خبر العكس يا ميركيل، العكس- معاريف

الساعة 10:31 ص|30 أغسطس 2017

فلسطين اليوم

بقلم: نداف هعتسني

(المضمون: تقلص الولادة في اسبانيا وفي اوروبا الى حجوم لا تسمح للمجتمع بالحفاظ على نفسه، الى جانب متلازمة « الحوار » هي المؤشرات على بوادر موت مجتمع آفل. حضارة وصلت ظاهرا الى ذروة التنور، ولكنها فقدت نزعة الحياة وقدرة البقاء - المصدر).

بينما تطلق كوريا الشمالية صاروخا باليستيا فوق اليابان، قدمت المستشارة الامريكية انجيلا ميركيل التفسير لكل ما يجري في العالم اليوم. فقد أعلنت مؤخرا بان « الازمة في كوريا لا يمكن حلها بالقوة، بل بالحوار فقط »، واضافت بان برلين لن تدعم تلقائيا الجانب الامريكي، اذا كانت مواجهة مسلحة مع بيونغ يانغ. لم تحظى هذه التصريحات لسبب ما بالانتباه وان كان يكمن فيها المفتاح لفهم الفوضى التي تضرب العالم. فهي تعكس فقدان صواب حضارة آفلة، لا تعرف كيف تميز بين الاخيار والاشرار ولا تلاحظ بان هناك اعداء محظور الحديث معهم بل ابادتهم فقط.

لم يبقَ توش ميركيل في نطاق اوروبا. فنهج مشابه اطلقه الرئيس الامريكي المنصرف براك اوباما، في مواضيع الاتفاق مع ايران مثلا. فقد شرح بانه بالذات لان ايران تتصرف بشكل أزعر من المهم التوقيع معها على اتفاق، وكأن الزعران يحترمون الاوراق المختومة. هذه خلاصة العالم المعاكس الذي بناه الكثيرون في الغرب لانفسهم. اوباما، بالضبط مثل ميركيل وكثيرين في اوروبا، يؤمنون بان الطريق للتصدي للسلوك الاجرامي والازعر هو من خلال توزيع الهدايا والاستسلام، وبلغة المستشارة – الحوار.

ان الفشل والحرج الالمانيين هناك من يفسرهما بصدمة أمة ولدت الوحش النازي وتحاول الان التكفير عن خطاياها بالهروب من القوة. ولكن الدرس من العصر النازي معاكس تماما. يكفي أن تراجع ميركيل كتب التاريخ للمبتدئين كي تتذكر كيف أن سياسة الحوار مع هتلر، التي سميت في حينه « المصالحة » هي تلك التي ادت الى النتائج الهدامة. لو كانوا أبادوا الحزب النازي في البداية فورا ولم يتحدثوا معه، فكل ما جاء بعد ذلك كنا سنعفى منه.

ما صرخ به ونستون تشرتشل في الثلاثينيات من القرن الماضي صحيح اليوم على نحو خاص. مع كيم يونغ اون، آيات الله، حزب الله، داعش، حماس وورثة ياسر عرفات لا يدخل المرء في « حوار ». من ناحية كل جهة جنون كهذه، مثلما كان من ناحية هتلر، حين يبحث الطرف الاخر عن « حوار » فهذا دليل على أنه يخاف. وخوفه يهديء مخاوف جهة الجنون ويشجعها فقط على تصعيد العدوان حتى القضاء على محبي الحوار. وعليه فان السبيل الوحيد لتقييد وردع جهات الجنون هو ان يبنى لديهم الاعتراف بان العالم المتنور مصمم على ضربهم، وانه لا ينتظر سوى الفرصة، الخطوة او القول من جانبهم كي يسقط حكمهم ويكنسهم نحو سلة مهملات التاريخ. هكذا، على نحو مفعم بالمفارقة، فان من هو معني بوضع راهن يمكن احتماله في مواجهة العدوانيين المجرمين، ملزم بان يضربهم ويهددهم بشكل منهاجي. هذا هو شكل الحوار الوحيد الذي يفهمونه حقا.

 

مبدأ الحوار هذا صحيح بالنسبة للعدوانيين العقلانيين مثل الكوريين والايرانيين ولكنه صحيح حتى أكثر بالنسبة لمحافل اسلامية وعربية على انواعها؛ من يستغلون الضعف والافول الاوروبي ويخططون لاحتلالها. العملية هذا الشهر في برشلونة ألقت بالضوء على السخافة الاسبانية، التي لا تختلف عن تلك الالمانية، السويدية او الفرنسية. على مبنى بلدية مدريد علقت يافطة

ضخمة: « أهلا وسهلا باللاجئين »، وهذا يتناسب مع السياسة الاسبانية التي تدخل مئات الاف المهاجرين المسلمين في كل سنة – سياسة تتجاهل الجاليات المتسعة في شبه جزيرة ليبيريا، والتي تبني الخلافات الاسلامية كي تسحق الحضارة الحالية وتستكمل الاحتلال العربي المتجدد لـ « الاندلس ». فتقلص الولادة في اسبانيا وفي اوروبا الى حجوم لا تسمح للمجتمع بالحفاظ على نفسه، الى جانب متلازمة « الحوار » هي المؤشرات على بوادر موت مجتمع آفل. حضارة وصلت ظاهرا الى ذروة التنور، ولكنها فقدت نزعة الحياة وقدرة البقاء.

 

كلمات دلالية