خبر المستجيرون بالنار..عوني صادق

الساعة 09:30 م|12 ديسمبر 2008

إزاء ما تعرّض، ولا يزال يتعرض له، الفلسطينيون في مدينة الخليل على أيدي المستوطنين الصهاينة من أعمال إرهابية عنصرية، دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس مجلس الأمن الدولي إلى عقد جلسة طارئة لبحث الوضع واتخاذ ما يلزم لوقف تلك الاعتداءات وحماية أرواح وممتلكات الفلسطينيين المهددين بشكل دائم من جانب المستوطنين.

وقد تبدو دعوة الرئيس الفلسطيني متوقعة وطبيعية. وللحقيقة فإنه لا يملك غيرها في ضوء ما تتصف به سلطته من عجز إزاء المستوطنين وجيش الاحتلال، وفي ضوء ما أوصلته إليه السياسة التي يتبعها ويتمسك بها وتنتهجها حكومته، والقائمة حصراً على المفاوضات المستندة إلى تلك الخلطة التي قد تميت الحي ولكنها بالتأكيد لا تحيي ميتاً، خلطة ما يسمى “الشرعية الدولية” وما انتهت إليه من ترجمات رديئة تجسدت في اتفاقات أوسلو وطابا وخريطة الطريق، التي على سوئها لم تجد طريقاً إلى التطبيق.

كذلك، فإن الموقف العربي الذي توافق على التطبيع مع الكيان الصهيوني، وبالتالي قرر مسالمته ونبذ مواجهته انطلاقاً من خيار “السلام الاستراتيجي” معه، هو الآخر عاجز ومنحاز بالضرورة إلى السلطة التي أفرزها اتفاق أوسلو ورضي بها الاحتلال، وهو لا بد أنه يرى في هذه الدعوة موقفاً صحيحاً بل آخر ما يمكن عمله، ربما إلى جانب تصريح قد يصدر وقد لا يصدر، يندد باعتداءات العنصريين الصهاينة.

إن أول ما يخطر على البال في ظروف ما تتعرض له هذه الأيام مدينة الخليل (وتتعرض له بالتناوب القدس الشرقية ونابلس بل ورام الله وكل المدن الفلسطينية الأخرى) هو معنى تمسك السلطة الفلسطينية بهذه السلطة، وبالتالي بالمفاوضات. فبعد كل “اللقاءات والقبلات والأحضان”، وأيضاً بعد كل “التنسيق الأمني” الذي استحق الإشادة من “الإسرائيليين”، كان على الحكومة والأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” أن تقف ولو قليلاً إلى جانب هذه السلطة، على الأقل لتعطيها مبرراً للبقاء. لكن العكس دائماً هو الذي يحصل مما يجعل الرئيس عباس يستنجد بين فترة وأخرى بما يسمى “المجتمع الدولي” ومجلس الأمن الدولي. فلماذا التمسك بهذه السلطة؟ وما الفائدة من وجودها؟ وما قيمة إشادة الحكومة والأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” بما تقوم به الأجهزة الأمنية الفلسطينية من “جهود” دلّت على تعاونها الأكيد والتزامها الصادق؟

لقد هدد الرئيس عباس أكثر من مرة بأنه سيستقيل، لكنه لم يفعل، لكن التهديد دائماً كان موجهاً إلى الفلسطينيين وليس إلى “الإسرائيليين”. ودائماً تقوم سياسة الحكومات “الإسرائيلية” على أساس أن تكون هذه السلطة كما تريد وإلا فلا ضرورة لوجودها. ألم يقل المجرم أرييل شارون ذلك بوضوح وبصورة عملية عندما باشر عملية “السور الواقي” في سبتمبر/ أيلول ،2000 فداس على اتفاق أوسلو وأعاد احتلال الضفة الغربية؟ لماذا يلغي “الإسرائيليون” السلطة واتفاق أوسلو عندما يريدون، ولا يفعل الفلسطينيون ذلك؟ ألأن “الإسرائيليين” هم الأقوى؟ وماذا ومن جعل الفلسطينين هم الأضعف؟ إن الطرف الفلسطيني المعترف به “إسرائيلياً” وأمريكياً ودولياً هو الطرف الذي نبذ المقاومة وتمسك بالمفاوضات، ألا يعني ذلك أن الكيان الصهيوني وأنصاره وحلفاءه يريدون طرفاً فلسطينياً ضعيفاً ليفرضوا عليه ما يشاؤون؟ لقد كان اللبنانيون هم الوحيدون الذين يرون قوتهم في ضعفهم، ولم يجنوا منها إلا المزيد من الضعف، ولكنهم عندما كفروا، أو كفر قسم منهم، بهذه القاعدة الفاسدة أصبحوا الأقوى وانتصروا على الجيش الذي كان لا يقهر. وهل الأمر في حاجة إلى خبراء عباقرة ليعرفوا أن القوة في القوة، وأن الضعف لا ينتج إلا المزيد من الضعف؟ لقد كان الرئيس الراحل ياسر عرفات هو من مكّن لاتفاق أوسلو أن يمر، لكنه بعد فشل محادثات كامب ديفيد 2000 كان هو أيضاً من أوعز بتشكيل “كتائب شهداء الأقصى” لأنه كان يفهم أن المفاوضات تحتاج إلى المقاومة، والمفاوض الذي لا تسنده القوة ضعيف على الطاولة، كما هو ضعيف في الميدان.

وعلى الرغم من أن المحكمة “الإسرائيلية” العليا هي التي حكمت بإخلاء بيت الرجبي الذي استولى عليه المستوطنون، وكان سبب الاعتداءات الحالية (وهذا جزء من النفاق والتضليل “الإسرائيلي” حول عدالة القضاء “الإسرائيلي”)، فإن وزير الحرب إيهود باراك وهو يأمر جنوده بإخلاء المستوطنين منه بالقوة لا ينسى أن يعلن: “إن من يرجم المستوطنين بحجر إنما يرجم دولة “إسرائيل””! أي نفاق وأي تضليل؟ إن أربعمائة مستوطن صهيوني يتحكمون في مدينة يسكنها نصف مليون فلسطيني. كيف يمكن أن يحدث ذلك من دون حماية الجيش “الإسرائيلي” لأولئك المستوطنين؟ ومن يستطيع أن يجزم بأن تحركات المستوطنين لا تقع بأوامر من أعلى سلطة سياسية في الكيان؟

إن دعوة الرئيس عباس لمجلس الأمن لا طائل من ورائها، وقد أكد مجلس الأمن في بيانه ذلك، والحقيقة أن وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أعفت كل من يهمه الأمر أن يوجه دعوة كهذه عندما قضت في آخر جلسة عقدها المجلس لبحث موضوع الاستيطان، وكان ذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، بأن مجلس الأمن ليس هو المكان المناسب لمناقشة هذا الموضوع، وأن “اللجنة الرباعية” الدولية هي المكان المناسب! وعندما اجتمعت اللجنة الرباعية لم تقل أكثر من أنها “حثت الفلسطينيين و”الإسرائيليين” على التعاون”! الرئيس عباس يعرف ولا شك ما هو مجلس الأمن الدولي ومن يتحكم فيه، ودعوته لا تزيد عمن يستجير من الرمضاء بالنار.