خبر مهلة العشرة أيام لقطر تنتهي غداً.. فما هو القادم ؟

الساعة 06:02 ص|02 يوليو 2017

فلسطين اليوم

 تُسدل الأزمة الخليجية، يوم الخامس من تموز/يوليو الجاري، شهرا كاملاً على الحصار الذي يضيّق الخناق على قطر، منذ قطع ثلاث دول خليجية (السعودية والإمارات والبحرين، مدعومة من مصر) علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة؛ من دون أن تبرز في الأفق مؤشرات ملموسة لحل الأزمة، على رغم نبرة التفاؤل الملحة للكويت، ونداءات دولية تطالب «دول الحصار» بالتعقل والجلوس إلى طاولة الحوار المباشر، بغية إيجاد مخرج لأعنف أزمة تشهدها منطقة الخليج منذ غزو العراق عام 2003.

وعلى الرغم من كل النداءات الدبلوماسية والإنسانية الدولية المطالبة بوقف الحصار فوراً، والتصريحات المنددة بالمطالب «التعجيزية» و»الاستفزازية»التي رفعتها الدول المقاطعة، في شاكلة الموقف الأمريكي والألماني والتركي؛ فقد أبان «المقاطعون» عن «نية مبيّتة» للتصعيد، ورفض أي تفاوض حول المطالب الثلاثة عشر، أو التخفيف من حدة الخلاف مع قطر؛ مقابل إمعان تلك الدول، عبر مسؤوليها ووسائل إعلامها في التصعيد، والتوعد بالمزيد من العقوبات الاقتصادية، والعزلة السياسية، وتهديدات مبطنة بفرض ضغوط عسكرية (إنشاء قوة عسكرية مشتركة للدول المقاطعة، في المنامة)؛ في حال عدم «رضوخ» الدوحة للائحة المطالب، ابتداء من غد الاثنين الثالث من تموز/ يوليو تاريخ انتهاء المهلة المحددة لقطر للرد على قائمة المطالب!

دبلوماسية الدوحة

الهادئة لمواجهة «التصعيد»

وفي الوقت الذي يحبس فيه العالم أنفاسه، ترقبا للخطوات التصعيدية المقبلة، تبدي الدوحة إصراراً على عدم التنازل عن مبادئها السيادية، مدعومة بإجماع دولي لافت، أقرّ منذ الوهلة الأولى بعدم «عقلانية وواقعية» المطالب المرفوعة من دول المقاطعة.

وعشية الإعلان الرسمي لدولة قطر عن موقفها من قائمة المطالب، لم يجد وزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بداً من القول إن المطالب «وضعت لترفض»، مؤكداً في الوقت ذاته تمسك قطر بـ «الحل السلمي»، والمضي في دبلوماسيتها الهادئة، القائمة على «الحوار» و»العقلانية» في التعامل مع قائمة مطالب دول الحصار، على رغم إمعان هذه الأخيرة وتعمدها التصعيد الدبلوماسي والإعلامي، متعاملة مع نداءات «التعقل» الدولية، بمنطق «الأطرش في الزفة»!

وجدّد الوزير القطري من واشنطن التأكيد على «استعداد الدوحة للتفاوض بشأن قضايا مشروعة تهم جيرانها بالخليج»، لافتاً إلى أن «بعض المطالب تنافي المنطق».

وأضاف: «لا يمكننا قطع العلاقات مع ما يسمى بالدولة الإسلامية والقاعدة وجماعة حزب الله الشيعية اللبنانية لعدم وجود مثل تلك العلاقات… ولا نستطيع طرد أي عضو في الحرس الثوري الإيراني لأنه لا يوجد أي عضو داخل قطر».

وقال الشيخ محمد آل ثاني إنه نظرا لأن قطر لن يمكنها الكف عن أمور لم تفعلها قط «كان علينا أن نستنتج أن الغرض من المهلة ليس معالجة القضايا المدرجة، وإنما الضغط على قطر للتنازل عن سيادتها. وهذا ما لن نفعله».

