خبر الوصاية على المسجد الأقصى في ظل إدارة الاتفاقيات.. بقلم أ. مازن الجعبري

الساعة 11:20 ص|22 أغسطس 2017

أثارت الأحداث الأخيرة في القدس والتي تلت مقتل جنديين من قوات الاحتلال على أحد أبواب المسجد الأقصى وما تبعها من إغلاق للمسجد وتفريغه من موظفي دائرة الأوقاف الأردنية وحراك الشارع الفلسطيني في القدس من خلال أداء الصلوات  والاعتصام والتظاهر، والذي أدى في النهاية إلى تراجع الحكومة الإسرائيلية عن إجراءاتها الأمنية على أبواب المسجد, ولو إلى حين والتي كان هدفها السيطرة الكاملة عليه، أثارت عددا من القضايا أبرزها حقيقة الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى.

هل هناك علاقة بين السياسات الإسرائيلية والممارسات اليومية على الأرض وبين الاتفاقيات المبرمة بين الحكومة الإسرائيلية والجانب الأردني والتفاهمات الأردنية الفلسطينية في سياق الوصاية على الأماكن المقدسة في المدينة المقدسة؟ لفهم ذلك كان لا بد لنا من دراسة بعض أهم الاتفاقيات ومحاولة تفسير الممارسات الإسرائيلية حسبها. 

رغم تناول كثير من المحللين السياسيين لاتفاقية وادي عربة نرى أن غالبيتهم يتجاهلون حقائق أدرجت بين سطور هذه الاتفاقية، تتنافى مع ما هو سائد من اعتقاد أنها حفظت الوصاية الأردنية على المقدسات في القدس، وفي بعض الأحيان نرى أن الفهم الإسرائيلي يختلف عن الفهم الأردني لبعض بنودها، لذلك سنحاول قراءة الاتفاقيات المتعلقة بالمسجد الأقصى للخروج باستدلالات صحيحة تساعدنا في فهم الوصاية الأردنية في اتفاق وادي عربة وأبعاده القانونية التي تنعكس إما سلبا أو إيجابا على واقع السيطرة الإسرائيلية على المسجد الأقصى.

« لقد تضمنت المادة التاسعة –من معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية الموقعة في 26 اكتوبر 1994 بخصوص الأماكن ذات الأهمية التاريخية والدينية ما يلي:

1. سيمنح كل طرف للطرف الآخر حرية الدخول للأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية.

2. وبهذا الخصوص وبما يتماشى مع إعلان واشنطن، تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن.

3. سيقوم الطرفان بالعمل معاً لتعزيز حوار الأديان بين الأديان التوحيدية الثلاثة بهدف بناء تفاهم ديني والتزام أخلاقي وحرية العبادة والتسامح والسلام. »(وزارة الخارجية الإسرائيلية,2013).

وفي محاولة لفهم المدلولات القانونية والسياسية لهذه الوصاية لا بُد من البحث والتقصي بشأن اتفاقية السلام الأردنية –الإسرائيلية التي وقعت في عام 1994 في وادي عربة.

 

أولاً: اتفاقية وادي عربة – تحليل الدور الأردني

تثير اتفاقية وادي عربة العديد من التساؤلات حول طبيعة الدور الأردني الذي تضمنته بنود هذه الاتفاقية بخصوص المقدسات في مدينة القدس ومنها المسجد الأقصى، وما نوع الوصاية الأردنية التي قد تنبثق عن مثل هذه الاتفاقية، ، حيث أن هذه الاتفاقية لم تتضمن تفاصيل واضحة حول الصلاحيات التي يمتلكها الأردن بهذا الخصوص، ويلاحظ أن العبارات والألفاظ التي تضمنها هذا الاتفاق بخصوص الوصاية والرعاية الأردنية للمقدسات ومنها المسجد الأقصى تأخذ صفة المجاملة المعنوية للأردن أكثر مما تحمله من مبادئ قانونية ملموسة توضح صلاحيات الأردن في هذه المقدسات.

