رجل الميدان

خبر الشهيد القائد « محمود الحيلة »:حكاية مجاهد صنديد صنع مجداً لاينضب

الساعة 12:27 م|18 يوليو 2017

فلسطين اليوم


لا تغيب صور الأبطال عن قاموسنا .. يمضون .. يتقدمون .. يبتسمون اشتياقاً للجنان .. لا يفهموا لغة الكلام .. يدفعهم الواجب المقدس نحو صناعة المجد .. يهربون من عالم الكاميرات والإعلام .. تعرفهم حينما يغادرون هذا الضجيج والزحام .. هذه سمات أبا هنادي ..تميزت فيه البطولة.. وترسمت بخياله الشهادة فابتسم بسمته اللطيفة ومضى نحو جنات العلا .. لم تحرفه إغراءات دنيانا التي امتلكها بين يديه .. لم يثن عزمه دموع زوجته وابنتاه  بعد محاولات اغتياله المتكررة .. كان الواجب الإلهي يدفعه دفعاً بلا كلل أو ملل .. جمع الشجاعة والذكاء والفطنة والبراعة حتى خافه العدو الصهيوني وخشي  تكتيكاته العسكرية التي قضت مضاجعه في كل المعارك التي خاضها ضده..

 ميلاد فارس 

الحديث عن « أبو هنادي » المولود بتاريخ 1/1/1948م لعائلة فلسطينية تعود أصولها  لقرية « القسطينة » المحتلة يطول، فقصة جهاده بدأت منذ أن كان شبلاً لم يتجاوز عمره الخمسة عشر عاماً، حين قرر ورفاقه مهاجمة المعسكرات الصهيونية الواقعة شرق محافظة خان يونس..

عاش الشهيد القائد محمود عبد ربه الحيلة ( 69 عاماً)  سنوات عمره مع والديه وأشقائه الخمسة وشقيقاته الأربعة ، بعد الهجرة القسرية عن بلدتهم حياة بسيطة متواضعة فوالده كان موظفاً لدى وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين، لكن شهيدنا كان يحرص على مساعدة والده والوقوف إلى جانبه في تحمل مسئولية الأسرة كونه الابن البكر لوالديه..

وواصل هذا البطل مشواره الجهادي، فكان من أوائل الذين التحقوا بالثورة الفلسطينية، حيث التحق بحركة القوميين العرب في الستينات، فخاض معها العديد من المعارك ضد الجيش الصهيوني، إلى أن تعرض للملاحقة والمطاردة في عام 1968م ليغادر القطاع متسللاً عبر الحدود المصرية الفلسطينية معرضاً نفسه للخطر، ثم وصل الأردن ومكث فيها فترة من الوقت، قبل أن يحط رحاله في سوريا، ولبنان.

ولم يكتفِ العدو الصهيوني بمطاردته، بل أقدم على تجريف منزله الواقع في قلب معسكر خان يونس عام 1970م، فكان الرجل الأول الذي يقدم الاحتلال على تدمير بيته الواقعة ضمن مناطق « الأنروا » المسئولة عن حماية هؤلاء اللاجئين المشردين عن بيوتهم وأرضهم التي هجروا منها عام 1948م.

مجاهد لايعرف السكون

ولم يتوقف الشهيد القائد « ابو هنادي » عن رحلة جهاده بعد مغادرة فلسطين، بل سارع للانضمام  إلى صفوف الثورة الفلسطينية بحركة فتح، وتلقى تدريبات عسكرية في مواقع التدريب في سوريا ولبنان، وأصبح مقاتلاً ذو خبرة عسكرية على مدار السنوات الطويلة التي قضاها في صفوف الثورة، فشارك في صد اجتياح بيروت عام 1982م، وصمد مع الثوار والمقاتلين، إلى أن تم خروجه مع المقاتلين من بيروت عبر البحر إلى السودان عام 1982م.

