خبر أقصانا .. وهيكلنا أيضاً! بقلم : رفعت سيد أحمد

الساعة 07:30 ص|06 أغسطس 2017

فلسطين اليوم

بقلم: رفعت سيد أحمد

كاتب ومفكر قومى من مصر. رئيس مركز يافا للدراسات والأبحاث القاهرة. دكتوراه فى فلسفة العلوم السياسية من جامعة القاهرة – 1987. صدر له ثلاثون مؤلفاً وموسوعة عن الإسلام السياسى والصراع العربى الصهيونى

كل قطرة دم مقدسية فلسطينية غالية أريقت في الأقصى، هي في سبيل الحق وضد الأساطير والدجل؛ وهكذا تؤكد الوثائق والحقائق العقائدية والتاريخية، إن المطلوب الآن فحسب من أتباع الدين الإسلامي والعروبة الحقة خارج فلسطين أن يؤمنوا بذلك، وأن يعملوا له بالدعم الحقيقي لأهل فلسطين.

« بيت المقدس بنته الأنبياء وعمرته »

« بيت المقدس بنته الأنبياء وعمرته »

* قبل الأيام الملتهبة الأخيرة في الأقصى، وبعدها، أثار العدو الصهيوني هذه القضية؛ أن « هيكل سليمان » موجود أسفل المسجد الأقصى الحالي، وأنه قدس الأقداس لديهم، وأن هدم الأقصى بالنسبة لهم مسألة وقت ليس إلا، حتى يُبنى على أنقاضه ما يعتبرونه أساس عقيدتهم ودولتهم المحتلة. ترى ما مدى مصداقية هذه المزاعم التي نظنها هي المحرك الأكبر لكل هذا القتل الصهيوني للمقدسيين، ما مدى صحتها تاريخياً وعقائدياً؟

* دعونا نلقي بعض الأضواء على تلك الظلال العتمة من تخاريف وأساطير أسست عليها دولة الاحتلال!

أولاً : بداية يحدثنا التاريخ ووقائعه منذ الكنعانيين وحتى اليوم أن فلسطين، كلها وليس القدس أو مسجدها الأقصى فحسب، أرضاً عربية قبل الميلاد وبعده، وأن من تواجد بها من اليهود لفترات زمنية قصيرة لا تزيد على 70 عاماً قبل الميلاد، وعبر آلاف السنين كانوا جملة اعتراضية في سياق التاريخ العام لهذا الوطن.. ومع ذلك دعونا نفتح كتبهم وتلمودهم لكي نكتشف أكثر كذبهم الذي يبنون عليه دولتهم ويبررون به التهويد والقتل والتدمير في القدس الشريف، رغم أن (هيكل سليمان المزعوم) ليس سوى مسجداً لإقامة العبادة الحقة على دين الإسلام، وليس على تخاريف التلمود، وفي هذا السياق يقول ابن خلدون في كتابه الفذ (مقدمة ابن خلدون) : « وبيت المقدس بناه داود وسليمان عليهما السلام، أمرهما الله ببناء مسجده ونصب هياكله، ودفن كثير من الأنبياء من ولد إسحاق عليهم السلام حواليه ... وأراد داود عليه السلام بناء مسجده على الصخرة فلم يتم له ذلك، وعهد به إلى ابنه سليمان، فبناه لأربع سنين من ملكه، ولخمسمائة سنة من وفاة موسى عليه السلام .. فلما جاء طيطس - من ملوك الرومان - وغلبهم »أي غلب بني إسرائيل« وملك أمرهم، خرب بيت المقدس، ومسجدها 70م، وأمر أن يزرع مكانه ».

وفي حديثه عن « هيكل سليمان » قال الباحث والكاتب الإسلامي المعروف أحمد بهجت في كتابه (أبناء الله – دار الشروق – القاهرة – 1987 ص277) : « وكان سليمان قد بنى لله مسجداً أو معبداً ... وكان مسجداً للمؤمنين الموحدين ».

كذلك في ما نُسب إلى المسيح - آخر أنبياء بني إسرائيل - وحوارييه، أن الحواريين قالوا: « يا مسيح الله، انظر إلى مسجد الله - مسجد بيت المقدس المشهور بهيكل هيرودوس - ما أحسنه! فقال المسيح: آمين آمين، بحق ما أقول لكم، لا يترك الله من هذا المسجد حجراً قائماً إلا أهلكه بذنوب أهله ».