فقد تحدث البند الأول من المادة التاسعة في معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية الموقعة في 1994 فيما يعرف باتفاقية وادي عربة عن سماح كل طرف للطرف الآخر بحرية الدخول للأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية أي أنّ الطرف الأردني يتمتع هو ومواطنوه بحرية الدخول للأماكن الدينية وبالمقابل فإنّ الطرف الإسرائيلي يتمتع هو نفسه بحرية الدخول للأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية التي تخص الطرف الأردني؛ فهل يشمل ذلك (حرية الوصول الإسرائيلية) للأماكن الدينية التي تخضع للوصاية الأردنية قبل التوقيع على هذه الاتفاقية ومنها المسجد الأقصى؟ هذه أول ثغرة تثير الجدل ضمن بنود هذه الاتفاقية. أما البند الثاني من المادة التاسعة فانه يتضمن احترام إسرائيل للدور الحالي الخاص بالمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وبالطبع هذا يشمل المسجد الأقصى، فهل احترام إسرائيل لهذا الدور يتضمن بالضرورة الحفاظ على صلاحيات تضمنها هذا الدور كما كان في عام 1967، أم أنه قد يتضمن انتزاع قسم من هذه الصلاحيات مثل التحكم في أبواب المسجد الأقصى بالرغم من احترام هذا الدور، فما هو مفهوم احترام الدور المقصود؟

أما البند الثالث الذي يخص حوار الأديان والتسامح والسلام فهو يميل لأن يكون عبارات شاملة وفضفاضة من الصعب تحديد مدلولاتها العملية على صعيد طبيعة الدور الأردني في المقدسات الإسلامية في القدس ومنها المسجد الأقصى. أو ربما يكون هذا البند ليس بفضفاض ولكن قد يعكس هذا البند روح التنازل المتوقعة، بحيث يتفهم كل طرف احتياج الآخر الروحي ويتسامح فيه ويميل إلى الأطروحات والحلول السلمية في حال ظهر أي اختلاف على الأماكن الدينية مستقبلاً.

وفي ظل تزايد الأطماع الإسرائيلية في المسجد الأقصى المبارك وتزايد الاعتداءات الإسرائيلية عليه وما تبعه من ردود فعل جماهيرية غاضبة في الساحة الفلسطينية، ارتأت الإدارة الأمريكية بضغط إسرائيلي عمل اتفاق فرعي حول المسجد الأقصى بين إسرائيل والأردن برعاية أمريكية بتاريخ 24/10/2015، تضمن هذه البنود المعلنة:

 « 1- أن تحترم »إسرائيل« »الدور الخاص« للأردن كما ورد في اتفاقية السلام بين الطرفين، و »الدور التاريخي للملك عبد الله الثاني« .
2- »إسرائيل« ستستمر في تطبيق »سياستها الثابتة في ما يخص العبادة الدينية« ، في المسجد الأقصى بما فيها الحقيقة الأساسية بأن »المسلمين هم من يصلون« وبأن »غير المسلمين هم من يزورون« .
3- بأن »إسرائيل« ترفض تقسيم المسجد الأقصى، وترفض »أي محاولة« للقول بغير ذلك.
4- »إسرائيل« ترحب بالتنسيق المتزايد بين السلطات الإسرائيلية وإدارة الأوقاف، بما في ذلك »التأكد من أن الزوار والعبّاد يبدون الانضباط ويحترمون قداسة المكان انطلاقاً من مسؤوليات كلٍّ منهم« .
5- موافقة رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو على اقتراح الأردن بـ »توفير« تغطية مصورة على مدار 24 ساعة لكل المواقع داخل المسجد الأقصى، مما يوفر سجلاً »شاملاً وشفافاً« لما يحصل فيه، وهذا قد يثبط كل من يحاول تشويه قداسة المكان. » (مؤسسة القدس الدولية، 2015، ص2).

