خبر المسار السوري والاحتمالات المتوقعة ..علي بدوان

الساعة 12:26 م|11 ديسمبر 2008

مرة جديدة يعود الملف التفاوضي السوري الإسرائيلي إلى طاولة البحث والاهتمام داخل إسرائيل اثر التطورات الجديدة واحتمالاتها المتوقعة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية للكنيست الثامنة عشرة وما سيرافقها من تحولات على صعيد الخريطة الحزبية الائتلافية الاسرائيلية، إضافة إلى نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي أطاحت بالجمهوريين والمحافظين الجدد، حيث ينتظر المراقبون والمتابعون ما سيأتي به السيد الجديد في البيت الأبيض باراك أوباما ومواقفه من جملة قضايا وتحديات أبرزها الأزمة الاقتصادية العالمية، وبرنامج إيران النووي، والانسحاب من العراق، وتصاعد الحرب في أفغانستان.

وبالطبع فان القضية الأساسية ستكون العملية السياسية في الشرق الأوسط على ضوء تعثر »خريطة الطريق« الأميركية على المسار الفلسطيني، إضافة للملف التفاوضي السوري الإسرائيلي الذي بات منذ زمن في سبات عميق، وما سيكون عليه موقف الولايات المتحدة من سوريا، خصوصاً أن الحاجة إلى سوريا في سياق أي تسويات قادمة حاجة لازمة وقائمة وماثلة، ولا سيما للولايات المتحدة، وهو ما يرتب على الإدارة الأميركية الجديدة ضرورة القيام بخلق مقاربة مغايرة لقضايا المنطقة وأزماتها العالقة، وهي عملية قد تقودها إلى محاولة اجتراح تسويات ثنائية أو تسوية متكاملة لها. ومن هنا يمكن القول بأن الفترة الحالية فترة ترقب بانتظار »تسلّم الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة والحملات الانتخابية البرلمانية ونتائجها في شباط/فبراير القادم في إسرائيل، بينما في السلطة الفلسطينية ستنتهي ولاية الرئيس محمود عباس، في التاسع من كانون الثاني/يناير القادم.

ومع أن المسار السوري لم يكن غائباً عن أجندة وأعمال حكومة أيهود أولمرت الائتلافية، إلا أن التطورات المذكورة أعلاه ستدفع بالضرورة الحكومة الإسرائيلية القادمة لتنشيط هذا المسار بعد مجموعة من الاستخلاصات التي باتت بدورها موقع إجماع حزبي في إسرائيل، وعلى رأس هذه الاستخلاصات النتيجة التي تقول بأن طريق إسرائيل نحو العالم العربي يمر عبر إنجاز اختراق ملموس ومؤثر على المسار السوري بالتوازي مع استمرار عملية التفاوض مع الطرف الفلسطيني بالرغم من المعيقات التي أمست تعترض هذا المسار منذ سنوات خلت، فشمعون بيريز يعلن من لندن ومن داخل قصر بكنغهام يوم الثامن عشر من تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٠٨ بأن مبادرة السلام العربية، التي جاءت كنقيض لـ (اللاءات الثلاث) حسب رأيه، لا يمكن أن تحقق أهدافها من دون مفاوضات مع سوريا قبل غيرها.

وعليه، فقد اكتسبت مسألة العودة لـ »الخيار السوري« قسطاً كبيراً من اهتمام المتابعين، كما عادت إلى مقدمة الـمسرح في إطار احتدام الجدل الداخلي الإسرائيلي حول ضرورات وأهمية التفاوض مع دمشق مع انتخاب باراك اوباما، الذي يعمل بدوره على بلورة طاقم الأمن القومي الأميركي المعني بوضع الخطوط العريضة للسياسات الأميركية المفترضة في الشرق الأوسط باعتبارها ما زالت تحتل فيه مكانة أولى، وعلى رأسها العملية التفاوضية بين إسرائيل والأطراف العربية المعنية، والخوض مرة جديدة في لباب الـمعضلة الكلاسيكية (القديمة الجديدة) وعنوانها أي مسار هو الأهم، الفلسطيني أم السوري؟ فأنصار الخيار السوري في البيت الأبيض يطرحون جملة من الادعاءات والذرائع الميكانيكية الساذجة، ومنها القول بأن ملف الصراع الإسرائيلي/السوري أقل تعقيداً من ملف الصراع الإسرائيلي/الفلسطيني، وأن في دمشق مرجعية أكثر فعالية وأقوى صلاحية مما في فلسطين، وأن التفاوض مع دمشق ينطوي على مفتاح الانقلاب الجيوسياسي في الـمنطقة من خلال تفكيك علاقات سوريا مع إيران.