لقاءه والديه بعد سنوات 

منذ أن تم مطاردة الحاج أبو هنادي في أواخر الستينات وتحديداً عام 1968م لم يلتقي بوالده طوال هذه السنوات إلى كان لقاءه  بوالده في الأردن عام 1981م سراً، ثم التقى بوالدته مرة واحدة عام 1983م في بلاد الحجاز أثناء تأديته مناسك الحج، بعد فراق دام 13 عاماً، وتوفيت والدته عام 1987م ولم يتمكن من رؤيتها ووداعها.

انضمامه للجهاد الإسلامي

في السودان بمنتصف الثمانينات تعرف شهيدننا على فكر حركة الجهاد الإسلامي، حيث التحق بصفوف الحركة هناك، كما إنه التقى بالدكتور فتحي الشقاقي على أرض السودان وعمل معه لبعض الوقت، ثم تدرج في العمل التنظيمي الحركي إلى أن أصبح ضمن الكادر القيادي للحركة في الخرطوم، ثم أصبح الناطق الإعلامي للحركة فيها.

قصة عودته إلى فلسطين

عاد الفارس « أبو هنادي » إلى أرض الوطن عام 1995م عبر معبر رفح، متخفياً وبطريقة سرّية حيث اكتشف الاحتلال حقيقة مروره بعد ساعة، وحدث ضجة لدى جنود ومخابراتهالتي تحفظت على زوجته التي كانت لازالت في المعبر، وأخضعت وقتها لتحقيق قاسي، وأبقى الاحتلال على اعتقالها لعدة شهور كوسيلة ضغط على زوجها الأخ أبو هنادي كي يسلم نفسه، وتواصل الاحتلال مع السلطة الفلسطينية ولكنه رفض أن يسلم نفسه واضطر الاحتلال آنذاك أن يفرج عن زوجته المجاهدة « أم هنادي ».

رحلة تأسيس سرايا القدس 

مع  بداية الانتفاضة الثانية ( انتفاضة الأقصى) كان من أوائل الأخوة الذين شاركوا في الأيام الأولى للانتفاضة، وكان من الداعمين للاشتباك مع العدو الصهيوني.

شارك في عمليات قصف الهاون وأصيب في أحد العمليات هو ومجموعة من القادة منهم الشهيد القائد محمد الشيخ خليل، والشهيد القائد نصر برهوم والشهيد القائد ياسر ابو العيش وأخوة آخرين أحياء حفظهم الله، وأصيب على إثرها بشظايا في كافة أنحاء جسمه.

شارك الحاج أبو هنادي في تأسيس المجموعات العسكرية لسرايا القدس فكان من أوائل الذين نظموا المجموعات في المنطقة الجنوبية، وفي « لواء خان يونس » بالتحديد، ثم كان له دور بارز في التصنيع العسكري حيث كان له طاقم تصنيع خاص في لواء خان يونس بداية الانتفاضة، اشرف هذا الطاقم على تصنيع العبوات الناسفة والقذائف والمواد المتفجرة، ولم يدخر الشهيد القائد « أبو هنادي » جهداً في هذا المجال حيث لم يبخل بخبرته العسكرية على أحد، فكان معلماً لعشرات المجاهدين من السرايا والتنظيمات الأخرى.

وما لا يعرفه الكثير أن الحاج أبو هنادي شارك بأمواله في سبيل الله تعالى داعماً الجهاد والمقاومة بكل قوة.

رجل الإمداد الأول في فلسطين

تولى الحاج « أبو هنادي » ملف الدعم والإمداد العسكري على مستوى قطاع غزة، فأبدع فيه وكان عند حسن ظن القيادة به، وأبلى به بلاء حسناً، فكان المسئول الأول عن كل السلاح والصواريخ بأنواعها المختلفة التي دخلت إلى قطاع غزة، وبخبرته العسكرية وبحكم علاقاته التي اكتسبها طوال سنوات جهاده، وتنقله بين عدة دول عربية أبرزها سوريا ولبنان والسودان، فكان لذلك دوراً مساعداً وكبيراً في هذا الشأن.

أمد الشهيد القائد « أبو هنادي » سرايا والمقاومة الفلسطينية بكل ما تحتاجه المقاومة، ولم يبخل بعلم ولا بمعلومات عن إخوانه في التنظيمات الأخرى، فكان مفتاحاً للعديد من القضايا والأمور العسكرية التي نتحفظ عن ذكرها لأسباب أمنية.