 وبالرغم من أن هذا الاتفاق الذي تم برعاية وزير الخارجية الأمريكي قد أكد على احترام إسرائيل للدور الأردني إلا أنه أكد على حق غير المسلمين بما يشمل اليهود بزيارة المسجد الأقصى المبارك، وهذا تطور خطير يؤكد أن الغموض في اتفاق وادي عربة كان تمهيدا لإضعاف الدور الأردني في المسجد الأقصى المبارك من خلال تحويل زيارة اليهود للأقصى إلى حق مشروع بعد أن كان غير واضحا في اتفاق وادي عربة. المتأمل في البند الأول من المادة التاسعة يرى أنه يتعلق بحرية الدخول للأماكن الدينية والتاريخية وهذا لم يستثنى فيه أي من الطرفين وبالتالي فإن ملحق هذه الاتفاقية المعلن عنه في أكتوبر 2015 يفصل ويفسر البند الأول من اتفاق وادي عربة على أساس أن اليهود لهم حق مكتسب في زيارة المسجد الأقصى وبهذه الطريقة تم توظيف الغموض في هذا البند لتحقيق انجاز هام في مسيرة إحكام السيطرة الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وقد أعلن هذا الاتفاق الفرعي عام 2015 من طرف وزير الخارجية الأمريكي ولم يكتب هذا الاتفاق الملحق أو يوقع وهذا يقربه إلى صيغة مبادرة أمريكية أكثر من كونه اتفاقا معلنا، وهذا يعيدنا إلى البند الثاني من المادة التاسعة في اتفاق وادي عربة إذ نرى أنه تم استخدام مصطلح الدور الحالي الخاص بالمملكة الأردنية الهاشمية والذي يخص المقدسات الدينية والتاريخية بما يشمل المسجد الأقصى المبارك، وبالتالي فإن مصادقة الأردن على مصطلح الدور الحالي يلغي حقها القانوني في المطالبة بأية صلاحيات أو منجزات كانت تتمتع بها قبل الدور الحالي الذي تتمتع به، مع أنه من المعلوم التراجع الذي حصل بالدور الأردني في المسجد الأقصى بالمقارنة ما بين فترة ما بعد احتلال القدس وفترة ما قبل التوقيع على اتفاقية وادي عربة وما تحتويه من بنود حول المقدسات ومنها المسجد الأقصى.

إذا نظرنا إلى الصلاحيات الممنوحة للطرف الأردني بحكم الأمر الواقع والتي تتضمن توظيف طاقم العاملين في المسجد الأقصى المبارك وفتحه وإغلاقه، وتغيير سجاده، وإجراء الترميمات المطلوبة، وتحديد علاقة غير المسلمين به، نرى أن هذه الصلاحيات يتم تقليصها والحد منها تدريجيا، من خلال ما تحاول السلطات الإسرائيلية فرضه على أرض الواقع. ومع مرور الوقت واستمرار الاعتداءات على المسجد الأقصى منذ التوقيع على هذه الاتفاقية نرى أن هناك تراجعا ملحوظا في الدور الأردني، فقد أصبحت سلطات الاحتلال هي من يقرر توقيت فتح أبواب المسجد الأقصى وإغلاقها، وأصبحت هي من يقرر متى يسمح ومتى لا يسمح للمصلين دخوله، وتحولت صلاحية تحديد من يسمح له بالدخول ومن لا يسمح له من حراس المسجد إلى قوات الأمن الإسرائيلية المتواجدة على أبوابه وداخله، مما فتح الباب على مصراعيه لاقتحامات المستوطنين المتتالية للمسجد وأصبحت سلطات الاحتلال تحدد الليالي التي يسمح فيها الاعتكاف فيه بعد صلاة العشاء في شهر رمضان والأيام المباركة، وقبل فترة ليست بعيدة قامت سلطات الاحتلال بمنع حلقات العلم داخله واعتبارها نشاطا غير قانوني وبلغت وقاحة سلطات الاحتلال  مبلغها في اعتبار المصلين الذين يترددون على المسجد الأقصى للصلاة أنهم مرابطون، واعتبرت الرباط نشاطا إرهابيا، هذه الممارسات الخاصة ببسط نفوذ الحكومة الإسرائيلية تشير إلى أن الدور الأردني آخذ بالانحسار بشكل ملحوظ .

وهذا يشير إلى أن إسرائيل لم تولي أي احترام أو اهتمام بالدور الأردني الذي نصّت عليه اتفاقية وادي عربة عام 1994، بخصوص المقدسات في القدس، وقد عطّلت العمل تماما بالبند التاسع من اتفاقية وادي عربة، فحتى الوصاية أصبحت شكلية خالية المضمون بالرغم من أن مفهوم الوصاية لا يتضمن بالضرورة السيادة الأردنية على المقدسات في مدينة القدس، وهذا يعني أن الوصاية الشكلية للأردن على هذه المقدسات وخاصة المسجد الأقصى تساهم في منح سلطات الاحتلال غطاءً يخفف من حدة ردود الفعل العربية والإسلامية تجاه الانتهاكات التي تمارسها في المسجد الأقصى، على اعتبار أن هذه الوصاية الشكلية تعطي اطمئنانا لدى المسلمين أن هذه الوصاية تساهم في حماية المسجد الأقصى من خطر التهويد المحدق به.

