خبر إغلاق الأقصى تجرؤ غير مسبوق - بقلم: إسماعيل مهرة

الساعة 10:59 ص|17 يوليو 2017

فلسطين اليوم

رغم ما أصبح سائدًا في السنوات الأخيرة من اعتقاد راسخ لدى الفلسطينيين والعرب، رسميين وشعبيين، من أن لدى حكومة اليمين العنصري توجهًا بتغيير ما يسمى بالوضع القائم الخاص بالمسجد الأقصى والحرم الشريف، لصالح فرض مزيد من السيطرة السياسية والدينية اليهودية، وصولًا للتقاسم الزماني والمكاني؛ لكن الجميع شعر بالصدمة جراء إعلان حكومة نتنياهو بإغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين حتى ظهيرة الأحد، بما في ذلك منع إقامة صلاة الجمعة. قرار غير مسبوق منذ عام 69 حينما حرق المسجد الأقصى من قبل صهيوني، وهو تجرؤ كبير انطوى على مغامرة خطيرة باحتمال حدوث رد فعل فلسطيني عربي كبير، يؤدي إلى انفجار مزلزل، سيكون من الصعب احتواؤه والسيطرة عليه.

فللأقصى مكانة خاصة، وقدسية كبيرة لدى الفلسطينيين والعرب وكل المسلمين، وهم مرتبطون به ارتباطًا عقائديًا وروحيًا؛ لكن نتنياهو - السياسي اليميني، الذي يسعي بطريقته لفرض وقائع جديدة - رأى في العملية، بهذا الظرف وداخل ساحات الأقصى، فرصة مناسبة ليؤكد على ان حكومته هي صاحبة السيادة السياسية والدينية الوحيدة على المسجد الأقصى والحرم القدسي، وبعد تقدير موقف معمق وسريع أجراه مع أركان حكمه، وفي مقدمتهم ممثلي أجهزة الأمن، مدعومًا بمطالبة سريعة جاءت من أوساط اليمين بإغلاق المسجد؛ اتخذ قراره بناءً على دراسة مبنية على احتمال مخاطرة محدودة يمكن احتواؤها.

وحسب رون بن يشاي، الكاتب في « يديعوت احرونوت »، فإن قوى الأمن قدروا بأن مخاطر الانفجار ستكون محدودة، فيما لو رافق القرار إعلان واضح من المستويات السياسية أنه ليس في نية إسرائيل تغيير الوضع القائم وإرسال رسائل تطمين بهدف احتواء أي موقف وتقليل مستوى الإساءة أو المس بسمعة إسرائيل على المستوى الدولي، فضلًا عن الربط بين قرار الإغلاق والدواعي الأمنية وإعادة الهدوء ومنع الانزلاق والتدهور.

ويستطرد بن يشاي معتبرًا ان كون المنفذين من الداخل، وكونها العملية الأولى داخل ساحات الحرم؛ فإن الأمر أربك الجماهير العربية في الداخل. هذا فضلًا عن الحالة الفلسطينية والعربية؛ كل ذلك جعل نتنياهو يلتقط الفرصة لتنفيذ إجراء أمني ذي رسائل سياسية ودينية غير مسبوق، مغلفًا كل ذلك بالرغبة في منع التحريض والتصعيد والاحتكاك والقيام بإجراءات أمنية.

ويبدو ان رد الفعل الضعيف شجع نتنياهو على المزيد من الثقة بالنفس، فقد أصدر أوامره بأن يكون الفتح تدريجيًا وكأنه مرتبط بحسن سلوك المصلين، ووضع بوابات فحص الكترونية لفحص جميع الداخلين إلى المسجد الأقصى وباحاته، ويبدو أنه سيتم العمل بشكل تدريجي على هذا الأمر، وهو تطور غير مسبوق وتم رفضه في السابق من قبل السلطات الأردنية، لكن إسرائيل تتفرد اليوم بهذا القرار، وهو أمر سيؤدي إلى استفزاز كبير لأعداد المصلين الكبيرة، وسيلحق بهم شعورًا بالإهانة والمرارة وهم على بوابات المسجد في طريقهم للصلاة، بالإضافة إلى وضع كاميرات مراقبة خارج الباحات، لكنها موجهة لتوثيق ما يجري داخل الباحات. نتنياهو الواثق من القدرة على السيطرة طار إلى باريس وإلى جولة أوروبية، حتى قبل ان يتم فتح الأقصى، وقبل ان يتأكد من عودة الهدوء تمامًا، وفي مرات سابقة كان يضطر لإلغاء زياراته الخارجية بناءً على أحداث أقل قابلية للاشتعال.

إغلاق الأقصى ما كان يجب ان يمر دون رد فعل قوي في محاولة للتمرد على القرار الاحتلالي، وكان يفترض ان تدفع حكومة الاحتلال ثمن قرارها، حتى لا تمضي قدمًا في إجراءات متكررة أخرى، أي تحسبًا للمستقبل ولردعهم عن تنفيذ نواياهم.

كما انه من الضروري جدًا رفض الانصياع بالدخول المهين للأقصى عبر البوابات الالكترونية، والحشد لدخوله بجماهير حاشدة، لإسماع من يجب ان يسمع من صهاينة وأمريكان وغرب وعرب أن الأقصى عربي إسلامي، ونحن أصحاب السيادة والسيطرة والحق الشرعي والديني والتاريخي والسياسي، فاليوم بوابات وتفتيش وإجراءات أخرى مهينة وغدًا ما هو أكثر، فسياسة الحركة الصهيونية في فرض الأمر الواقع تبدأ دومًا بخطوات أحيانا تكون متباعدة ومتناثرة، لكنها مترابطة ومتصلة، وتبني على بعضها البعض، حتى تتحول إلى مشهد ثابت وواقع قوي يصعب تجاهله.

كل الناطقين والكتاب الإسرائيليين حاولوا ربط إجراءات الحكومة بضرورات علاج الخرق الأمني، ولاحتواء المشاعر المشحونة، وتجاهلوا حقيقة النوايا الإسرائيلية المبيتة والتي لم تعد مخفية أو في مخططات سرية، بل يعلنها الكثير من ذوي المراكز السياسية وأصحاب القرار، كما ان جزءًا من رسائل قرار الإغلاق هو فرض العقوبات الجماعية والردع والتهديد، فلماذا اغلقت البلدة القديمة ومنع الدخول إليها، إلا في إطار العقوبات الجماعية على سكانها؟!

الأردن - الذي كان الدولة الأهم التي عبرت عن سخطها ورفضها لقرار إغلاق المسجد الأقصى، على المستوى الشعبي والرسمي - لم تستخدم كل أدواتها لإظهار غضبها وممارسة ضغوطها، فرد الفعل الأردني لا زال لا يتناسب مع دور الأردن ووظيفته، وما يمثل بالنسبة للأماكن المقدسة في القدس، حيث هو الراعي وصاحب الوصاية، وليس علينا أن نذكر ان القدس تهود والأقصى يستباح، في ظل ان العلاقات بين البلدين تشهد تقدمًا ثابتًا على المستوى الأمني والاقتصادي والسياسي، لا سيما على مستوى السياسات الإقليمية.

كلمات دلالية