خبر تراجع تكتيكي للاحتلال: المعركة على القدس والأقصى مستمرة

الساعة 05:10 ص|26 يوليو 2017

فلسطين اليوم

على الرغم من أن حكومة الاحتلال استغلت بشكل لافت عملية قتل المواطنين الأردنيين، محمد الجواودة وبشار الحمارنة، في شقة سكنية تابعة للسفارة الإسرائيلية في عمّان، مساء الأحد، لتمرير اضطرار الحكومة « الإسرائيلية » إلى التراجع عن نصب البوابات الإلكترونية والكاميرات، إلا أن الحرب على السيادة في القدس المحتلة والأقصى خصوصاً تتواصل، فيما يبدو أن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لا يقيم وزناً لمواقف « حلفائه غير المعلنين » من قادة من يسميها « الدول السنية المعتدلة ».

في هذا السياق، حرص رئيس حكومة الاحتلال والإعلام الإسرائيلي أمس الثلاثاء، على الإشارة إلى أن القرار بإزالة البوابات الإلكترونية، جاء بعد أن أبدى كل من الجيش وجهاز الشاباك موقفاً حاسماً من التداعيات الخطيرة المرتقبة لاستمرار نصب هذه البوابات، وهذه الإجراءات. وذلك في ظلّ الارتفاع الهائل في عدد الإنذارات المعتمدة على المعلومات الاستخباراتية، التي تحذر من اندلاع الأوضاع في الضفة الغربية، وارتدادات انفجار هذه الأوضاع خارج نطاق الأراضي المحتلة، وصولاً إلى تهديد عروش الدول المجاورة، وفقدانها سيطرتها على الأوضاع في حدودها، تحديداً بعد أن أسفرت ثورات الربيع العربي عن بدء هذه الأنظمة بأخذ الرأي العام لشعوبها بعين الاعتبار، وفق ما أشار إليه مثلاً، تسفي برئيل في صحيفة « هآرتس ».

وحاول الاحتلال، على مدار الأيام التي سبقت أحداث جمعة الغضب من أجل الأقصى، المراوغة والتحايل بالرغم من إعلان وسائل الإعلام عن اتصالات مستمرة بين إسرائيل والأردن وأطراف عربية أخرى، في إشارة إلى السعودية ودول أخرى، للإيهام بأن الحل على الأبواب وأن الاحتلال لا ينوي إجراء أي تغييرات في الوضع القائم في المسجد الأقصى. وفيما حاولت وسائل إعلان محسوبة على هذه الدول، الترويج بأن « أزمة البوابات الإلكترونية » باتت على وشك الحل بفعل تدخل وضغوط الملك السعودي والعاهل الأردني، أصر نتنياهو وحكومة الاحتلال، حتى اندلاع جمعة الغضب، على تجاهل هذه التوجهات مع الترويج لوجود تحركات إقليمية، مما ساهمت به أيضاً بعض الدول العربية، التي طالب زعماؤها بتأجيل اجتماع جامعة الدول العربية، حتى لا يؤثر ذلك سلباً على المساعي الجارية، وفق ما أشار إليه برئيل في « هآرتس ».

وعلى مدار أيام الأزمة منذ اندلاعها في 14 يوليو/تموز الحالي، راهنت إسرائيل على انكسار الفلسطينيين في القدس المحتلة، وخضوعهم للأمر الواقع، لكن اندلاع التظاهرات، بعد صلاة الجمعة الأخيرة، خارج نطاق المدينة المقدسية وفي القرى المحيطة بها تحديداً، وسقوط الشهداء الثلاثة في الطور وراس العامود وسلوان، وما تبع ذلك من عملية حلميش التي صرعت ثلاثة مستوطنين، جعلت الاحتلال يعيد حساباته تحديداً مع الموقف الموحّد الذي أبداه المقدسيون في الدائرة الأولى المحيطة بالأقصى، من رفض للبوابات الإلكترونية، وتزايد أعداد المشاركين في الصلوات التي أقيمت على بوابات القدس المحتلة، وفي الشوارع، وارتفاع منسوب الغضب الفلسطيني وتفجره.

وشكّلت أحداث جمعة الغضب من أجل الأقصى، نقطة فارقة في محاولات الاحتلال فرض واقع جديد في المسجد، وارتفعت حدة الأصوات التي تتحدث عن وجوب التراجع عن البوابات الإلكترونية، وخطأ القرار الذي اتخذه مجلس « الكابينيت » (مجلس الوزراء المصغر) الإسرائيلي ليلة الجمعة، التي سبقت جمعة الغضب، مع بوادر تراشق الاتهامات بين الشاباك والمؤسسة الأمنية من جهة وبين الشرطة من جهة أخرى، حول المسؤولية عن اتخاذ القرار بالإبقاء على البوابات الإلكترونية خلال يوم جمعة الغضب، وأن القرار اتُخذ بشكل غير مهني وفي مشاورات منافية للتقاليد المتبعة في حالات الطوارئ.