ثانياً: اتفاقية أبو مازن_ الملك عبد الله:

جاء في مقدمة اتفاق أبو مازن_الملك عبد الله حول الوصاية الأردنية على المقدسات في القدس والمسجد الأقصى « أن رعاية المملكة الأردنية الهاشمية المستمرة للأماكن المقدسة تجعله أقدر على العمل للدفاع عن المقدسات الإسلامية وصيانة المسجد الأقصى. » (الموقع الرسمي لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين, 2013)

وتضمن البند الأول من المادة الثانية في هذه الاتفاقية أن الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة في القدس تهدف إلى احترام المكانة الدينية للمقدسات في القدس والمحافظة عليها وتأكيد الهوية الإسلامية الصحيحة واحترام أهميتها التاريخية والثقافية والمعمارية وكيانها المادي، بما يشمل متابعة مصالح الأماكن المقدسة وقضاياها في المحافل الدولية ولدى المنظمات الدولية المختصة والإشراف على مؤسسة الوقف في القدس وممتلكاتها وإداراتها وفقا لقوانين المملكة الأردنية الهاشمية.

أما البند الثالث من المادة الثانية فينص على اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية بدور ملك المملكة الأردنية الهاشمية المبين، ويلتزمان باحترامه.

وفي تعليق لوزير الأوقاف الفلسطيني السابق محمود الهباش أفاد « بأنّ بنود هذا الاتفاق ليست جديدة ولم تنشئ واقعا جديدا وإنما جاءت لتأكيد واقع قائم بالفعل وهو الإشراف الأردني على الأماكن المقدسة في مدينة القدس. » (الشرق الأوسط، 2015)

إن هذا التصريح يبدو وكأنه يصف ما هو قائم فعلا على الأرض كما انه لا ينكر بأن الوصاية الأردنية لها دور ايجابي في تأجيل الهيمنة الإسرائيلية الكاملة على المسجد الأقصى. إلا أن المتتبع للتغيرات التي طرأت على الدور الأردني في رعاية المقدسات في القدس ومنها المسجد الأقصى، وفي تعليق الهباش على الاتفاقية يؤكد بأنها « لن تغير الوضع القائم لكون إسرائيل صاحبة السلطة عمليا على المقدسات والأقصى وسيقتصر دور الأوقاف الإسلامية على رعاية الأقصى وتنظيفه وترتيبه وإدارته »(الشرق الأوسط، 2015)، وهذا التصريح يثير تساؤلين:

أولهما طالما أن السلطة الفلسطينية حصلت على عضوية مراقب في الأمم المتحدة لماذا استبعد الدور الفلسطيني كليا وتم تغيبه عند التوقيع على الاتفاقية الأردنية الفلسطينية لحماية المسجد الأقصى؟

ثانيها: لماذا أبدى الطرف الأردني قبوله الضمني بتغيير الوضع القائم، وتحويل « زيارة » اليهود إلى حق مكتسب، واقترح آلية رقابية كانت محل رفض أردني متتالٍ ولا تحقق أي ضمانات؟

 هذان السؤالان يشيران إلى وجود قصور في هذا الاتفاق تخلى فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن أي دور محتمل للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير في المسجد الأقصى، فبالرغم من أنه من المعروف أنّ السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير لن تتمكنا من فرض أي نفوذ لهما في المسجد الأقصى إلا أنه بإمكانهما المطالبة بدور رقابي فلسطيني ذو أبعاد سياسية يمكنه من الضغط على المستوى الدولي باتجاه وقف الانتهاكات الإسرائيلية والاقتحامات للمسجد الأقصى، وتستمد هذه المطالبة التي لم تتم من كون منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني من ناحية ولحصول السلطة الفلسطينية على عضوية مراقب في الأمم المتحدة من ناحية أخرى.

كما أنّ الغموض الذي بدا واضحاً في اتفاق وادي عربة حول مفهوم حرية الوصول للأماكن الدينية في القدس ومنها المسجد الأقصى فسر في هذه الاتفاقية على أساس حق مكتسب لليهود في زيارة الأقصى ما دام حرية الوصول مضمونة لليهود والمسلمين.

