خبر الانتــحار..!

الساعة 05:19 ص|07 سبتمبر 2017

أشرف الفاعوري

د. وليد القططي

عندما يتخذ شخصٌ ما قرار الانتحار، فيُقدم على إزهاق روحه، ويرتكب جريمة قتل نفسه، وفي تلك اللحظة البائسة يكون قد أدرك واهماً أن الموت أفضل من الحياة أو مثلان، وأن العدم أجدى من الوجود أو سيان، وأن باطن الأرض خيرٌ من ظاهرها أو يتساويان. أما وقد وصل إلى ذلك القرار التعيس بالانتحار فعندها يكون اليأس قد تقدم عنده على الأمل، والجزع لديه قد سبق الصبر، والقنوط داخله قد تفوق على الرجاء. وعند ذلك القدر من البؤس فلاشك أن الحزن قد تمكن من نفسه، والإحباط قد بلغ مبلغه، والعجز قد وصل نهايته .

وإذا كان هذا حاله قبيل الانتحار فلاشك أن رحمة الله وروحه وفرجه قد بُعدت عنه بل بعد هو عنها ، ولم يدرك قاتل نفسه ومزهق روحه أنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، وأنه لا ييأس من روح الله إلا الكافرون، ولا يفقد الأمل بفرج الله إلا الخاسرون. ولم يعِ أن ظنه بالخلاص من شقاء الدنيا بالموت ظنٌ خاطئ وآثم؛ ذلك بأنه استبدل شقاء الدنيا بشقاء أشدّ وأنكى - إلا من رحم الله- هو عذاب الآخرة وفي ذلك الاستبدال الخاسر يقول المنفلوطي: « لا عذر للمنتحر في انتحاره مهما امتلأ قلبه بالهم ونفسه بالأسى، ومهما ألمت به حوادث الدهر، وأزمت به أزمات العيش فإن ما أقدم عليه أشد مما فرّ منه، وما خسره أضعاف ما كسبه ...ما أكثر هموم الدنيا، وما أطول أحزانها، لا يفيق المرء فيها من هم إلّا إلى هم، ولا يرتاح من فاجعة إلّا إلى فاجعة مثلها، ولا يزالُ بنوها يترجحون فيها ما بين صحةٍ ومرض، وفقرٍ وغنى، وعز وذل وسعادة وشقاء؛ فإذا صح لكل مهموم أن يمقت حياته ولكل محزون أن يقتل نفسه خلت الدنيا من أهلها.... ».

وهذا يقودنا إلى المسؤولية الشرعية الفردية التي يتحمّلها المنتحر نفسه مرتكب جريمة قتل النفس التي حرّم اللهُ إلا بالحق، فقد نهى الله تعالى نهياً مشدداَ عن قتل النفس في قوله تعالى :« وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً » وقوله تعالى: « وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ » والانتحار هو قتل للنفس وإلقاء الروح في التهلكة كما نهانا الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم – عن قتل النفس متوعداً كل من ارتكب جريمة الانتحار بأنه سيظل في جهنم خالداً فيها أبداً يُكرر فعل الانتحار سواء بحديدة أو بالسم أو بإلقاء النفس من علو أو بغير هذه الطرق . وفي فتوى سابقة للأزهر بمصر يقول الناطق باسمه الشيخ محمد رفاعة الطهطاوي :« إن القاعدة الشرعية العامة تؤكد أن الإسلام يحرّم الانتحار تحريماً قطعياً لأي سبب كان، ولا يبيح للإنسان أن يزهق روحه كتعبير عن ضيق أو احتجاج أو غضب » ولكن العلماء اعتبروا المنتحر كافراً إذا كان مستحلاً للانتحار فقط أي يعتبره حلالاً.

وهذه المسؤولية الشرعية الفردية التي يتحمّلها المنتحر لا تسقط المسؤولية الاجتماعية للمجتمع والمسؤولية الشرعية لأولى الأمر أي المسؤولين عن البلد. هذه المسؤولية مرتبطة بضرورة العمل على توفير الحياة العزيزة الكريمة والاحتياجات الأساسية للناس والبيئية الصحية السليمة لأفراد المجتمع، خاصة لجيل الشباب المقبلين على الحياة، كي لا يصابوا بالإحباط واليأس والقنوط فيصاب بعضهم بالاضطرابات والأمراض النفسية المهيئة للانتحار، والى جانب ذلك كله وفي مقدمته أن نعمل سوياً وسط هذا البحر المتلاطم الأمواج من الأزمات والظلمات والفتن على غرس قيمة الإيمان في أنفسنا وفي نفوس الشباب ذلك الإيمان الذي جعله (الرافعي) نقيض الانتحار بقوله :« الإيمان الصحيح هو بشاشة الروح وإعطاء الله الرضا من القلب ثقة بوعده ورجاء لما عنده، ومن هذين يكون الاطمئنان، وبالبشاشة والرضى والثقة والرجاء يصبح الإيمان عقلاً ثانياً مع العقل، فإذا ابتلي المرء بما يذهب معه الصبر ويطيش به العقل وصار أمره مثل المجنون برز عقله الروحاني وتولّى سياسة جسمه حتى يضيق عقله الأول ويجيء الخوف من عذاب الله ونقمته في الآخرة فيضم به خوف النفس من الفقر والمرض أو غيرهما فيقتل أقواهما ويخرج الأعزُ منهما الأذل ».

كلمات دلالية