خبر الشهيد القائد « أبو حسنين »: ثلاث أعوام على الرحيل ولا زال حاضراً فينا

الساعة 07:30 ص|25 يوليو 2017

فلسطين اليوم

لقد اصطفى الله تعالى منذ الزمن الأول لبعث الرسالة السمحاء رجالاً عمالقة ذادوا عن حماه، انتخبهم ربهم من بين الكثيرين، ورباهم على عينه، فطهرت قلوبهم من رجس الدنيا وقويت عزائمهم برضى الله، وبنور منه شقوا دروب الحياة، ووهبهم من فيض عطاياه، أحبهم وأحبوه وإلى أن حان اللقاء بذلوا الغالي والنفيس لنيل رضاه، فنقشت أسماؤهم على صفحات التاريخ، واستحقوا عن جدارة وصف خالقهم والعالم بحالهم « من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا » .

كلمات يصحبها الحياء، تصحبك في مدرسة المجد، مدرسة الشهيد القائد صلاح الدين أبو حسنين « أبو أحمد »، حياته الزاخرة بالعطاء تحني القلم إجلالاً، وتكسب الكلمات هيبة ، وتنأى بالعين ملامسة قمة جبل أشم..

تأتي ذكرى العظماء لتجدد فينا العزم على مواصلة النهج الجهادي المقدس، ولتبعث فينا الأمل من جديد نحو النصر والتحرير، ولتذكرنا بأولئك الأبطال الذين رسموا بدمائهم طريق العزة والإباء، نستذكر اليوم (25/7) الذكرى الثالثة لرحيل قائد همام، أفنى حياته في سبيل الله حتى أن اصطفاه الله شهيداً على ثغر من ثغور الجهاد والمقاومة في معركة البنيان المرصوص، انه الشهيد القائد صلاح الدين أبو حسنين « أبو أحمد » عضو المجلس العسكري ومسئول الإعلام الحربي لسرايا القدس في قطاع غزة.

شعلة متقدة

« الإعلام الحربي » التقى بالأستاذ أحمد المدلل « أبو طارق » القيادي بحركة الجهاد الإسلامي للحديث أكثر عن هذا الصرح الشامخ الشهيد القائد صلاح أبو حسنين، حيث قال: « عندما نتحدث عن القائد صلاح أبو حسنين فنحن نتحدث عن شعلة متقدة لم يخبو لهيبها منذ عام 1985م، شخصية حالمة تشربت حب الوطن وورثت أمانة الشهداء، وسارت على خطى الأوائل نصرة للدين والوطن ».

وأوضح القيادي المدلل أن نجم الشهيد « أبو أحمد » سطع عقب استشهاد زميله بالمدرسة وجاره بالمخيم الشهيد « سالم أبو نحلة » في عام 1981م الذي استشهد في إحدى المظاهرات الشعبية التي كانت تؤازر الأطباء في إضرابهم الذي عرف بـ « إضراب الجمعية الطبية في قطاع غزة »، ومنذ هذا التاريخ تعلقت روحه بثلاثية مترابطة ممثلة بمخيم يبنا ومسجد الهدى وحركة الجهاد الإسلامي والتي كانت تعني له هذه الثلاثية ذلك المخيم الثائر صانع الرجال وهذه الحركة المجاهدة مخرجة الأبطال وهذا المسجد الشامخ منبع الشهادة والشهداء, حيث انطلق « أبو أحمد »بعدها كشخصية ثائرة قوية تتميز بكاريزما خاصة دفعت الكثير من أبناء المخيم للالتحاق بصفوف الحركة حتى استحق تسمية المخيم الزاخر بـ « مخيم الجهاد الإسلامي ».

وأضاف القيادي المدلل: « لقد تأثر الشهيد القائد صلاح أبو حسنين كثيراً بشخصية المؤسس الشهيد فتحي الشقاقي عندما كان يحضر ندواته ويقرأ بشغف كبير كتاباته ومقالاته، لدرجة أننا شعرنا وكأنه يحفظها عن ظهر قلب, ووصولاً إلى آخر لحظات حياته كان كثيراً ما يردد ما كتبه الدكتور فتحي الشقاقي في حله وترحاله فنسمع منه بصوت عال وبتأثر كبير ذاك الكلام الذي ألهب قلوبنا وعقولنا وصهرنا قولاً وعملاً في مشروع الجهاد ».