وجوه التباين بين الاتفاقيتين ولمصلحة من يمكن تجييرها:

اتفاقية أبو مازن – الملك عبد الله تتعامل ضمن بنود الاتفاق وكأن الأردن يتمتع بوصاية حقيقية كاملة الصلاحيات على المسجد الأقصى، وبذلك يكون موقف السلطة الفلسطينية من خلال هذا الاتفاق عدم اقتراح أي دور لها في المسجد الأقصى متجاهلاً عدم قدرة الأردن على أداء دور الوصاية بشكل كامل وعدم قدرتها على حماية المسجد الأقصى من تزايد الهيمنة الإسرائيلية عليه، و التصدي لسياسة تهويد الأقصى، وقد أشير سابقاً إلى أنّ الهباش أشار إلى الهيمنة الإسرائيلية الحالية على المسجد الأقصى، وأن اتفاق أبو مازن الملك عبد الله يثبت فقط ما تؤديه الأردن من دور في المسجد الأقصى من رعاية وتنظيف وترتيب ورواتب، إلا أن النصوص وطريقة صياغتها وما تبعها من مجريات أظهرت مسألة خطيرة وهي أن اتفاق أبو مازن الملك عبد الله الذي وقع في آذار 2013 هو أحد الخطوات التي شرعنت اقتحامات المستوطنين للأقصى لكونها مهدت للاتفاق الملحق الأردني الإسرائيلي في أكتوبر 2015 والذي يعطي الحق لليهود بزيارة الأقصى برعاية وضغط أمريكي.

ومن هنا نرى أن جوهر الاختلاف بين اتفاق وادي عربة واتفاق أبو مازن – الملك عبد الله، يكمن في أن كل منهما يتعامل مع الحقائق على الأرض بشكل مختلف، فاتفاقية وادي عربة عكست الواقع كما هو موجود فعلا من ناحية السيطرة وشكلية الدور الأردني، بالمقابل نرى أن اتفاق أبو مازن الملك عبد الله يتجاهل بشكل مقصود ومعلن واقع السيطرة الإسرائيلية والهيمنة الحالية لإسرائيل على المسجد الأقصى، والجانب الفلسطيني فوّض صلاحيات للملك عبد الله لا يمتلكها أصلاً الجانب الفلسطيني خاصة بموضوع الوصاية مما يمهد لمزيد من السيطرة الإسرائيلية في هذا الصدد.

وإذا تساءلنا لصالح من يمكن تفسير هذا التباين بين الاتفاقيتين وادي عربة –أبو مازن، الملك عبد الله؟ نكتشف بأن الجواب هو لصالح إسرائيل، خاصةً وأن اتفاق أبو مازن - الملك عبد الله، فوض المسؤولية والصلاحيات والوصاية كاملة للأردن رغم اعتراف السلطة بأن الدور الأردني في الوصاية ضعيف وشكلي ومقيد بالسيطرة والهيمنة الإسرائيلية على الأقصى، وذلك على لسان وزير الأوقاف السابق الدكتور محمود الهباش، وهذا بالنتيجة يجعل إسرائيل المستفيد الوحيد من هذا الاختلاف، من خلال تمكينها من فرض واقع جديد لا يقتصر على اعتبار اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى حقاً مكتسباً أو مشروعاً، بل قد يمتد ليشمل منجزات إسرائيلية جديدة ضمن مساعي السيطرة الإسرائيلية الكاملة على المسجد الأقصى وتهويده، وذلك ضمن منطق مفاده أن ترك الضعيف وحده في المعركة ضد طرف قوي يعد نصرة ومساندة غير مباشرة للطرف القوي.

نتائج الاتفاقيتين في ظل التطورات منذ أكتوبر 2015:

تشهد القدس منذ حرق منزل عائلة الدوابشة في 31\7\2015 حراكا شعبيا على شكل موجات من أعمال المقاومة، وقد تصاعدت هذه الموجات بسبب السياسات والإجراءات الإسرائيلية المتصاعدة خاصة في المسجد الأقصى.