قطر وتركيا…تمسك

بالشراكة رغم التهديدات

وفي مواجهة التهديدات التي أطلقتها الدول المقاطعة، في حال لم تتخلّ عن القاعدة العسكرية التركية في الدوحة، جاءت زيارة وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري خالد العطية إلى تركيا، تأكيداً على استمرار الدوحة في شراكتها الاستراتيجية مع أنقرة، بالتزامن مع الإعلان عن وصول دفعة تعزيزية من القوات التركية، في ردّ حازم، على رفض «الإملاءات» التي يحاول المقاطعون فرضها على القرار السيادي لدولة قطر.

الدبلوماسية القطرية الأكثر إقناعاً

وفيما تتمادى الدول المقاطعة في تشديد الخناق عليها، تحصد الدوحة دعما دوليا لافتاً، كان أبرزه تصريح وزير الخارجية الألماني الذي وصف بعض مطالب الدول المقاطعة بأنها «استفزازية جداً».

وقال رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني في مقابلة مع CNN، إن السعوديين «ليس لديهم وزن في المنطقة» لإملاء أوامر على قطر، على حد تعبيره، تعقيباً على قائمة المطالب التي رفعتها السعودية والإمارات والبحرين.

وضمن الحراك الدبلوماسي للدوحة، التقى وزير خارجيتها محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، مندوبي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين، وتم بحث آخر مستجدات الأزمة الخليجية. كما عقد اجتماعاً مع سفراء الدول غير دائمة العضوية في مجلس الأمن، حضره كل من سفراء السويد وإيطاليا والسنغال وأوكرانيا وكازاخستان والأروغواي وأثيوبيا واليابان وبوليفيا.

وخلال الاجتماعات، أطلع الوزير القطري، أعضاء مجلس الأمن على مستجدات الأزمة الخليجية الراهنة، والإجراءات غير القانونية التي تم اتخاذها ضد دولة قطر، مؤكداً إيمان دولة قطر بأهمية الحوار والتزامها بالقوانين الدولية، ومشدداً على أهمية دعم الوساطة التي تقوم بها دولة الكويت.

وتماشيا مع الموقف القطري، أكد الاتحاد الأوروبي ودولة الكويت، ضرورة الحفاظ على وحدة الخليج وحل الأزمة التي تمر بها المنطقة ضمن إطار البيت الخليجي. وجاء ذلك، في بيان مشترك، عقب مباحثات أجراها وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، ووزير الإعلام الكويتي بالوكالة، الشيخ محمد عبدالله المبارك الصباح، في مدينة دبروفنك الكرواتية مع الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني.

دعم حقوقي..

وحراك شعبي ضد الحصار

وحصدت الدوحة دعما لافتا من منظمات حقوقية دولية، أدانت الحصار المفروض من الدول المقاطعة. ومطالبها غير «العقلانية»، والتي وصلت حد المطالبة بإغلاق شبكة قنوات الجزيرة وكافة وسائل الإعلام المدعومة من طرف قطر؛ في خطوة أثارت استهجانا دولياً، عبر عنه المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، زيد بن رعد الحسين، معلنا أن مطالبة دول عربية لقطر بإغلاق قناة الجزيرة «هجوم غير مقبول» على الحق في حرية التعبير والرأي.

وقال المتحدث باسمه روبرت كولفيل خلال إفادة صحافية، إن الأمير زيد «يشعر بقلق بالغ من مطالبة قطر بإغلاق شبكة الجزيرة بالإضافة لوسائل إعلام أخرى تابعة لها». وأضاف «سواء كنت تشاهدها أو تحبها أو تتفق مع مواقفها التحريرية أم لا فإن قنوات الجزيرة العربية والإنكليزية مشروعة ولها ملايين المشاهدين. المطالبة بإغلاقها فوراً هي من وجهة نظرنا هجوم غير مقبول على الحق في حرية التعبير والرأي».