30 عام بالميدان

وأكمل: « يحق لنا وبكل فخر أن نطلق على الشهيد القائد »أبو أحمد« اسم صقر الجهاد الإسلامي، لأننا عرفناه محلقاً فوق مربعات الخطر بكل جرأة وإقدام، فعاش حياته بواقعية متحرراً من تعقيدات الخوف على الحياة, وكان منذ صغره ينظر إلى الشهادة أقرب ما تكون عندما كان يشارك في المظاهرات الشعبية دفاعاً عن حقوق أبناء شعبه معرضاً روحه للخطر ».

وتابع القيادي حديثه للإعلام الحربي قائلاً: « بلا أدنى شك بعد أسابيع طويلة من استشهاده »رحمه الله« نشعر أنه مازال موجوداً بصوته الهدار وبحركاته وخطبه في الجنازات والمهرجانات وتوجيهاته لإخوانه, لقد فقدنا قائداً حقيقياً تمرس على فكرة الجهاد لدرجة أنه من الصعب جداً أن تجد قائداً في قطاع غزة يمتلك ما يمتلكه »أبو أحمد« من ملكات, ولم يزعم أحد ليوم من الأيام أنه غادر الميدان منذ أكثر من ثلاثين عاماً ».

واختتم المدلل حديثه عن الشهيد القائد « صلاح أبو حسنين » موضحاً بأن « أبو أحمد » رجل تشرب فكر الجهاد حد الثمالة ومارس الدعوة مع إخوانه وأهله لأبعد الحدود، فكان ثائراً بامتياز، حرّكته الدعوة والفكرة و حمل لواءها في كل الميادين, عمل في كل لجان العمل الحركي وأبدع , وعرف بنقائه وطهره حتى غادر رفاقه ومحبيه كلمح البصر، وكان يعلم أن الشهادة تنتظره في أي لحظة من لحظات حياته , لكن الفكر الذي مارسه دفعه بسرعة نحو الوعد الإلهي ليرتقي شهيداً مقبلاً غير مدبر في معركة « البنيان المرصوص ».

شخصية ثائرة

وفي لقاء متصل مع الأستاذ « أبو أحمد » شقيق الشهيد صلاح الدين أبو حسنين رحمه الله والذي استهل حديثه للإعلام الحربي بعبارات الترحم على روحه الطاهرة وقد تحجرشت في حلقه الكلمات وتزاحمت في عيونه الدمعات على فراق أخيه، معرفا بأخيه الشهيد والذي ولد بمخيم يبنا، وتربى بأكناف أسرة ميسورة الحال مكونة من 14 فرداً ويقع في الترتيب الرابع بالنسبة لأفراد أسرته، وتتلمذ منذ صغره على موائد القرآن في مسجد الهدى الذي لا يبعد عن منزله إلا أمتاراً قليلة.

درس شهيدنا القائد صلاح الدين أبو حسنين المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدارس وكالة وغوث وتشغيل اللاجئين برفح، ومن ثم انتقل ليكمل تعليمه في مدرسة بئر السبع الثانوية، حيث تمكن من تحصيل معدّل يمكنه من إكمال تعليمه الجامعي، إلا أن ظروف قاهرة حالت بينه وبين التعليم، وكان أهمها الوضع المادي الصعب الذي تعيشه أسرته، بالإضافة إلى عمله في صفوف الحركة الجهادية وكذلك فترات الاعتقال الكثيرة التي تعرض لها.

وعاش شهيدنا القائد أبو أحمد حياة اليتم منذ نعومة أضافره، عندما فقد أمه وهو لا يتجاوز العاشرة من عمره، فجد واجتهد حتى أكرمه الله تعالى ونمت شخصيته الثائرة صاحبة الفكر المتقد الممتزجة بحب الدين والوطن.

شهادة متوقعة

وأضاف شقيق الشهيد أبو أحمد بأنه لم يتفاجئ من خبر استشهاد أخيه، لأنه قد هيأ الجميع لتلك اللحظات مسبقاً، فمنذ بداية انتفاضة الحجارة مروراً بانتفاضة الأقصى ووصولاً لمعركة « البنيان المرصوص » كلها كانت محطات ثورة وجهاد في حياة الشهيد « أبو أحمد ».

وأكمل قائلاً: « أصيب أبو احمد خلال رحلة جهاده 7 مرات، أدت إحداها أن تودي بحياته لولا عناية الله حينها وتماثله للشفاء، وضل يعاني من أثر إحدى الرصاصات التي كان قد أصيب بها في بطنه بالسنوات الماضية والتي تسببت له بالعديد من المشاكل الصحية التي لازمته إلى لحظة استشهاده ».