لقد عمدت إسرائيل إلى تصعيد الأمور داخل المسجد الأقصى من خلال التشديد على المسلمين والسماح بدخول المستوطنين إلى باحات المسجد الأقصى بهدف الزيارة ولكن هذه الإجراءات ترافقت مع العديد من التصريحات الإسرائيلية سواء من وزراء أو أعضاء كنيست المطالبة بتقسيم المسجد الأقصى والسماح لليهود بالصلاة فيه وذلك من خلال ما أطلق عليه التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى.(AMEC, 2015)

لقد تدرجت الخطوات الإسرائيلية داخل باحات المسجد الأقصى لخلق واقع جديد من خلال إحكام السيطرة على أبواب المسجد الأقصى ومنع دخول الشبان إلى الحرم خاصة أيام الجمع وقد تطور الأمر إلى منع النساء من دخول المسجد الأقصى من الساعة 7:30 وحتى 11:00 صباحا، في خطوة اعتبرها الكثيرون مؤشرا على بداية التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، بينما استمرت السلطات الإسرائيلية في حملات الاعتقال للشبان بما في ذلك الإبعاد عن المسجد الأقصى، حتى انه تم اعتقال العديد من حراس المسجد الأقصى في خطوة استفزازية لدائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية.

بتاريخ 8\9\2015 اصدر وزير الجيش الإسرائيلي موشيه يعالون أمرا بما أسماه « تنظيمي المرابطين والمرابطات » مجموعة خارجة عن القانون« (مؤسسة القدس الدولية,2015,ص2)، وذلك في خطوة هدفها منع تواجد المرابطين داخل المسجد الأقصى لتسهيل عملية دخول المستوطنين إلى المسجد الأقصى المبارك، وعلى اثر ذلك زاد التوتر في المسجد الأقصى ومحيطه وتصاعدت الإحداث في مختلف مناطق الأراضي المحتلة بما فيها فلسطين 48.

لقد أدت التطورات وخاصة تصاعد الهبة الجماهيرية والخوف من تحولها إلى انتفاضة ثالثة إلى حضور وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى عمان والالتقاء مع الملك عبد الله والرئيس الفلسطيني محمود عباس، حيث »أعلن وزير الخارجية الأمريكي عن اتفاق أردني-إسرائيلي حول الأقصى في عمان في 24\10\2015 تمحور حول احترام « إسرائيل » للدور الأردني في المسجد، وتعهد إسرائيل بالحفاظ على الوضع القائم وتخصيص المسلمين بالصلاة وغير المسلمين بالزيارة ونصب كاميرات لمراقبة المسجد الأقصى على مدى 24 ساعة لمعرفة مصادر الاستفزاز« (مؤسسة القدس الدولية, 2015,ص1-ص2).

إن الاتفاق غير الموقّع أكّد وفرض حقائق جديدة وخاصة التأكيد على الدور الخاص للأردن كما ورد في اتفاقية وادي عربة, وفرض واقعاً جديداً من التأكيد بأن المكان لصلاة المسلمين ولزيارة غير المسلمين, وموافقة إسرائيل على طلب الأردن تركيب كاميرات داخل المسجد الأقصى. لكن الواقع الجديد Status Quo, أن إسرائيل هي من تقرر الواقع الجديد في الحرم وليس الأوقاف الإسلامية كما كان الواقع عليه منذ عام 1967, وتم تجاهل الفلسطينيين بالاتفاق المشار إليه.

بعكس ما تم الاتفاق عليه في عمان استمرت إسرائيل بقمع الفلسطينيين في محاولة منها لوقف الهبة الشعبية الفلسطينية، وقامت الحكومة الإسرائيلية بتاريخ 17\11\2015 بإعلان الحركة الإسلامية –الجناح الشمالي تنظيما خارجا عن القانون

( مؤسسة القدس الدولية, 2016,ص9), وهدفت إسرائيل من هذا المنع تجفيف موارد وقدرة المرابطين في المسجد الأقصى بالإضافة إلى نشاطات الحركة الإسلامية في المسجد الأقصى وعملها الهادف إلى مواجهة المخططات الإسرائيلية.

موضوع الكاميرات كان مثار تفاعل وخاصة بين الفلسطينيين والأردنيين، حيث التقى »وزير الخارجية الأردني ناصر جودة في اليوم ذاته في رام الله برئيس السلطة الفلسطينيين محمود عباس الذي قال انه موافق على كل ما يوافق الأردن عليه بخصوص الأقصى« ( مؤسسة القدس الدولية, 2016,ص14), وقد عكس هذا اللقاء عمق الخلافات الأردنية الفلسطينية وخاصة الشارع المقدسي المعارض لتركيب الكاميرات لما تحتويه من خرق امني للمرابطين داخل المسجد الأقصى، لكن الحكومة الأردنية كانت مصرة على تركيب الكاميرات بموافقة إسرائيل والسلطة الفلسطينية، حيث صرح وزير الإعلام الأردني محمد المومني في 21\3\2016 “إن الهدف من تركيب الكاميرات هو الحفاظ على هوية الأقصى الإسلامية والعربية ورصد أي انتهاكات من المتطرفين الإسرائيليين ومقاومتها »( مؤسسة القدس الدولية, 2016,ص14).

