيش العراقيّ في البداية، الأمر الذي يؤكّد بالدليل القاطع، على أنّ واشنطن، عملت وفق نظرية بن غوريون. وبقي الجيش العربيّ السوريّ لوحده في الميدان، وبدأت الأزمة في العام 2011، وتقاطر “المُجاهدون” إلى هذه الدولة العربيّة من عشرات الدول لـ”تحريرها”، ولكنّ الرياح لم تنشب كما أراد بن غوريون وباقي الصهاينة، إذْ أنّ الجيش السوريّ لم ينهار، كما كان مُخططًا له، بحسب خطّة الشرق الأوسط الجديد، التي وضعتها وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة كوندوليسا رايس، والقاضية بإشعال الحروب بين أبناء الأمّة العربيّة وإثارة الفتن، أوْ كما سمّتها الوزيرة: نشر الفوضى الخلاقّة.

رهانات تل أبيب بتدمير الجيش السوريّ تهاوت أمام إصرار هذا الجيش العقائديّ، وجاء الدعم الإيرانيّ والمعونة من حزب الله، وبعد ذلك من روسيا لتوجيه صفعةٍ مُجلجلةٍ، لكلّ الأعداء من العرب والغرب، الذين أملوا في إسقاط هذه الدولة العربيّة، وتفتيت النسيج الاجتماعيّ والدينيّ والطائفيّ فيها، والعمل أيضًا، كما يقضي المُخطط الإسرائيليّ الشيطانيّ بتقسيمها إلى كياناتٍ ودويلاتٍ طائفيّةٍ وإثنيةٍ وعرقيّةٍ، ولكنّ الأيام أثبتت لكلّ مَنْ في رأسه عينان أنّ سوريّة والحلفاء دحروا هذه الخطّة الهادفة لضمان أمن دولة الاحتلال، وأكثر من ذلك، في هذه الأيّام، يُواصل الجيش العربيّ السوريّ والقوّات الرديفة في تحقيق الانتصارات وإعادة الأراضي التي سيطرت عليها التنظيمات المُسلحة، وفي مُقدّمتها تنظيم “داعش” الإرهابيّ، ونتنياهو، المُتورّط وعقيلته في قضايا فساد ورشا وخيانة الأمانة، لجأ لواشنطن لحجز تذكرةٍ في منظومة الحلّ السياسيّ في سوريّة فعاد وفده بخُفي حنين، فقام على الفور بزيارةٍ إلى روسيا واجتمع في سوتشي إلى الرئيس بوتن، حيث طالبه بمنع تمدّد الإيرانيين في سوريّة، فكان ردّ موسكو حازمًا وجازمًا: لن نتنازل عن حليفتنا الإستراتيجيّة إيران من أجل الدولة العبريّة، وسخر الإعلام العبريّ من الزيارة ووصفها بالفاشلة. أقطاب تل أبيب دخلوا إلى حالةٍ من الهستيريا على ضوء هذه المُستجدّات، وباشروا بالبحث عن طرقٍ خلّاقة لتحقيق شيءٍ ما في سوريّة، بعد أنْ فشلوا أيضًا في إقامة منطقةٍ عازلةٍ في الجزء المُحرر من الجولان عن طريق الفصائل المُسلحّة، التي تمّ دعمها بالسلاح والعتاد والعلاج في المستشفيات الإسرائيليّة.

لم يكتف نتنياهو بسلسلة المواقف التي أكد فيها أهمية دور “داعش” في سياق الإستراتيجيّة الإسرائيليّة العامّة لمواجهة محور المقاومة وحزب الله، بل كرر مؤخرًا، في مقابلة مع قناة “20” العبرية، موقف إسرائيل المعارض للقضاء على هذا التنظيم، واصفًا ذلك بأنّه أمر سيئ لإسرائيل. وأسهب في وصف المخاطر المترتبة على تراجع سيطرة “داعش” والقضاء عليه، لافتًا إلى أنّ إيران تنتهج التسلل المنتظم إلى المناطق التي يتركها التنظيم الإرهابيّ. وأقرّ نتنياهو، ضمنًا، بأنّ “داعش” كان يضطلع بدور السدّ الذي يحول دون تعاظم التهديد المحدق بإسرائيل، محذّرًا من مخططٍ إيرانيٍّ يهدد إسرائيل ودول المنطقة، في المرحلة التي تلي “داعش”. نميل إلى الترجيح بأنّ إصرار نتنياهو على التمايز عن الإدارة الأمريكيّة في الموقف من القضاء على التنظيم المتوحّش، ينطلق من إدراك المؤسستين السياسيّة والعسكريّة في تل أبيب ضيق الخيارات الإسرائيليّة في مرحلة ما بعد “داعش”، ومن أنّ أيّ خيارٍ بديل آخر مفترض لن يرتقي إلى مستوى الخدمات التي وفّرتها لإسرائيل التنظيمات الإرهابيّة على الأرض السوريّة.

وفي النهاية لا بُدّ من التذكير بأنّ فشل رهانات تل أبيب في سوريّة خلال الحرب وتوقعّات إخفاقها المحتوم تقريبًا في اليوم الذي يلي الحرب، قد يدفع نتنياهو إلى الحرب كملاذٍ أخيرٍ للحصول على الفُتات، مع أنّه ليس مضمونًا. الرجل، المُتورّط في عدّة ملّفات فساد، ومن المُتوقّع أنْ تُقدّم ضدّه، بعد زوجته، لائحة اتهّام، قد يلجأ لمغامرةٍ محسوبةٍ ويُدخل المنطقة في حربٍ، نعتقد أنّها ستكون أخر حربٍ في الشرق الأوسط، للتملّص من المحاكمة والتغطيّة على فشل رهاناته في سوريّة. الأسبوع الماضي، وفي دراسةٍ نشرها مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، أكّد سفير تل أبيب السابق في موسكو ورئيسة شعبة الأبحاث في الموساد على أنّ التقديرات الروسيّة تؤكّد أنّه عاجلاً أمْ أجلاً ستُوجّه إسرائيل ضربةً عسكريّةً لإيران بسوريّة، فهل هذه رسالةً إسرائيليّةً؟ وما هو تفسير تصريح وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان بأنّ إسرائيل تأخذ بالحسبان دائمًا وطوال كلّ السنوات كلّ الاحتمالات وكلّ الخيارات في الشرق الأوسط. و”للأسف هناك احتمالات لكلّ شيءٍ، لذلك نحن مستعدون وجاهزون. فنحن لا نبحث عن مغامرات ولا نريد الانجرار إلى حربٍ، وسنعمل كلّ ما بوسعنا لمنع قيام ممر شيعي من إيران إلى دمشق؟ وهل المُناورة الفيلقيّة التي يُجريها جيش الاحتلال لأوّل مرّةٍ منذ 19 عامًا، هدفها تحضير هذا الجيش للحرب القادمة؟ نقول، ولا نجزم في النهاية، إنّ إسرائيل أوهن وأعجز عن خوض حربٍ ضدّ سوريّة وإيران وحزب الله الذي تنعته بالجيش الثاني من حيث القوّة في المنطقة.

كلمات دلالية