وبالموازاة، تواصل اللجنة القطرية لحقوق الإنسان جولاتها المكوكية عبر عواصم عالمية، لمحاولة «فضح الانتهاكات الإنسانية الناجمة عن الحصار»، وأعلن رئيسها الدكتور علي بن صميخ المري الاستعانة بمكتب محاماة سويسري، لمقاضاة دول الحصار الثلاث «السعودية – الإمارات والبحرين»، والحصول على تعويضات مالية جراء الانتهاكات التي تعرض لها شعب قطر، ومواطني دول مجلس التعاون الخليجي، مشيراً إلى تلقي 2451 شكوى حقوقية وإنسانية جراء سياسات دول الحصار، منتقدا في الوقت نفسه، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي «المغيّب سياسيا»، داعياً إياه إلى التدخل واتخاذ موقف إنساني، مقابل عجزه عن اتخاذ موقف سياسي!

وشهدت عواصم عالمية نداءات تضامن مع قطر في وجه الحصار المفروض عليها، حيث شهدت باريس وإسطنبول حركات احتجاجية ضد دول الحصار. كما امتد سيل المتضامنين إلى ميادين كرة القدم، في صورة اللافتة الضخمة التي رفعها أنصار فريق تونسي لكرة القدم، تنتقد حصار قطر، والصمت عن إسرائيل!

التصعيد لإفشال أي حل سياسي

وأمام تصاعد الاحتجاجات والرفض الدولي الرسمي والشعبي للحصار. وفيما بدا «نية مبيّتة» لرفض كل نداءات الحوار؛ استبقت الدول المقاطعة انتهاء مهلة العشرة أيام بتصريحات سياسية، وتسريبات إعلامية، تتهم قطر بعدم الجدية في التجاوب مع المطالب، وتتوعدها بإجراءات وعقوبات قاسية، أقلّها تجميد عضوية الدوحة في مجلس التعاون الخليجي، مروراً بعقوبات اقتصادية لتضييق الخناق. فبعد تصريحات وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش بالطلاق مع قطر في حال لم ترضخ كلية لمطالب المحاصرين، تلتها تهديدات أخرى على لسان سفير الإمارات لدى روسيا، متوعدا أن قطر ربما تواجه عقوبات جديدة إذا لم تف بتلك المطالب، وأن دول الخليج ربما تخير شركاءها التجاريين بين العمل معها أو مع الدوحة.

أمّا الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الإمارات ورئيس الوزراء وحاكم دبي، فقد نشر قصيدة على حسابه على انستغرام، دعا خلالها قطر إلى الاتحاد مع باقي دول مجلس التعاون الخليجي.

تهديدات عسكرية «مبطنة»

وعلى الرغم من تأكيد المسؤولين السعوديين والإماراتيين مراراَ على أن الأزمة سياسية أمنية، ولا نية لاتخاذ أي إجراء عسكري ضد الدوحة؛ إلا أن «مجلة الأهرام العربي» نشرت تصريحات غير رسمية عن نية المقاطعين استحداث قوة عسكرية مشتركة في المنامة، فيما بدا أنه خطوة مضادة لإقامة قاعدة عسكرية تركية في الدوحة. ونقلت المجلة، عبر موقعها الإلكتروني، تأكيدها أن تلك الخطوة واحدة من 4 إجراءات سيتم اتخاذها ما لم تستجب قطر.

وأضافت المجلة نقلاً عن «مصادر عربية رفيعة» (لم تسمها)، أن الإجراءات المشار إليها، إلى جانب إنشاء القاعدة، هي: تشديد المقاطعة الاقتصادية، وتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، وتجميد ودائع قطر في الدول المقاطعة.  وأشارت إلى أن الخطوة ستمثل أول وجود عسكري مصري متقدم وثابت في منطقة الخليج.