لقد عارض الشارع المقدسي وخاصة المرابطين في المسجد الأقصى تركيب الكاميرات بعكس سياسة وموقف السلطة الفلسطينية، حيث أدى هذا الموقف الشعبي الفلسطيني إلى قرار الحكومة الأردنية في 12\5\2016 إلى وقف مشروع تركيب الكاميرات في المسجد الأقصى, حيث صرح رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور« إننا قررنا التوقف بالمشروع لأننا فوجئنا منذ إعلان نيتنا عن تنفيذه بردود أفعال بعض أهلنا في فلسطين تتوجس منه وتبدى ملاحظات عليه وتشكك في مراميه وفى أهدافه ، كما أننا نحترم الآراء جميعها في فلسطين عامة وفى القدس الشريف خاصة ».(اليوم السابع, 2016).

ولكن في تطور دراماتيكي للأحداث داخل الأقصى وعلى أثر هجوم أدى إلى استشهاد ثلاثة فلسطينيين ومقتل شرطيين اثنين للاحتلال الإسرائيلي على احد أبواب المسجد الأقصى, أغلق الاحتلال المسجد الأقصى في 14 تموز 2017 ومنع الصلاة فيه للمرة الثانية منذ احتلاله مدينة القدس الشرقية عام 1967 ثم أعيد فتحه جزئيا بعد يومين واشترط على المصلين الدخول عبر بوابات تفتيش الكتروني وهو ما رفضه المقدسيين بشدة حيث احتشد ألاف الفلسطينيين نهارا وليلا في منطقة باب الأسباط لأداء الصلوات وللتعبير عن رفضهم للإجراءات الأمنية الإسرائيلية وطالبوا بإزالة كافة التعديات التي جرت على المسجد وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الأحداث. ويوم الخميس 27/7/2017 أزالت قوات الاحتلال الإسرائيلي كافة الجسور والممرات والأبواب الالكترونية التي وضعتها نتيجة تصميم ونضال وصمود الشعب الفلسطيني في القدس في لحظات تاريخية استطاع من خلالها الفلسطينيين وقف الإجراءات الأمنية الإسرائيلية الهادفة إلى فرض السيادة الفعلية على المسجد الأقصى.

إن الإحداث السياسية والميدانية منذ أكتوبر 2015 وحتى ألان كان محورها السيطرة على المسجد الأقصى، ونية إسرائيل تغيير الواقع القائم من خلال السيطرة الكاملة على المسجد  ومنع الفلسطينيين من السيطرة عليه والتنسيق مع الأردن في الأمور الإدارية والخاصة أي وجود دائرة الأوقاف الأردنية في المسجد الأقصى، وقد أظهرت الإحداث إن المتحكم في المكان هم الإسرائيليين والمرابطين في المسجد الأقصى، وان الصراع بينهم يتمحور حول من يسيطر على المسجد الأقصى وتم استبعاد أي دور ميداني للأردن وللسلطة الفلسطينية.


حقيقة التوتر الأردني الفلسطيني فيما يخص المسجد الأقصى:

يعد الشعب الفلسطيني والأردني شعبين شقيقين تربطهما علاقات المصاهرة والأخوة والعيش المشترك، والأردن صاحب أطول مسافة على حدود فلسطين التاريخية، وكذلك فإن الحكومة الأردنية منذ بداية احتلال القدس قدمت تسهيلات وامتيازات للشعب الفلسطيني وخاصة سكان مدينة القدس منهم الذين لا يزالون يحملون الجنسية الأردنية، وعندما نتحدث عن توتر أردني فلسطيني حول موضوع ما لا يعني ذلك وجود ما يمس التلاحم الأخوي الأردني الفلسطيني.

يلاحظ المتتبع لسياسة كل من الحكومة الأردنية والسلطة الفلسطينية في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي حول المسجد الأقصى أن هذه السياسة منسجمة ومتناسقة مع التوجهات والضغوطات الأمريكية، لكونها تخدم سياسة تقديم تنازلات للجانب الإسرائيلي مقابل محافظة إسرائيل على امتيازات شكلية للجانب الأردني، ودون أن يجني الجانب الفلسطيني فائدة ملموسة، وبالتالي التوتر قائم بسبب عدم التنسيق بين الجانبين ولا ننسى التعاون الإسرائيلي الأردني في منع الرئيس الراحل ياسر عرفات من فرض سيطرته داخل الحرم من خلال وجود الأوقاف الفلسطينية وحراس يتلقون الرواتب مباشرة من السلطة الفلسطينية، أما على صعيد التوتر بين الحكومة الأردنية والمرابطين في المسجد الأقصى فهذا هو المقصود، إذ يشعر المرابطون بأن الجانب الأردني مقصر في وصايته على المسجد الأقصى، لكونه يبدي ردود أفعال لينة تجاه الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للمسجد الأقصى تقتصر على بعض التصريحات الخطابية الرافضة، ولا يتبع هذه التصريحات أية خطوات عملية ولا حتى على الصعيد الدبلوماسي.

 

 

 

 

 

الاستنتاجات:

  • تتسم بنود اتفاقية وادي عربة الخاصة بالدور الأردني في رعاية المسجد الأقصى بالغموض الذي فسر لصالح السلطات الإسرائيلية فيما بعد.
  • الاتفاق بين الرئيس أبو مازن والملك عبد الله حول الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى غيَب أي دور فلسطيني مستقبلي محتمل للسلطة الفلسطينية رغم حصول السلطة على الاعتراف بفلسطين كدولة بصفة مراقب في الأمم المتحدة.
  • الاتفاقية الأردنية الإسرائيلية برعاية أمريكية حول المسجد الأقصى التي أعلن عنها في أكتوبر 2015، تعطي شرعية لاقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى.
  • الجماهير الفلسطينية وتحديداً المرابطين في المسجد الأقصى يرون وجود قصور في الدور الأردني في الوصاية وإدارة ورعاية المسجد الأقصى، ويشعرون بالريبة من إمكانية مساهمة الأردن في التصدي لسياسة تهويد المسجد الأقصى إذا لم تقم الأردن ومعها السلطة الفلسطينية بتعزيز الحراك الدبلوماسي الدولي للضغط على إسرائيل ومنعها من استمرار اقتحامها للمسجد الأقصى.
  • ضعف الحراك الدبلوماسي العربي ومنه الأردني والفلسطيني ضد الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى ساهم في تصعيد هذه الاقتحامات مما أدى إلى تصعيد النضال الفلسطيني وأثبتت الأحداث الأخيرة أن الشارع الفلسطيني وفي مقدمته الشارع المقدسي قادر بفعل وحدته وصموده وتماسكه في وقف أو تجميد الإجراءات الإسرائيلية المتسارعة للسيطرة التامة على المسجد الأقصى وفرض السيادة الإسرائيلية  على باحات المسجد الأقصى بما فيها دائرة الأوقاف الأردنية.

 

 

 

 

 

 

المراجع:

 

  1. (الشرق الأوسط)(2015).الوصاية الأردنية على المقدسات« مفاوضات الظل »,لندن:الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق. http://aawsat.com/home/article/49751
  2. المركز الأفريقي الشرق أوسطي، (2015) سياسة تغيير الوضع في المسجد الأقصى، جوهانسبرج.
  3. (الموقع الرسمي لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين)(2013).اتفاق أردني فلسطيني لحماية المسجد الأقصى والدفاع عنه:الأردن. http://kingabdullah.jo/index.php/ar_JO/news/view/id/10778/videoDisplay/1.html
  4. (موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية)(2013).معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن:إسرائيل. http://mfa.gov.il/MFAAR/IsraelAndTheMiddleEast/Jordan/Pages/peace%20treaty%20israel%20jordan.aspx
  5. (مؤسسة القدس الدولية)(2015/أ).الاتفاق الأردني الفلسطيني حول الأقصى برعاية أمريكية, بيروت: دار النهضة العربية.
  6. (مؤسسة القدس الدولية)(2015/ب).استهداف المؤسسات الفلسطينية الداعمة للقدس: سياسة إسرائيلية للاستفراد بالقدس والمقدسيين والمقدسات, بيروت: دار النهضة العربية.
  7. (مؤسسة القدس الدولية)(2016).حال القدس(1),  بيروت: دار الفارابي للنشر والتوزيع.

 

كلمات دلالية