خبر التهدئة وحسابات المقاومة الفلسطينية الخاطئة ..صالح النعامي

الساعة 08:23 م|12 ديسمبر 2008

بعد حوالي أقل من شهر ينتهي العمل باتفاق التهدئة الذي توصلت إليه الفصائل الفلسطينية وإسرائيل برعاية مصرية، والذي لا خلاف على أنه لم يُؤَدِّ إلى تحقيق الرهانات الفلسطينية عليه؛ حيث إن إسرائيل لم تلتزم بمعظم بنوده، وهو ما دفع جميع الفصائل الفلسطينية إلى التأكيد على أنه ليس واردًا لديها تمديد العمل بهذا الاتفاق. وفي الحقيقة فإن اتفاق التهدئة كان ثمرة اعتبارات خاطئة، وحسابات غير دقيقة، استندت إليها فصائل المقاومة الفلسطينية.

من ناحية مبدئية، فإن التوصل للتهدئة لم يكن منطقيًّا، على اعتبار أن حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال هو حق مُطْلَق، ويتوجب عدم تقييده، وعندما يكون الطرف الذي دفع نحو التوصل إلى هذا الاتفاق هو حركة مقاومة، ، فإن الأمور تصبح أكثر إشكالية!

من ناحية ثانيةٍ كان هناك العديد من مظاهر القصور في معالجة ملف التهدئة، فهذه التهدئة لم تسمح بمرور المواد الأساسية، فخلال فترة التهدئة لم يُرْصَفْ شارعٌ واحِدٌ، ولم يُبْنَ صف واحد في مدرسة! وباستثناء الهدوء الأمني الذي كان بُعَيْد التوصل للاتفاق، فإن الجماهير الفلسطينية تستفيد كثيرًا من هذه التهدئة، وفي نفس الوقت فإن اتفاق التهدئة عمليًّا يعتبر غير قائم؛ لأن إسرائيل باتت تعتبر أن من حقها تنفيذ عمليات توغل في قلب القطاع واغتيال المقاومين دون أن يكون من حق المقاومة الرد عليها، وعندما ترد المقاومة عليها فأنه يصبح من حق تل أبيب تشديد الحصار بشكل غير مسبوق. صحيح أن الأنفاق التي تربط قطاع غزة بمصر سمحت بتهريب الكثير من المواد، لكنها بشكل عامٍّ لم تؤثر على تغيير الأوضاع الاقتصادية؛ حيث ظلت الأسعار مرتفعةً، إلى جانب تعاظم البطالة.

في نفس الوقت فقد أدت التهدئة إلى تمكين الفصائل الفلسطينية من المزايدة على حركة حماس وابتزازها، عبر استغلال تعهدها بالحافظ على التهدئة، ناهيك عن توظيف حركة فتح لها في المناكفات والحرب الإعلامية ضد الحركة.

وتبين أيضًا أن الوسيط المصري في ملف التهدئة لا يمكنه إلزام إسرائيل بأي شيء لا ينسجم مع سياساتها.

 

استراتيجية " الخنق دون الموت "

ومن الأهمية بمكان عند تقييم التهدئة أن نفطن إلى حقيقة الاستراتيجية التي حكمت الحكومةَ الإسرائيليةَ الحالية في تعاملها مع حكم حركة حماس.. فهذه الحكومة كما أكدت المتحدثون باسمها أكثر من مرة، تتبنى استراتيجية " الخنق دون الموت "، والتي تقوم على وجوب إضعاف حكم حركة حماس إلى أكبر حَدٍّ، لكن دون الدفع نحو انهياره، على اعتبار أنّ الوضع الحالي هو الوضع المثالي بالنسبة لإسرائيل؛ حيث إن هذا يتيح لإسرائيل تكريس الانقسام والانفراد بالضفة الغربية، ويمكن تل أبيب من المناورة أمام السلطة الفلسطينية؛ لتتحول- كما هو حاصل حاليًّا- إلى وكيلٍ أمني، فضلًا عن أن وجود حكم حماس الضعيف في غزة يُعَزِّزُ من قدرة إسرائيل على المناورة دوليًّا، على اعتبار أن هناك شرعية دولية لفرض الحصار؛ حيث إن الأمم المتحدة والرباعية، تطالبان حماس بقبول الاعتراف بإسرائيل ونبذ المقاومة والاعتراف بالاتفاقيات التي توصلت اليها منظمة التحرير، حتى يتم التعامل معها والاعتراف بحكمها.

من هنا فقد كان هدف إسرائيل من التهدئة هو توفير الأمن للمستوطنات في محيط القطاع، دون الحاجة للتدهور نحو عمليات عسكرية كبيرة، قد تفضي إلى إعادة احتلال القطاع.

 

أصحاب هذه الاستراتيجية يرون أنّ هناك طيفًا كبيرًا من البدائل العسكرية، التي من الممكن أن تلجأ إليها إسرائيل للرد على عمليات إطلاق الصواريخ من قِبَل قطاع غزة، في ظل التهدئة، دون الحاجة لاحتلال القطاع.

 

 ويرى الإسرائيليون أنّ وجود حماس في الحكم وَفَّرَ لإسرائيل بنكًَا كبيرًا جدًّا من الأهداف: مقارّ، ومؤسسات أمنية وعسكرية ومدنية، فضلًا عن الاغتيالات وغيرها.

 

إستراتيجية إنهاء حكم حماس

وفي المقابل، فإن المعارضة اليمينية بزعامة الليكود، التي من المتوقع أن تفوز في الانتخابات الإسرائيلية بعد شهرين، ترى أن التهدئة خطأ؛  لأن تولي حماس حكم قطاع غزة، بِغَضِّ النظر عن طابعه، هو خطرٌ استراتيجي على إسرائيل؛ حيث إن أصحاب هذه الاستراتيجية لا يؤمنون بفاعلية الضغوط الاقتصادية، على اعتبار أنه من الممكن أن تحدث تطورات فلسطينية دولية وإقليمية، تجعل من المستحيل على إسرائيل مواصلةَ فرض الحصار على هذا النحو.

وفي نفس الوقت فإن أصحاب هذه الاستراتيجية يرون أنّ الحل يكمن في القضاء على حكم حماس، بإعادة احتلال قطاع غزة.

إذن، فالنخب السياسية في إسرائيل، إما أنها تفكر بإبقاء حماس ضعيفةً، بتشريع الحصار عبر التهدئة، وإما أنها تُعِدُّ للقضاء على حكم الحركة بشكل كامل!

لكن في المقابل يجب ألا يفضي الاستنتاج بأن التهدئة لم تكن إيجابيةً، إلى استئناف العمل العسكري، وإطلاق الصواريخ فورًا، فهذا مَنْطِقٌ كارثي؛ لأنه يُدَلِّلُ على أن المقاومة الفلسطينية لا تستند إلى استراتيجية تسمح بالأخذ بعين الاعتبار توفير الظروف التي تسمح بتعاظم المقاومة.

ووفق هذه الاستراتيجية، يتوجب رَبْطُ العمل المقاوم المسلح بظروف الزمان والمكان، وأن يُؤْخَذَ بعين الاعتبار موازين القوى، وألا تكون محصلة العمل المسلح النهائية إضعاف المقاومة ذاتها وخيارها.