خبر الفلسطينيون أمام التحديات الكبرى.. عدلي صادق

الساعة 03:06 م|14 أغسطس 2017


في هذه الآونة، تتوافق تقارير منظمات حقوق الإنسان، حول وصول انتهاكات حكومة الاحتلال الإسرائيلي إلى ذروتها، مع تقارير وصول فائض فساد رئيس حكومة الدولة العبرية إلى ذروة الطوفان، بمعايير هذه الدولة التي وفرت لجمهورها المستجلب أصلاً، من أربع رياح الأرض، المؤسسات الناظمة لحياته.

في الوقت نفسه، تتوافق تقارير أخرى على أن السلطة الفلسطينية التي يقف محمود عباس على رأسها، وصلت إلى حضيض الحال، ولم يختلف حول هذه الحقيقة، ممتدحو عباس بأدواتهم في التحليل، ومعارضوه بمنطقهم ورؤيتهم. فالباحثون الممتدحون أنفسهم، يرون أن السياسات التي يتبعها رئيس السلطة الفلسطينية استنفدت وسائلها وباتت عقيمة، لا سيما وهي تفتقر إلى التأييد الشعبي.

وكان باحثان فلسطينيان، يعملان في جامعة أكسفورد قد نشرا دراسة مشتركة، في مجلة “نيويوركر” الأميركية، خلصت إلى القول إن “فتح اختفت كقوة سياسية مع عدم وجود قادة جدد.

فلا نجاح ظاهرا لحكومة عباس ولا تقدم نحو السلام”، ثم إن “هناك زيادة في انتقاد أبناء الشعب الفلسطيني التعاونَ الأمني مع إسرائيل، وكان يُفترض أصلا، أن يَمْنَع هذا التعاون أي نشاط مسلح ترد عليه إسرائيل بعنف مضاعف، غير أن التعاون الأمني انتهى بخدمة إسرائيل، لأنه مكّنها من إبقاء الاحتلال بأقل ثمن ممكن”، ثم- كما تستطرد الدراسة- أن “هناك فقدان ثقة لدى الفلسطينيين بإمكانية الحل عن طريق المفاوضات، وقد أدى ذلك إلى فقدان الثقة في فتح وفي السلطة الوطنية وفي منظمة التحرير الفلسطينية، واندثر التأييد لهذه المنظمات لفشلها في التحرير ولفشلها في الحكم وفي صنع السلام”.

أما ما قاله صاحبا الدراسة، وهما من المقتنعين سابقا بسياسة عباس، عن المؤتمر المنعقد في مقر الرئاسة الفلسطينية، الذي سماه رئيس السلطة مؤتمرا عاما وسابعا ولحركة فتح؛ فهو أن هذا المؤتمر هو الذي أصدر شهادة الوفاة لدور فتح “رغم الخطابات الحماسية والجو الاحتفالي”.

معنى ذلك، أن البُنية السياسية الفلسطينية تواجه الآن خطرا كيانيا، في الوقت الذي باتت إسرائيل فيه أكثر افتضاحا، ما يستدعي بناء إستراتيجية عمل سياسي فلسطيني فعال له القدرة على المثابرة وعلى تخليق السياسات الرشيدة، ويستند إلى قاعدة شعبية تمنحه الجدارة والصدقية.

نحن اليوم أمام معطيات في الحياة الفلسطينية اليومية، قابلة للاستخدام السياسي، ومن بين تلك الحقائق ما نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش حول الممارسات العنصرية الصهيونية التي تمارسها سلطات الاحتلال ضد سكان القدس لتهجيرهم. فالاحتلال جعل المدينة طاردة لسكانها الفلسطينيين، بوسائل الحرمان من الإقامة فيها بمبررات واهية، بينما الفلسطينيون يقاومون يوميا هذه السياسة، ومن بين الشبان من ينفجر غضبا ويحمل سكينا، ومنهم من يتصدون بصدورهم العارية يوميا بسبب إحالة حياة السكان إلى جحيم.

عندما تتولى منظمة عالمية تعنى بحقوق الإنسان، رصد هذه الانتهاكات ونشرها، فإن المسؤولية تقع على الضمير الإنساني قاطبة، لأن هيومن رايتس ووتش لا يجدي معها الاتهام بمعاداة السامية والانحياز للفلسطينيين والمقدسيين. فحقل اختصاصها هو رصد الانتهاكات ضد حقوق الإنسان في كافة العالم وفضحها.