رجل الميدان..

كان للحاج أبو هنادي دور بارز وحضوراً قوياً في كل المعارك والحروب مع العدو الصهيوني، فمن معركة عام 2008 _2009 مروراً بمعركة بشائر الانتصار ومعركة السماء الزرقاء ومعركة كسر الصمت وصولاً لمعركة البينان المرصوص وإعداد لما بعدها.

 وللشهيد القائد ابو هنادي دوراً  بارزاً وملحوظاً في تطور أسلحة السرايا والمقاومة الفلسطينية ، حيث يعتبر الداعم الأول لقصف ( تل أبيب) بصواريخ فجر 5 وغيرها من الأسلحة التي استخدمت في المعارك مثل الكورنيت والمولوتكا وصواريخ مضادة للطيران.

تعرض الحاج ابو هنادي  لعدة محاولات اغتيال باءت جميعها بالفشل بفضل الله ومنته، وإتباعه لأساليب أمنية جعلت الوصول إليه صعباً وشبه مستحيل.

أخٌ لكل المقاومين 

تميز الشهيد القائد بعلاقاته الواسعة مع مختلف التنظيمات، فكان « رحمه الله » لا يبخل على أي تنظيم فلسطيني  بالمشورة والدعم بكل الإمكانات المتاحة لديه، وكان يردد مقولته  ( إن المعركة مع العدو الصهيوني بحاجة إلى النفس الطويل، ومع الصبر سيكون النصر)، فكان لا يبخل على أحد لا بخبرته العسكرية، ولا بإمدادهم بالسلاح والذخيرة المتنوعة، وتجمعه علاقة قوية مع كافة الأجنحة العسكرية.

عزيمته  تناطح السحاب

رغم مرضه الذي لازمه في آخر حياته واشتد عليه، ظل واقفاً على رأس عمله الجهادي في سرايا القدس، ويقوم بكافة المهام الموكلة له، رافضاً طلب إخوانه وإلحاحهم عليه استكمال رحلة علاجه  من ثم العودة لمتابعة عمله.

فكان « رحمه الله » مجاهداً صنديد لا يعرف الكلل والملل، ولا التراجع والاستسلام، كان حقاً نموذجاً للمجاهد الصادق الصدوق، لقد أصر أن يلقى الله تعالى مجاهداً ومتابعاً لعمله الجهادي رغم وضعه الصحي الذي تدهور في آخر سنوات عمره.

 الطيب المتواضع

 في لقاءٍ جمع « الاعلام الحربي » بعائلته، قال شقيقه عبد الجبار الحيلة:« أخي محمود رحمه الله كان إنساناً متواضعاً محباً للآخرين، لا يبخل على أحد لا بماله، ولا اذكر له يوماً رد محتاج جاءه في طلب مسالة ».

وأكمل : « ابو هنادي كان الأخ الكبير والحضن الدافئ لنا وخاصة شقيقاته اللواتي تعلقن به، فكان لهم بمثابة الأب الحنون الرفيق بهم وبالجميع ».

وأكد  عبد الجبار أن شقيقه كان يعتبر كل مجاهدي سرايا القدس والمقاومة أبنائه، حيث أن الله رزقه بابنتين البكر هنادي، والثانية خديجة.

و أشار إلى أن شقيقه  كان صابراً على المرض محتسباً أمره عند الله، داعياً الله أن يختم له حياته بشهادة في سبيل الله تعالى، « وهو الذي بحث عنها وسعى لها منذ أكثر من خمسين عاماً، ولكن الله ختم له حياته على فراش المرض شهيداً مبطوناً، فرحمه الله وتقبله في الشهداء بإذنه تعالى ».

وأعرب شقيقه عبد الجبار عن شكره العميق لكل الجماهير التي زحفت من كل أنحاء قطاع غزة وبأعداد كبيرة لتشارك في جنازة تشييع  شقيقنا ومصابنا وهو مصاب الجميع الحاج أبو هنادي، سائلاً المولى عز وجل أن يتقبل الشهيد في علياء المجد مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا..

 

 

كلمات دلالية