ثانياً : وفى كتابه الرائع المعنون بـ (تفنيد أسطورة الهيكل الثالث – مركز يافا للدراسات والأبحاث – القاهرة 2009) يفند المؤرخ والباحث المصري د. عبدالتواب مصطفى، أكاذيب الصهاينة قائلاً ص33: تربط الروايات القديمة بين القدس ونبي الله آدم، الذي بنى بها مسجد بيت المقدس.

ورد عن الصحابي عبد الله بن عمر، أنه قال: « بيت المقدس بنته الأنبياء وعمرته »، ثم أقام اليبوسيون - مؤسسو القدس - هيكلاً لإلههم (سالم)، واتخذوا بيتاً للعبادة، وعرفت مدينتهم بـ(أورسالم). كما أن كلمة هيكل ذاتها، مستوحاة من المفردات الكنعانية.

ثم أقام الصابئة - عبدة الكواكب من العرب في زمن سيدنا إبراهيم - هيكلاً لكوكب الزهرة، على صخرة بيت المقدس، وكانوا يقربون إلى ذلك الهيكل زيتاً، يصبونه على الصخرة، ثم دثر ذلك الهيكل ... ولعل سبب بناء الصابئة هيكلاً على الصخرة، أنها كانت مكاناً للعبادة، كما كانت الكعبة، التي أقام عرب الجزيرة حولها الأصنام والتماثيل. ثم أقام إبراهيم في تلك البقعة المقدسة مسجداً.

أي أنه - عليه السلام - فعل بمنطقة الصخرة، كما فعل بمنطقة الكعبة، حيث طهر كلاً منهما، وجعله بيتاً طاهراً يليق بعبادة الإله الواحد، وعقيدة الموحدين، خلافاً لما كان يفعل مشركو قريش حول الكعبة، أو الصابئة حول الصخرة.

وفي موضع آخر من كتابه يؤكد د. عبدالتواب مصطفى أن بيت العبادة القائم في هذه البقعة من مدينة (يبوس - أورسالم - أورشليم - القدس) والمشهور حالياً بيت المقدس، أو المسجد الأقصى، هو معلم حضاري عربي عريق، مهما تبدلت عقائد العرب الذين أسسوه، من قبل، فهو مسجد أو بيت عبادة، حين تستقيم عقيدة هؤلاء العرب على التوحيد، وهو هيكل حين تفسد عقائدهم ويعبدون (الكواكب) أو (سالم) مؤسس المدينة الأول.

كل ما طرأ أو أدخل على هذا المعلم الديني لاحقاً هو - إذن - بمثابة إعادة بناء أو توسعة، أو (رفع قواعد) للبناء بعد ضياع معالمه أو اندثاره حيناً من الدهر وهكذا.

* وكل الأنبياء الذين شهدت تلك الأرض المقدسة بعثتهم، هم موحدون - أو مسلمون حسب المفهوم العام لكلمة الإسلام - وما فعلوه بهذا المعلم الديني هو - مراراً - العودة به إلى ما يجب أن يكون عليه، أي بيتاً لعبادة الله، وليس لعبادة البشر، مثل (سالم) وليس لعبادة الكواكب مثل (الزهرة).

فكل ما فعله الأنبياء: إبراهيم ثم يعقوب ثم داود ثم سليمان ثم المسيح، بهذا البيت، هو تجريده أو إعادة بنائه، أو تطهيره من معالم الشرك، التي كانت تلحق به أو بالمترددين عليه كلما تراجعت درجة التدين، أو كلما بعث الله واحداً من الأنبياء، بتلك البقعة المباركة من القدس.

عندما جدد يعقوب أو أعاد بناء ذلك المعلم في عهده، سماه (بيت إيل) أي بيت الله، إذ كانت (إيل) تعني (الله أو المعبود) في لغتهم آنذاك.وهو البيت نفسه الذي طوره سليمان من بعد.

في عهد النبي سليمان اتسعت دولته أو مملكته، وكان حريصاً على إبراز معالم هيبة تلك الدولة، وفي مقدمتها قصر الملك، ولم يكن اهتمامه بـ (بيت العبادة) على مستوى اهتمامه بقصره، حتى اشتهر أن ذلك البيت لم يكن أكثر من ملحق خاص بالقصر، وكانت مساحته لا تزيد على ربع مساحة جناح واحد من القصر، ومع ذلك فقد سمي بيت العبادة ذلك (هيكلاً) لمجرد إضفاء الهيبة عليه. ويؤكد المؤرخون أن زخارف ذلك الهيكل مستوحاة من النماذج الكنعانية، وقد بُني على الطراز الذي نقله الفينيقيون عن مصر.

