خبر لنقص المعلومات عن غزة..« المخابرات الإسرائيلية » تلجأ للاتصال على هواتف المواطنين مباشرة وتعرض « المساعدة »

الساعة 09:20 ص|13 ديسمبر 2008

فلسطين اليوم:غزة-(خاص)

عندما رن الهاتف في منزل الدكتور فايز أبو شمالة رئيس بلدية خانيونس الأسبق، عرف المتصل نفسه بـ "أبوعلي" ولم يخطر ببال زوجة "أبو شمالة" حينئذ أن المتحدث هو الكابتن "روني" من "مخابرات الاحتلال"، وعندما تحادث "أبو شمالة" مع "روني" قال الأخير "لقد قطعت حكومة رام الله راتبك و"أن حماس" سلبت منك رئاسة البلدية، وبما أنك رجل لك وضعك في المجتمع، فإننا نريد أن نساعدك -بدون تحديد طريقة المساعدة- وأضاف "أبو شمالة": لقد فهمت أنهم يريدون ربطي معهم مقابل المال، وقد طلب مني "روني" أن أحضر شريحة "أورانج حتى يتم الاتصال بي وأن أتكتم على الأمر وأن لا أخبر أحدا، مؤكد أن الاتصال قد تكرر عدة مرات، مضيفا أننا خبرنا هذه الأساليب من خلال تجربتنا الاعتقالية، ولكن الجديد هنا هو الاتصال على المواطنين مباشرة. وأرجع "أبو شمالة" هذه الحملة المكثفة من الاتصالات التي تقوم بها مخابرات الاحتلال إلى أن غزة أصبحت دائرة سوداء وستبقى مغلقة بالنسبة لهم، لأنهم يستميتون لمعرفة ما يجري هنا، فإسرائيل انتصرت في حروبها السابقة من خلال المعلومة، وهم يتصلون بالجميع من كل الفئات والأعمار، ويبنون معلومة على أخرى حتى يصلوا إلى ما يريدون، ولذلك هم يوهموا الشباب حديثي التجربة بأنهم يعرفون كل شيء، ولو أنهم يعرفون كل شيء كما يدعون لما استوجب ذلك الحديث مع المواطنين بشكل مباشر. ورأى "أبو شمالة" الذي يحمل درجة الدكتوراة في "الأدب العبري" أن الإسرائيليين سيستمرون في ذلك وهم يعتقدون أنهم إذا نجحوا في تجنيد أحد ما، فهذا مكسب، وأنهم إذا فشلوا فهم لن يخسروا شيئا، ويضيف: لكنهم أزعجوا المجتمع الغزي بهذه الحملة من خلال إثارة الأسئلة والنقاش حول هذه الاتصالات. وحسب "أبو شمالة" فإن "الشين بيت" يريد أن يستغل حالة الانقسام ويراهن على أنه من الممكن لأبناء طرف سياسي فلسطيني "التعاون" معهم بسبب خلافهم مع طرف فلسطيني آخر، لكنني أقول لهم: خبتم وخسرتم، فمهما اختلفنا سياسيا، فلن نسلم رقابنا لكم "وعمر الدم ما بيصير مي".

 

سرايا القدس: لا يجب أن تشغلنا حالة الانقسام عن متابعة هذا الملف الشائك

 

وفي حديثه إلينا أكد "أبو إسلام" من الجهاز الأمني التابع لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين أن الاتصالات المباشرة تستهدف في الغالب عاطلين عن العمل، والجيل الصغير حتى أنها تستهدف "مقاومين" تحثهم على ترك المقاومة. وأضاف: من خلال التحري، تبين أن المخابرات تستغل حاجة الناس بسبب تفشي البطالة، وقطع رواتب الموظفين وتقوم بالاتصال بهم. وعن سبب تكثيف هذه الحملة رأى "أبو إسلام" أن المؤسسة الأمنية لديها نقص كبير في المعلومات عن غزة وقد لاحظنا أن هناك مبالغ مالية ضخمة يتم وضعها "للعملاء" في أماكن ميتة. وأوضح أن هناك تعاون مع الأجهزة الأمنية في حكومة "حماس"، وقد تم تسليمها عدد من "العملاء" ولكن بصراحة لا يوجد جهد كافي من الفصائل الفلسطينية في متابعة هذا الملف، ولذلك لا يجب أن تشغلنا حالة الانقسام والتجاذب عن متابعة هذا الملف الشائك الذي يمس "العصب الفلسطيني"

 

شرطة غزة: نطالب المواطنين بالإبلاغ فورا عن أي اتصال مخابراتي

 

وعن تعاطي شرطة حكومة غزة مع هذه المسألة أكد الرائد "إسلام شهوان" الناطق باسم شرطة حكومة غزة وجود معلومات عن هذه الاتصالات، وأنها تتركز في المنطقة الجنوبية من قطاع غزة، حيث يطلب ضباط مخابرات الاحتلال معلومات عن وجود الجندي الأسير "جلعاد شاليط"، موضحا أن هناك العديد من المواطنين قد تقدموا بشكاوي للشرطة حول هذه الاتصالات، وأنه وبناءا على ذلك فقد وجه وزير الداخلية في غزة "سعيد صيام" تعليماته لأجهزة الأمن هنا لمتابعة هذا الملف. وردا على سؤال حول من يقول بأن هذا الجهد "غير كافي"، أجاب: حتى وإن كان جهدنا غير كافي، فيجب التحرك فورا لمعالجة هذا الأمر. وأضاف: نحن طلبنا ونطالب المواطنين وحتى الصف القيادي في الفصائل بما فيها "حماس" بعدم الرد وإغلاق الهاتف في حال تلقي اتصال من مخابرات الاحتلال والإبلاغ فورا عن ذلك وعن رقم تلفون المتصل إذا كان ظاهرا أو من "رقم خاص".