وأوضح أن أبو أحمد عرف بطبعه المتواضع وحياته الزاهدة لدرجة أنه كان يعرف بـ « أبو الفقراء » لبحثه الدائم والمستمر عن العائلات المستورة ليقدم لها ما تيسر من المساعدات ويساهم في حل مشكلاتهم.

واستطرد حديثه مستذكراً لأحد المواقف التي تركت في قلبه وعقله أثراً كبيراً إلى حد اللحظة قائلاً:« عندما أرسلت المخابرات الصهيونية مذكرة إحضار لـ »أبو أحمد« إلى إحدى النقاط العسكرية القريبة تمهيداً لاعتقاله قال له والدي قبيل ذهابه في الموعد المحدد عبارة لازالت عالقة في وجداني »هذه طريق الوطن الصعبة, طريق الآلام التي يسلكها الرجال، وأنت اخترتها يا ولدي بمحض إرادتك دون إكراه, فأرجو لك الثبات في محنتك وأن تأخذ حذرك يا ولدي والرحيل نصيب« ، فشاءت الأقدار بعد مشيئة الله عز وجل أن تكون هذه العبارة آخر موقف لـ »أبو أحمد« بينه وبين والدي قبل دخوله السجن، وما هي إلا أشهر قليلة حتى انتقل والدي إلى رحمة الله.

واختتم شقيق الشهيد صلاح الدين أبو حسنين حديثه لـ »الإعلام الحربي« منوهاً إلى أن »أبو أحمد« قد استشهد في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك والذي يطلق عليها بـ »يوم القدس العالمي« أو بالجمعة اليتيمة، حيث كان أحد الرموز الوطنية والإسلامية الفاعلة لإحياء هذا اليوم من خلال الفعاليات والمهرجانات التي كانت تقام بشكل سنوي دعماً لصمود القدس في وجه المخططات الصهيونية الرامية إلى تهويدها، فشاءت الأقدار أن يزف »أبو أحمد« في هذا اليوم الأغر شهيـــداً ويكون احتفاله بالقدس ودفاعه عنها هذه المرة بنوع خاص في جنان عرضها السموات والأرض.

عقلية فذة

من جانبه أشاد »أبو البراء« مسئول الإعلام الحربي بلواء رفح بالدور الريادي والبناء الذي قام به الشهيد »أبو أحمد« رحمه الله في سبيل الارتقاء بجهاز الإعلام الحربي، كإعلام مقاوم هدفه الأساس إبراز الصورة المشرقة للمقاومة الفلسطينية وضحد الرواية الصهيونية المخادعة وفضح الجرائم والاعتداءات الصهيونية بحق شعبنا.

وأضاف: » العقلية الفذة التي تميز بها « أبو أحمد » أحدثت طفرة نوعية في ميدان الإعلام، وكانت سبباً رئيسياً في إظهار الإعلام الحربي بصورة مميزة ومخيفة بالنسبة للعدو الصهيوني، على الرغم من فارق الإمكانات التي تمتلكها المقاومة مقارنة بإمكانيات الإعلام الصهيوني« .

وقال: »كثف أبو أحمد من جهوده ونشاطاته خلال فترة عمله مسئولاً لجهاز الإعلام الحربي، وكرسها لصناعة هذا الصرح الإعلامي الكبير الذي لا يمكن تجاوزه أو إقصائه على الساحة الإعلامية من خلال سلسلة الأعمال والانجازات الطويلة التي لا حصر لها".

وأوضح أن أبو أحمد تابع عمله وهو في أقسى الظروف وأشدها خطورة على حياته، حيث ظلت توجيهاته وأوامره مستمرة إلى الطواقم العاملة خلال معركة البنيان المرصوص التي ارتقى فيها شهيداً وكذلك في المعارك السابقة التي خاضتها سرايا القدس مع العدو الصهيوني.

وبين أن سرايا القدس قد خسرت رجلاً كان يمثل صوتها المسموع، استطاعت من خلاله أن تؤسس لمرحلة جديدة قائمة على فضح الزيف الصهيوني في كل الميادين والتنظير إلى مشروع المقاومة كمشروع شرعي يسير نحو هدف محدد وهو دحر الاحتلال الصهيوني عن كافة أراضينا المحتلة.

كلمات دلالية