ثالثاً : أكذوبة أخرى حول (هيكل اليهود) وتتمثل في زعمهم أن هناك زعم يهودي صهيوني آخر يتعلق بصخرة بيت المقدس التي ترتفع عليها حالياً قبة مسجد الصخرة، بالحرم القدسي الشريف، أنها قد شهدت حادث الفداء الشهير، الذي ابتلى الله فيه سيدنا إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه البكر، ويزعمون أن ذلك الابن هو إسحاق والد يعقوب.

لم يكتفوا بسرقة الأرض الفلسطينية، والتراث والتاريخ الفلسطيني، بل يحاولون سرقة عقائد مسلمي فلسطين، وينسبونها إليهم، وفقاً للرد المهم للدكتور عبدالتواب مصطفى على تلك المزاعم واستخلاصه أنها كاذبة لأن اسحاق ولد بعد إسماعيل وفقاً لنصوص التوراه ذاتها وبالتالي هو المقصود بواقعة الفداء حيث تقول التوراة (تكوين):

الإصحاح 16/ الآيات:

15- فولدت هاجر لأبرام ابناً، ودعا أبرام ابنه الذي ولدته هاجر إسماعيل.

16- كان أبرام ابن 86 سنة لما ولدت هاجر إسماعيل لأبرام.

الإصحاح 17/ الآيات:

5- فلا يُدعى اسمك بعدُ أبرام بل يكون اسمك إبراهيم.

15- وقال الله لإبراهيم: ساراي امرأتك لا تدعو اسمها ساراي بل اسمها سارة.

16- وأباركها وأعطيك أيضاً منها ابناً.

17- فسقط إبراهيم على وجهه وضحك، وقال في قلبه هل يُولَد لابن 100 سنة وهل تلد سارة وهي بنت 90.

وهكذا تؤكد لنا التوراة أن إسماعيل هو الابن البكر لإبراهيم وظل وحيداً لا أخ له مدة 14 عاماً، أي مبلغ سن الصبا الذي وقع فيه الابتلاء والفداء!

خلاصة القول: هذه الأكاذيب وغيرها مما امتلأت به كتب الصهاينة وتلمودهم، وبقليل من الجهد والبحث التاريخي الذي سبقنا فيه علماء ومؤرخون عرب وعالميون، تؤكد تهافت رواياتهم حول (الهيكل) وحول (قبة الصخرة) وحول أساطيرهم التي بنوا عليها دولتهم (ومنها بالمناسبة أسطورة المحرقة التي زعموا أن هتلر قام بها) والتي بسبب أفكارها حوكم وحورب المفكر الفرنسي الأشهر روجيه جارودي، وكذلك كاتب هذه السطور والتي أصدرنا عنها كتابنا (« سيف السامية » قصتي مع أكذوبة الهولوكست – مكتبة مدبولي – القاهرة 2004) وكانت معركة شهيرة لنا مع سفارة الكيان الصهيوني في القاهرة (ليس هنا مقام الحديث عنها)، لكن المهم في كل هذه الأكاذيب، أنها ينبغي أن تفند ويكشف عنها الغطاء الزائف لأنها إن بقيت هكذا، فإن العدو الصهيوني يبني عليها (حقائق دامية) على الأرض في القدس وداخل المسجد الأقصى كما جرى قبل أيام، إن الحقائق على الأرض وكذلك التاريخ والعقائد (بما فيها عقيدة التلمود والتوراة والمحرقة التي يؤمنون بها)، تؤكد مجتمعة أن هذا (الهيكل) كما هو هذا (المسجد الأقصى)، عربي، وإسلامي، وتوحيدي بإمتياز، وماعدا ذلك من تخاريف وأكاذيب إسرائيلية هو محض افتراء وتلفيق للتاريخ وللدين.

ولذلك فكل قطرة دم مقدسية فلسطينية غالية أريقت في الأقصى، هي في سبيل الحق وضد الأساطير والدجل؛ وهكذا تؤكد الوثائق والحقائق العقائدية والتاريخية، إن المطلوب الآن فحسب من أتباع الدين الإسلامي والعروبة الحقة خارج فلسطين أن يؤمنوا بذلك، وأن يعملوا له بالدعم الحقيقي لأهل فلسطين، أهل الرباط والحق، وألا يقفوا متفرجين وعلى الحياد كما فعلوا في الانتفاضة المقدسية الأخيرة، للأسف!

كلمات دلالية