في ظل هذه المعطيات، على صعيديْ انهيار النظام السياسي الفلسطيني وتردي حال رافعته الحزبية الفتحاوية، والوصول إلى انسداد، وافتضاح سياسات بنيامين نتنياهو وحكومته، يتعين على طرفي الصراح حكما، إعادة بناء خططهما وأخذ مقتضيات المواجهة. وللأسف، سيكون الطرف الاحتلالي الإسرائيلي في وضع أفضل بكثير، ولن يعدم الوسيلة التي يعيد فيها بناء إستراتيجية الخديعة، بحكم وجود المؤسسات التي تحمي الباطل.

أما حال الطرف الفلسطيني، الذي يفترض أنه محامي الحقوق ورائد السعي إلى نيلها، فقد أصبح مثيرا للشفقة والاستغراب. ومن المفارقات، أن إحدى أخاديع الاحتلال والأميركيين، كانت إقناع محمود عباس أن طريق السلامة وشرط الظفر بشيء من عملية التسوية، يقتضي هدم البنية السياسية الفلسطينية، والاستمرار في التجرؤ على الثقافة السياسية للفلسطينيين لتعويدهم على ما يخالف مدركاتها، والعمل على هدم المؤسسات ومعها المعاني الحاملة للخطاب الوطني الفلسطيني بصيغته الأساس.

ففي محاولته تغيير مضامين حركة فتح، وفي ظل تفرده وغياب المؤسسات، استخدم عباس كل الصلاحيات التي انتزعها، وأهمها صلاحيات التصرف بالمال، وصلاحيات الأمن والقرارات السياسية والتنظيمية، بما فيها من قرارات تقديم الأشخاص أو تأخيرهم، وتقريبهم أو إبعادهم، والصبر عليهم أو إقصائهم.

وفي ذلك السياق ارتجل عملية صياغة المعاونين وفق اشتراطاته، وظن أنه أفلح وأقنع المجتمع الفلسطيني والمراقبين، بنفسه وبالمجموعة التي معه، وأقنع الجميع أن فتح موجودة، لكن الباحثين الأكاديميين المعنيين بالحقائق، ومن بينهم المقربون منه، والذين فتحوا له نوافذ اتصالات خاصة مع منتديات الغرب، يؤكدون على أن دور فتح قد انتهى، بتأثير تلك الألاعيب، وأن المجتمع الفلسطيني لم يعد يثق بها ولا بأي من الفصائل.

اليوم وقد بات ضروريا بناء المؤسسات والأذرع الوطنية الفلسطينية واستعادة ثقة الشعب الفلسطيني في طبقته السياسية، يصبح السؤال الأهم: أين هي العناصر التي مع عباس، والتي يمكن بها وبأطرها وبمناقب أشخاصها وثقافتهم، إعادة بناء إستراتيجية العمل الوطني الفلسطيني؟

ودونما حاجة إلى الإشارة لأسماء، يتساءل الفلسطينيون: هل يريد عباس بناء إستراتيجية فتح الثغرات في جدار الانسداد، بمسؤولي أمن لم يكمل واحدهم تعليمه الثانوي ولم يتلقّ شيئاً من ثقافة الدولة أو من البعد الاجتماعي والوطني للعمل الأمني؟ أم إن المؤهلين لبناء إستراتيجية عمل وطني ناجعة، هم مجموعة المحيطين به، ممن لم يتلق واحدهم شيئا من ثقافة الدولة؟

بمن وبحضور من، سيبني رئيس السلطة الفلسطينية إستراتيجية الخروج من المأزق؟ وبأي أعضاء من الحاضرين، سيعقد اجتماعا في رام الله، ويزعم أنه انعقاد “المجلس الوطني الفلسطيني” أي البرلمان الفلسطيني في المنفى؟. فالدكتاتوريات نفسها كانت تحرص على الاستعانة بخبراء من طراز رفيع، وبأطر دستورية شكلا، لكن رئيس السلطة الفلسطينية يضيف إلى خطورة ما هو فيه، من جراء خسارة التأييد الشعبي، مخاطر خلو وفاض معاونيه، من القدرة على اجتراح الحلول للمشكلات الصغيرة، فما بالنا بمواجهة التحديات الكبرى.

 

كلمات دلالية