خبر تحصين على حساب الجيش /بقلم: عوفر شيلح

الساعة 03:45 م|10 ديسمبر 2008

معاريف - مقال - 9/12/2008

كاتب دائم في الصحيفة

(المضمون: اذا كانت الصواريخ والقاذفات الصاروخية هي التهديد الاساس فينبغي اعادة النظر بدقة وبعيدا عن العواطف لبنية الجيش، قوته وميزانيته  -  المصدر).

        ضباط كبار في الجيش الاسرائيلي يستطيبون الحديث عن الحرب الحديثة. هذا هو الامر الذي ينشغلون به كل حياتهم، وهو حقا يجتاز تغييرات كبيرة في العقود الاخيرة. من ايران وحتى غزة، كما يشرحون، العدو يبني نفسه بطريقة مغايرة، بصيغ مختلفة من حيث الحجم والقوة على ذات المبادىء: الحد الادنى من التعرض لوسائل الدمار الاسرائيلية، والحد الاقصى من قدرة المس بالجبهة الداخلية. الحد الادنى من الوجود فوق الارض وقوات المناورة والحد الاقصى من التمترس، والانخراط بين المواطنين وقوة النار.

        ما يستطيبه جميعهم اقل هو الحديث في التغييرات التي ينبغي أن تتم لهذا الغرض في محافل الامن الاسرائيلية، بل وبقدر لا يقل عن ذلك في كلمة أمن" نفسها. اذا كان هذا هو العدو فان قسما لا بأس به من الجيش الاسرائيلي القائم هو ذو صلة اقل للتصدي له. اذا كان هذا هو العدو، فان مجرد التفكير بانه سيتم معالجته بقوات مهاجمة، تنقل الحرب بسرعة وبنجاعة الى ارض العدو، هو تفكير عدمي.

        كل هذا يبدو كنقاش نظري في مفهوم الامن، المفهوم الذي عندما يسمعه الاسرائيلي يرسل يده على الفور نحو كيس النوم. ولكن له معان فورية، من حيث الميزانية والمفهوم، كل واحد منا يفهمها. خذوا مثلا التسويف في تحصين البلدات في غلاف غزة، والذي سحبت الحكومة اقدامها فيه على مدى السنين ولم تمنحه الرد بالحد الادنى على تهديد الصواريخ. ولم تجدي الاحتجاجات والالتماسات الى محكمة العدل العليا ولا التغطية الاعلامية.

        "لن نحصن انفسنا حتى الجنون"، قضى رئيس الوزراء بنزعة السيد القيادية، والمال لم يصل. اول أمس فقط في عمل وداعي آخر لايهود اولمرت، الذي تبين فجأة ان لديه حساسية ومالا لكل شيء، قررت الحكومة تخصيص مئات الملايين لشيء اولي مثل الغرف المحصنة في البلدات المتعرضة لهجمات الصواريخ منذ سبع سنوات.

        وزير الدفاع ايهود باراك ونائبه متان فيلنائي كانا من كبار المؤيدين للتحصين. فهما يعتبران مسؤولين عن وضع لا يستطيع فيه المواطنون ادارة حياة عادية منذ زمن بعيد. ولكن لما كان لا يوجد لدينا نقاش حقيقي في آثار الواقع، فقد اعفي جهاز الامن من الجانب الاخر من العملة: اذا كانت بالفعل طبيعة التهديد على اسرائيل مغايرة، واذا لم يكن القسام سوى الشقيق الاصغر للكاتيوشا والسكاد وشهاب، فان المال للتحصين يجب أن يأتي من ميزانية الدفاع – وعلى حساب تلك العناصر في الجهاز التي اصبحت غير ذات صلة في الواقع الجديد.

        اذا كان التهديد على اسرائيل هو الصواريخ الموجهة للجبهة الداخلية، فان الامن يصبح تخطيط المدن وترخيص المباني ومنظومة المواصلات العامة، التي شكلت الملاجىء الجماعية في مدن اوروبا في الحرب العالمية الثانية. الامن يصبح توزيع وتخطيط رموز الدولة ومنظومات السلطة والتعليم للمواطنين. الامن يصبح تعزيز لمنظومات مثل الاطفائية والنجدة، الشرطة والحكم المدني. وبالتوازي، الامن يصبح فحصا دقيقا وبعيدا عن العواطف لبنية، قوة وميزانية الجيش الاسرائيلي، الذي قام على اساس مفهوم آخر تماما.

        لو اراد باراك ولفني أن يقوما بالمهمة باكملها، لكان يتعين عليهما، في اطار اعادة التعليم، تخصيص المال لتحصين غلاف غزة من ميزانية الامن، وان يظهرا على حساب ماذا أتى هذا. لو اراد اولمرت ان يكون رئيس الوزراء حقا لكان انشغل لزمن طويل وبجدية في اعادة التخطيط والميزانية لكل اجهزة الامن في اسرائيل بحيث تتوافق مع التهديد الحقيقي الذي نقف امامه. ولكن جهاز الامن، على طريقته دائما، يريد التحصين اضافة الى كل ما يوجد لديه، وذلك ايضا لانه في الحكم الاسرائيلي لا يتطوع احد للتنازل عن أي شيء وكذا بسبب العقلية التي تقول ان "التحصين" هو امر منكر – واسرائيل دوما تنقض وتهاجم. ورئيس الوزراء؟ هو بالاجمال يريد أن يوزع بعض الهدايا وهو في طريقه الى الخارج كي لا يتذكروه فقط بالسوء.