أطماع «دفينة» لانتزاع مونديال 2022 من قطر

على الجانب الآخر، كشفت الأزمة الخليجية عن أطماع دفينة للنيل من قطر، وإنجازاتها على جميع المستويات. ومن ذلك؛ حملة إعلامية شرسة تشنّها وسائل إعلام سعودية- إماراتية- مصرية للتشكيك في استحقاق قطر لشرف تنظيم أول مونديال لكرة القدم بدولة عربية. وخلافا لكل التصريحات الرسمية والتقارير الإعلامية، قبيل الأزمة، والتي كانت تشيد باستحقاق قطر الدولي، وتثمنه، انقلبت المواقف الرسمية والتقارير الإعلامية رأسا على عقب، ووصلت حد التطبيل لتقرير مايكل غارسيا الذي نشره الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، وتم تسريبه في البداية عبر وسائل إعلام بنية مبيتة لمحاولة التشكيك في شرعية نيل قطر شرف احتضان مونديال 2022. ولم تجد وسائل إعلام سعودية وإماراتية حرجا في المطالبة علنا بسحب المونديال من قطر! قبل أن يأتي الرد حاسما من «الفيفا» بأحقية قطر احتضان الحدث الكروي الأبرز عالمياً، نافية أي تأثير للأزمة الحالية على إيفاء قطر بمشاريعها، استعدادا للمونديال.

وقرّر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الكشف عن تقرير مايكل غارسيا الخاص بتنظيم كأس العالم لعامي 2018 و2022، كاملًا، لتفادي نشر أي معلومات غير صحيحة. وبرأت لجنة الأخلاق في الفيفا ملفي روسيا وقطر من أي شبهة. كما أعلن الاتحاد الآسيوي لكرة القدم دعمه لقطر بشأن استضافتها بطولة كأس العالم 2022، مشدّدا على أن كأس العالم 2022 سيشكّل محطة تاريخية من خلال تنظيم البطولة للمرة الأولى في الشرق الأوسط والعالم العربي».

«البيت السعودي» من زجاج

على الجانب الآخر، بدأت الأزمة الخليجية تكشف عن بعض جوانبها الخفية، وارتداداتها على دول الحصار. وكان لافتاً أن التغيير الذي حدث في المملكة العربية السعودية بتعيين محمد بن سلمان وليا للعهد، وإبعاد محمد بن نايف، لم يكن بمنأى عن التطورات التي تشهدها الأزمة الخليجية، على الرغم من أن القرار كان مرتقبا، لكن سرعة حدوثه، أثارت العديد من التساؤلات والقراءات، عن دوافعه، في ظل الحديث عن «علاقات مميزة» تربط ولي العهد «المقال» بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

وبدأت تنكشف أولى الألغاز في تقريرين لصحيفتي «نيويورك تايمز» و»الغارديان»، أشارا إلى أن ولي العهد السعودي السابق الأمير محمد بن نايف الذي أعفي من منصبه الأسبوع الماضي، وعين مكانه ابن عمه الأمير محمد بن سلمان، ممنوع من مغادرة قصره في مدينة جدة. ونقلت «نيويورك تايمز» عن أربعة مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين مقربين من العائلة السعودية الحاكمة تأكيدهم منع ولي العهد السابق من مغادرة القصر، فيما اعتمدت «الغارديان « على مصادر من العائلة المالكة السعودية نفسها.

سيناريوهات الحل

وأمام اشتداد الأزمة، وغياب أفق حقيقي للحل عشية انتهاء المهلة المحددة لقطر للرد على لائحة المطالب، نشرت وكالة أنباء “الأناضول» التركية، تقريراً يطرح 3 سيناريوهات متوقعة في ضوء الرفض المرتقب للمطالب من الدوحة التي تعتبرها غير واقعية وغير قابلة للتنفيذ، وأنها مجرد ادعاءات بدون أدلة، وكذلك في ضوء تهديدات الدول الأربع المتواصلة للدوحة من مغبة الرفض .

وقالت الوكالة إن السيناريو الأول، وهو الراجح وقوعه، يتضمن تشديد الحصار على قطر مع فرض حزمة عقوبات جديدة. أما السيناريو الثاني، فيقوم على التصعيد العسكري، وهو سيناريو مستبعد، إلا أنه يستخدم كورقة ضغط من الدول المقاطعة كوسيلة ضغط نفسي، إما بالتصريح أو التلميح.

في حين أن السيناريو الثالث، يرجح الوصول لاتفاق لحل الأزمة، وهو أمر يبدو مستبعدا في الأفق القريب، في ظل استقراء ثبات المواقف الحالية لأطرف الأزمة.

 

 

كلمات دلالية