 

مركز الميزان: ملف الاحتلال "طفح" من تراكم جرائم الحرب

 

وحول رأي القانون الدولي مما يجري أوضح المحامي "عصام يونس" مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة أن هذا "إنتهاك صارخ" لخصوصية الأفراد ولأمنهم الشخصي، وأن القانون الدولي أوجب حماية الأفراد حتى في حالة اعتقالهم. ورأى "يونس" أن هذه الاتصالات جزء من معركة تمارسها قوة احتلال لتشويش حياتنا، وأن ملف الاحتلال "طفح" من تراكم جرائم الحرب، ولذلك فإن ضباط مخابرات الاحتلال مستمرون في هذه الممارسات لأنهم يشعرون بأن هناك "حصانة" لهم، وبالتالي يجب محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين مهما طال الزمن، فهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، ولهذا فإن المطلوب حماية المدنيين الفلسطينيين. وأشار "يونس" بهذا الخصوص إلى تلقي مركزة للعديد من الشكاوي التي يتقدم بها الجمهور تتعلق بممارسة مخابرات الاحتلال ضغوطا عليهم وابتززهم واستغلال حاجتهم للسفر والعلاج لربطهم "كمخبرين"، ولكن "يونس" رأى أن المواطنين في الغالب لا يتوجهون لجهات الاختصاص الرسمية، ولهذا ينصح "يونس" كل من يتعرض لهذا الابتزاز بالتوجه إلى المراكز الحقوقية وللجهات الرسمية لمتابعة الملف حتى نتمكن من إثارته أمام "المحاكم الدولية". 

 

 

اللواء صقر: أجهزتنا الأمنية عملت في كل شيء إلا "الأمن"

 

وعقب اللواء مصباح صقر أول مدير لجهاز الأمن الوقائي في الضفة وغزة في عهد السلطة الوطنية أن ظاهرة إسقاط العملاء ليست جديدة، وأن هذه تأتي في سياق حملات إسرائيلية متواصلة تهدف إلى "كي الوعي الفلسطيني"، حيث يشن علينا الاحتلال حربا شاملة بكل أدواتها العسكرية، الاقتصادية، الدبلوماسية والحرب النفسية، وهي تتزامن أولا، مع تشديد الحصار على غزة، وثانيا في ظل تصاعد حدة الانقسام الفلسطيني، وهذه بالنسبة للاحتلال "الظروف المواتية تماما" لاختراق المجتمع الفلسطيني. وأضاف "صقر" أننا نتعامل هنا مع مؤسسة أمنية قوية، إنهم يريدون كسر الحاجز النفسي والحصول على أكبر قدر من المعلومات من المواطنين عما يجري في القطاع. وأشار اللواء "صقر" إلى أنه قد قام بمعالجة هذه القضية شخصيا في تقرير قدمه إلى القيادة الفلسطينية في شهر فبراير عام 1996 بعنوان "جهاز الأمن العام الفلسطيني في عامه الثاني-ملاحظات على هامش التجربة"، وأنه تعمق في بحث معالجة ظاهرة التجسس في المجتمع الفلسطيني، ومعالجتها من خلال تحصين الجبهة الداخلية، وتحصين قوات الأمن ومقاومة الجاسوسية وفق الأصول الأمنية المتعارف عليها لكن للأسف لم تهتم السلطة الوطنية والأجهزة الأمنية بذلك. ورأى "صقر" أن واقع التجربة أثبت أن "الأجهزة الأمنية الفلسطينية عملت في كل شيء إلا الأمن، فهي لم تنتج أمنا إطلاقا مما أدى للتسيب والانفلات على النحو الذي يعرفه الجميع ، وتساءل كم شخصا جندت أجهزتنا الأمنية من أعداءنا مقارنة بما نجح الاحتلال بتجنيدهم من أبناء شعبنا، وشدد بأن هذا هو معيار قياس نجاح الأجهزة الأمنية. وأنهى اللواء "صقر" حديثه بضرورة التركيز على عملية تحصين وتوعية المواطن الفلسطيني حتى يتمكن من كشف أساليب المخابرات الإسرائيلية التي تدس السم في العسل، خاصة أولئك الذين يتواجدون في الخارج حيث يتم اصطيادهم بسهولة. كما أكد على أهمية المساءلة والعقاب لكل من يتورط مع هذه المخابرات حتى يتحقق "الردع" مستشهدا بقوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون).