خبر بروغرومات ضد الروح الصهيونية/بقلم: مارك بيكر

الساعة 03:32 م|14 ديسمبر 2008

هآرتس (المضمون: المذابح التي ينفذها المستوطنون بحق الفلسطينيين هي استرجاع لمذابح الماضي التي نفذت ضدهم - المصدر).

 

حاولوا نعت اليهودي بالنازي او دولة اسرائيل بالدولة اليهودية – النازية، فينصب جام غضب الجالية كلها على رؤوسكم. ورغم ذلك، جرى استخدام واسع في الايام الاخيرة لهذا التشخيص التاريخي من اجل وصف قطاع يهودي مارس العنف ضد الفلسطينيين. في الاسبوع الاخير احصيت ما لا يقل عن خمسة مقالات في صحيفة هارتس ومن بينها المقالة الافتتاحية، اعتبرت الشبان الذين عربدوا في الخليل "ذباحين". (ذباحين من مصطلح بروغروم اي مذبحة جماعية". اما مصطلح النازيون فقد خصص للارهابيين في مومباي حتى رئيس الوزراء ايهود اولمرت شعر بالحاجة لاستخذام المقارنات التاريخية ووصف اعمال الشغب في الخليل بالمذبحة التي يتوجب اعتقال منفذيها اليهود باي ثمن.

 

هناك قدر غير قليل من الهزل والسخرية في المقارنة بين اليهود وبين احفاد بوغدن حملانتسكي. ولادة الصهيونية لم تأتي من المحرقة النازية في اخر المطاف وانما من المذابح الجماعية المتكررة ضدهم في روسيا. البروغروم هو الخلفية التي نشأت على اساسها الحركة الصهيونية، الفصل الاول في كتاب مذكرات مؤسسي الدولة الذين وصفوا اهاليهم وهم يختبئون تحت الطاولات او يحاولون تحصين الابواب الضعيفة من اجل منع المهاجمين الذين يمتطون الجياد مقتحمين منازلهم.

 

هذه الحكايات كتبت بصورة تهدف الى البرهنة على ان الصهيونية ليست فقط ردا فعل على المذابح والبروغرومات، وانما الرد عليها. اليهودي السيادي لا يختبىء من وراء الابواب، وانما يفتحها حتى يدخل في عهد تاريخي جديد. المواطن الاصلي يقف في مواجهة اعداءه على صورة مقاتل رجولي مسلح يرد على القوة بالقوة. اما صورة من يفتعل البروغرومات فقد كانت دائما مخبأة في نفس الصهيونية وذاكرتها المصدومة نفسيا والتي تركت جراحها في الدولة الجديدة.

 

الان فتحت هذه الجراح المليئة بالصديد والقيح، وتكشفت تركيبة النفس اليهودية امام العالم. منظر اليهود الذين يعتدون على حرمات مقابر المسلمين من خلال رسومات نجمة داهود ويهددون بحرق المنازل فوق رؤوس سكانها ايقظ الشياطين من نومها الذي كانت تركض فيه في الخيال الاسرائيلي الشعبي. ما هو الفرق بين اعمال الشغب والبروغروم في العهد النازي؟ تساءل رئيس الوزراء.

 

ولكن مستوطني الخليل يعتبرون ان اولمرت والدولة هم الذين يستنهضون صور الماضي ومشاهده. مرة اخرى مثلما هو الحال خلال فك الارتباط عن غزة، تقوم الحكومة والمحكمة والجيش بطرد اليهود من منازلهم ومن اراضيهم ويقومون بـ "تطهير" المنطقة من اليهود ويتصرفون مثل القادة المستسلمين الانبطاحيين في العهد الماضي. اصبحت الدولة الغريب العدو، ووسيلة علمانية لتجسيد المصالح اللاسامية، وخائنة لمصير شعب الله المختار في الارض الموعودة.

 

قضية الهوية طرحت امامي بكامل شدتها في الاسبوع الماضي، بعد لقاء مع صديقة استرالية، اعترفنا بحقيقة اننا مجبولين من نفس الطينة- احفاد لناجين من الكارثة النازية وجدوا في استراليا ملجأ لهم. من وجهة نظرها، دروس الماضي وعبره هي التي قادتها الى تأييد مستوطني الخليل من دون تحفظ. السلام سيقوم كما قالت عندما تزول اسرائيل عن الخارطة ويشعر العرب انهم قد حققوا هدفهم. السياسة من وفقا لهذه النظرة هي لعبة عدمية. العالم هو اوشفيتس، ودولة اسرائيل هي البلدة التي يتوجب عليها ان تتوصل الى اختيار مصيري. الموت من وراء الابواب او الوقوف في وجوههم والقيام بكل ما يمكن من اجل البقاء.

 

انا ايضا مجروح من التاريخ، ولكن بطريقة مختلفة. رغم انني اعرف الظروف في هذا القرن مغايرة، الا انني لا استطيع عدم رؤية العلاقة الواضحة بين سلوك المستوطنين وايديولوجيتهم وبين مصائبنا في صورتها الماضية او الحاضرة.

 

المشهد المنفر الذي يضع اطارا حول الطريقة التي انظر فيها للمستقبل اصبح بعيدا بسبب المستوطنين الذين يستغلون الصراع لتبرير عنصريتهم. هذا المشهد يلزمني بان ارفض الحماس الشوفيني الذي يتصف به الراكعون امام الارض والذين يعتبرون هويتهم فوق كل شيء اخر. هذه النظرة تدفعني للاعتراف بالحاجة لاقامة اسوار امنية، الا انها تثير الخوف مما يختبىء من وراء الجانب الاخر لهذه الاسوار. كما انها تشخص المجموع اليهودي الذي يفضل اعتبار المتطرفين الشبان اعشابا ضالة، وليس نتيجة للاغراس التي قمنا جميعا برعايتها.

ابراهام بورغ دعى في كتابه المثير للخلاف "لننتصر على هتلر" الى طرد شياطين الماضي. هذه مسألة غير ممكنة لان الماضي هو الذي قام بتصميم نفوسنا كما نراها اليوم. الاختيار يتمثل بما يتوجب علينا فعله عندما ننهض في كل صباح من احلامنا او من كوابيسنا ونتذكر.