خبر مأساة اسرائيلية ..بقلم: آري شافيت

الساعة 10:00 ص|11 ديسمبر 2008

(المضمون:  هيمنة المتطرفين على الليكود ليست مأساة لنتنياهو بل للمجتمع الاسرائيلي كله الذي يجدر به اجتثاث سرطان التطرف من جذوره - المصدر).

 

        الليكود انتصر في الجولة الثانية ايضا من المعركة الانتخابية لعام 2009. ولكنه انتصر على نفسه في هذه المرة. الليكود المصاب بنشوة اللحظة السانحة افلت كل لجام وكل قيد. اختار اليمين الشرعي المنفصم عن الواقع بيد واحدة، واليمين غير الشرعي المنفصم عن الديمقراطية باليد الاخرى. الليكود نسي تماما عبر الهزيمة في الانتخابات السابقة. بدلا من ان يموقع نفسه كحزب وسط- يمين جدير وناضج، اعتبر نفسه حزب يمين – يمين قصير العمر. بدلا من السير وراء قائد حاول تحسين نفسه وتحسين حزبه وتحسين دولته، تمرد حزب الليكود مرة اخرى. ومقابل هذا التمرد- المضاد للواقع والمضاد لمسار القرن الواحد والعشرين والمضاد لبنيامين نتنياهو- سيدفع الليكود الثمن باهضا.

        القلب ينفطر على بنيامين نتنياهو. عشرين عاما ضيعها وهو يسير وحده ضد التيار. يشوهون اسمه طوال عشرين عاما ويلغون وجوده. ولكنه ليس مجرد انسان ذو قدرة وطاقة تمكنه من التحليق وفهم سياسي واقتصادي نادر. نتنياهو يجسد اليمين غير المتدين وغير المسيحي واليمين الذي ليس بسرنمي غريب الاطوار. نتنياهو يمثل محاولة بلورة نقطة التقاء بين فلسفة زئيف جابوتنسكي وبين عالم براك اوباما. ولكن الان تحديدا حيث يسلم نتنياهو بالعملية الطويلة المتعبة القائمة على تطوير الذات وكبح النفس، يأتي المنتسبون لليكود ويفرضون عليه خط التطرف. تحديدا الان حيث يسير بيبي نحو الوسط حقا، يطل غريبوا الاطوار برؤوسهم مرة اخرى ويفرضون عليه الهوامش.

        الانتخابات الغريبة في الليكود لم توجه ضربتها لنتنياهو وحده فقط. هي موجهة ضربة للعملية الديمقراطية الاسرائيلية. اغلبية الاسرائيليين اجتازت خلال العقدين الاخيرين عملية اعتدال، ولكن اعضاء الليكود لم يسمعوا. اغلبية الاسرائيليين اختارت الوسط خلال العقد الاخير، ولكن اعضاء الليكود لم يروا ذلك. اغلبية الاسرائيليين طالبت بالتغيير في العامين الاخيرين، ولكن اعضاء الليكود لم يفهموا. النتيجة هي نتيجة لا تحتمل: رغم ان اغلبية الاسرائيليين معتدلة وعقلانية وقادرة على التفاوض والتحاور مع عالم معتدل ومتعقل، الا ان الاغلبية المتعصبة في الليكود تسعى لاعادتهم للوراء نحو التعصب الظلامي الخطير.

        تسيبي ليبني اخطأت خطأ جسيما عندما قالت ان ثقل موشيه فيغلن ورفاقه لا يثقل عليها. وزن فيغلن ورفاقه يعتبر ثقلا على كاهل كل مواطن اسرائيلي منطقي ومتعقل. صحيح ان نجاح "القيادة اليهودية" يخدم قيادة كاديما على المدى القصير. وصحيح ان انتصار جيلا جامليئيل يخدم ايلي افلالو ضمن المصلحة الفورية المباشرة. ولكن ما تكشف في ليكود هذا الاسبوع قد يظهر في كاديما ايضا في الاسبوع القادم: الجهاز الحزبي الاسرائيلي ليس فاعلا. الجهاز الحزبي لا يمثل الجمهور ولا يخدم مصلحتهم ولا يوفر له القيادة التي تليق به. السياسة في اسرائيل تحولت الى تهديد استراتيجي لمستقبل دولة اسرائيل.

        اذن فالمأساة ليست مأساة نتنياهو وحده. المأساة هي مأساة اسرائيلية. لقد بني في اسرائيل في الجيل الاخير اقتصاد حر وقوي ومثير للاعجاب. ونشأ فيها في العقدين الاخيرين مجتمع مدني منفتح ووقاد. الاسرائيليون انخرطوا في العولمة واصبحوا طليعة ريادية في الابداع الخلاق في مجالات كثيرة. ولكن في نفس الفترة من التقدم تراجعت السياسة للوراء. الجهاز الحاكم صامت والاحزاب فاسدة والجدل الشعبي اصيب بالانحلال. في الوقت الذي تفوق فيه الكثيرون من الاسرائيليين كأفراد بدوا مثل الحمقى او من يظهرون في صورة الحمقى كمواطنين. هم سلموا بوضع يقود فيه اشخاص غير جديرين بالدولة والسياسة الوطنية.

        لا حاجة للوقوع في خطأ: فيغلن ليس وجها جديدا في المرآة . فيغلن هو مرآة قد اعطبت وافسدت. انظروا من حولكم: فيغلن لا يمثل اسرائيل الطبيعية التي تعرفون. هو يمثل حقيقة ان اسرائيل الطبيعية لا تنجح في توفير تمثيل سياسي ملائم لنفسها. فيغلن هو ورم منفلت من التطرف غير ذي الصلة الذي يكبر ويتنامى في الفراغ الذي يخلفه  الضعف واللامبالاة التي يتميز بها المعتدلون العقلانيون.

        في الثمانينيات وبداية التسعينيات تم اسكات حزب العمال البريطاني من خلال خلايا تروتسكيا تغلغلت في صفوفه واستغلته والحقت به ضررا فادحا. توني بلير صعد الى الحكم فقط بعد ان نظف حزبه من هذه الخلايا الخبيثة وقام بترميمه كحزب وسط سياسي. هذا ما يتوجب على نتنياهو ان يفعله الان بالضبط. عليه ان يضرب بيد من حديد تلك الخلايا والانسجة التابعة لفايغلن. ولكن ذلك ليس كافيا. السرطان الذي يتفشى الان في جسد الليكود يشير الى وضع جهاز المناعة في الجسم السياسي كله. فور انتهاء المعركة الانتخابية، يجدر بنتنياهو وليبني وايهود باراك ان يعملوا معا حتى يداووا السياسة الاسرائيلية من الاساس. نحن نستحق اكثر من ذلك.