في هذا السياق، وفي مجالات إمكانية قيام إدارة الرئيس باراك اوباما منح أولوية للـمسار التفاوضي الإسرائيلي مع السوري، وإذا ما انتخبت في إسرائيل حكومة راغبة في التعاون في هذه الـمسألة في فبراير/شباط القادم، فإن مشكلة إدارة أوباما الديمقراطية ستبرز من جديد في سياق وضع جدول أعمال جديد للسياسة الخارجية الاميركية إزاء سوريا، ومدى قدرة الإدارة الاميركية الجديدة على وضع منظور استراتيجي للسياسة الخارجية الاميركية إزاء سوريا والشرق الأوسط بحيث يتضمن هذا المنظور التعاطي الموضوعي لجهة الصياغة ووجهة التنفيذ الموضوعي المستقل عن تأثير الأطراف الخارجية والأطراف الداخلية المتحيزة.

بالمقابل، إن إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة تدرك تماماً أنها في المواجهة السياسية والدبلوماسية التفاوضية مع سوريا لن تكون أمام مفاوض بسيط، بل ستكون مرة ثانية أمام مفاوضات صعبة بحد ذاتها مع مفاوض حاذق، فسوريا الوفية لنهجها، لن تلقي بنفسها في أحضان اوباما، أو أي وعود سرابية ما لم تترافق مع مواقف عملية تدفع باتجاه تحقيق الاستجابة الاسرائيلية لمتطلبات السلام الشامل القائم على أساس المرجعية الدولية قولاً وعملاً، كما تبدو سوريا متمسكة بتفاهمها الاستراتيجي مع إيران، وليست في صدد التفريط به مقابل وعود غامضة بتسوية أشد غموضاً مع إسرائيل، فيما قدمت دمشق بالوقت ذاته وخلال عام كامل ومن خلال مفاوضتها غير المباشرة مع إسرائيل عبر تركيا، نوايا ايجابية.

فوق ذلك، لا تستطيع سوريا إقرار أي تسوية مع إسرائيل ما لم تتأمن بموجبها مطالب الحد الأدنى وهي : الانسحاب إلى خطوط وقف النار كما كانت عليه في ٦/٤/،١٩٦٧ وإعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة إلى لبنان، والمحافظة على حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وفي مقدمها قيام دولة مستقلة وفق قرارات الأمم المتحدة تكون عاصمتها القدس وتضمن حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم، خصوصاً أن سوريا تستضيف فوق أراضيها أكثر من (٧٠٠) ألف لاجئ فلسطيني منهم بحدود نصف مليون منذ العام .١٩٤٨

وعليه، فسوريا التي رحبت بانتخاب أوباما عبر رسالة التهنئة التي أرسلها إليه الرئيس بشار الأسد، سارعت للتأكيد على قائمة مطالبها العادلة لاستئناف المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي، فدمشق بالفعل تمتلك مفتاحاً مهماً للتغيير الجيوسياسي في الشرق الأوسط، ولكن التفاوض معها حول هذا الـمفتاح سيكون ملتوياً وصعباً. فسوريا تسعى للتسوية السلمية، ولكنها لن تقطع الصلة بإيران كشرط للتسوية، إلى جانب محاولة بناء منظومة علاقات جديدة مع واشنطن واستعادة هضبة الجولان كاملة غير منقوصة.

([) كاتب فلسطيني ـ دمشق