والأحد الماضي، بدأت الصحف الإسرائيلية ووسائل الإعلام تنقل أنباء أولية عن تحول في مواقف أعضاء مجلس « الكابينيت »، لجهة ترك التنافس الحزبي والمزايدات الداخلية، والعدول عن الإصرار على الإجراءات التي تهدد باندلاع وإشعال المنطقة كلياً.

ولعله من المهم الإشارة إلى أنه لحين وقوع أزمة السفارة الأردنية في عمان يوم الأحد، كانت حكومة الاحتلال تحاول توظيف الأزمة أيضاً في ابتزاز « الأطراف العربية المعتدلة »، من إبراز أول الأمر للاتصالات مع السعودية. وهو ما أظهر وكأن الاحتلال تنازل عن الدور الأردني والمكانة الأردنية الخاصة « في الحرم القدسي الشريف » وفق اتفاق وادي عربة، وأهمل أيضاً الدور المصري، على الرغم من حميمية العلاقة بين إسرائيل وهذين الطرفين. لكن وعلى أرض الواقع، استفاد الاحتلال من حقيقة مسارعة السعودية نفسها للإعلان عن إشهار العلاقات مع دولة الاحتلال، من دون أن تحصل على أي مردود لجهة تكريس مكانتها الإقليمية والعربية، على حساب الأردن، في سياق المسجد الأقصى.

حادثة السفارة الأردنية، ومقتل المواطنين الأردنيين خلقا جواً من الأزمة الخطيرة دبلوماسياً مع الأردن، ساهم، في تسهيل مهمة نتنياهو في التراجع عن قرار نصب البوابات الإلكترونية. وفي الوقت ذاته منحته مبرراً جماهيرياً، لكن حكومة الاحتلال، تحاول التستر وراء قرار إزالة البوابات الإلكترونية والكاميرات، من دون أن يعني ذلك نهاية الأزمة.

ودخلت الأزمة في الأقصى مرحلة جديدة، مع إعلان حكومة الاحتلال بأن الشرطة الإسرائيلية ستعمل خلال ستة أشهر على وضع خطة أمنية جديدة، فيما أكدت المرجعيات الدينية في القدس، أن كل الإجراءات باطلة، وأنها لن تعود إلى استئناف الصلاة في المسجد الأقصى قبل أن تبين اللجنة الخاصة التي أعلن عن تشكيلها أمس، حجم الأضرار التي خلفها العبث الإسرائيلي في باحات وساحات وداخل أسوار الأقصى، مع العلم بأن الاحتلال، وفي مقابل سحب البوابات ورفع الكاميرات المعلقة على الجسور، قام بأعمال في البنية التحتية وتمديد التجهيزات في ساحة باب الأسباط، فيما شرع أمس بنصب شبكة متطورة من كاميرات المراقبة على مقاطع من سور القدس من ناحيتيه الشرقية والشمالية المطلتين على باب الأسباط، لتضاف إلى عشرات كاميرات المراقبة الأصغر حجماً المنتشرة على أسوار المسجد الأقصى من جهاته الأربع.

ويعني هذا أن المواجهات في القدس وحول المسجد الأقصى تظل مفتوحة على ما تخبئه الأيام المقبلة وما يخفيه الاحتلال في جعبته، فيما تبدو السلطة الفلسطينية أقل قدرة على تحدي مخططات الاحتلال مقارنة بالتحدي الشعبي والوطني الذي أظهره الفلسطينيون في القدس خصوصاً، والشعب الفلسطيني على نحو عام. وتدخل المعركة مرحلة جديدة من محاولات الاحتلال تسجيل نقاط إعلامية، لجهة تأكيد ادعاءاته بعدم إجراء أي تغيير في الوضع القائم، بينما يكون فيها على الفلسطينيين الثبات على المطالب بفتح كافة بوابات المسجد الأقصى الـ14 واستعادة مفاتيح باب المغاربة، وإزالة كل مظاهر وجود الاحتلال على بواباته، ورفض الممرات الحديدية الجديدة، والمطالبة بالعودة إلى الترتيبات التي سادت غداة الاحتلال الإسرائيلي، والتي عرفت باسم الوضع القائم الذي كرسه في حينه وزير أمن الاحتلال غداة حرب النكسة، موشيه ديان.

ولعله من المفارقة في الأشهر التي تلت احتفالات إسرائيل بمرور خمسين عاماً على احتلال القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، أن يكون مطلب الفلسطينيين والعالم العربي، الإبقاء على الوضع القائم، بدلاً من إشهار واجب تحرير الأراضي المحتلة عام 1967 كلها وإعادة القدس والأقصى للوضع الطبيعي الذي يفترض أن يكونا فيه.

كلمات دلالية