خبر ظواهر لا يرضى عنها الإسلام .. بقلم / داود أحمد شهاب

الساعة 05:04 م|11 أغسطس 2017

فلسطين اليوم

أرسى الإسلام مبدأ المحاسبة ، ولم يقتصر تطبيق هذا المبدأ على أحد دون أحد ، فمثلاً يشدد الإسلام مبدأ رقابة ومحاسبة المسؤولين في مواقعهم ، فلم يعطّ الإسلام حصانة لمسؤول أو وزير أو حاكم تجعله بعيداً عن المحاسبة ، بل إنك تلمس تشديداً في العقوبة على المخطئ إذا كان في موقع مسؤولية ، وقد ضرب سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه أروع الأمثلة في متابعة ومحاسبة الولاة والمسؤولين ، وكان يوصيهم بالرفق بالناس وحسن معاملتهم وعدم تحميلهم ما لا يطيقون.

وكان يحذرهم من الاستفراد بالسلطة واستغلال مناصبهم للكسب والاستئثار بالتسهيلات، وهو بذلك يطبق مفهوم السلطة في الإسلام بأنها وظيفة جُعلت لرعاية مصالح الناس وحمايتها وبالتالي تقديم كل التسهيلات الكفيلة بتحقيق هذه الغاية. فالمسؤول والوالي والحاكم والوزير في الإسلام موظف أو خادم أو عامل لخدمة الرعية.

وقد قال رضي الله تعالى عنه موضحاً واجبات الولاة : « أيها الناس: إني والله ما أرسل إليكم عمالاً ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أعشاركم ، ولكن أرسلهم ليعلموكم دينكم وسننكم فمن فُعل به شيء سوى ذلك فليرفعه لي ، فوالذي نفس عمر بيده لاقتصن له منه ».

وهو قولٌ يسلط الضوء على حقيقة دور الولاة والمسؤولين وأهمية الرقابة على أدائهم العام ومتابعة مدى تطبيقهم لوظائفهم وقيامهم بالمسؤوليات الملقاة على عاتقهم تجاه المواطنين ومصالحهم.

ولقد قرأنا في سيرة عمر رضي الله تعالى عنه أنه أرسل لأحد ولاته يستجوبه في شكوى وردته عن تغيب هذا الوالي عن رعيته ، وقرأنا كذلك أنه قال لأحد ولاته محذراً : « بلغني أنه فشت لك فاشية في هيأتك ولباسك ومطعمك ومركبك ليست للمسلمين، فإياك يا عبد الله أن تكون كالبهيمة مرَّت بوادٍ خصيب فجعلت همها في السمن وفي السمن حتفها » .

فأمير المؤمنين رضي الله عنه لا يقبل أبداً لولاته أن يتميزوا عن رعيتهم في شيء من متاع الدنيا، ولك أن تسأل لو أن أمير المؤمنين رضي الله عنه بيننا اليوم هل سيقبل لولاته أن تكون لهم سيارات ومواكب فارهة في بلاد يموت أهلها بفعل الحصار والمرض!! أو أن تُضاء بيوتهم وتنعم بالكهرباء فيما يُغرق الظلام بيوت العامة ولا يرون للنوم طريقاً بسبب الحر الشديد!!

هل كان لأمير المؤمنين أن يقبل لأحد أن يقرر في مصائر الناس دون أن يعيش حياتهم ويشعر بآلامهم وأوجاعهم؟

إنك لو تتبعت سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ستخرج باستخلاص مهم هو أن التسهيلات في الإسلام للرعية ولا ينبغي للحاكم مطلقاً أن يدخرها لنفسه أو جماعته أو المقربين منه، ويُبقي للعامة الغلظة والشدة في الإجراءات والمعاملات وشؤون الحياة الأخرى.

وفي ذلك امتثال وتطبيق لتوجيهات النبي الكريم صلوات الله عليه حيث تقول السيدة عائشة رضي الله عنها : « سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا : »اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به" .

إن الألم يعتصر قلوبنا ونحن نرى المجتمع ينزلق منزلقات خطيرة حيث تظهر فيه طبقات مستفيدة تستأثر بالسلطة والإمكانات والتسهيلات فيما تئن فئات تحت وطأة الفقر والإهمال والتهميش!!

كلمات دلالية