خبر ترامب... وعودة الجاهلية الاولى !! ... د. غازي حمد

الساعة 01:40 م|14 يونيو 2017

 (1) شبكة عنكبوتية مرعبة

كنت دوما ضد نظرية المؤامرة , نظرا لأنها دائما تكشف عورتنا وتحسر عن ضعفنا – وأحيانا غبائنا السياسي-, وتظهرنا وكأننا دمى في ايدي الامريكان والغرب والصهاينة , يصنعون بنا ما يشاءون : يقلدون الحكام , ينشئون ثورات ثم يهدمونها.. يقيمون الاحلاف ثم يفككونها .. يوزعون الشهادات الوطنية وشهادات الارهاب..يخلطون قيمنا الطاهرة بالسموم وجميع انواع المخدرات.. لدرجة انهم يستخفون بمقدراتنا وثوارنا وعلمائنا ويجعلوننا (مضحكة) امام شعوبنا (الغلبانة) التي تسلم في (نميمتها ) السياسية باننا عاجزون امام (القوى الكبرى) , وانه في نهاية المطاف (ليس لها من دون الله كاشفة )!!

لكني اصدقكم القول انني حينما بدأت التقط بعض  الاحداث الكبرى والخطيرة التي تعصف بالمنطقة وما حولها, واحاول ربطها مع بعضها البعض , تمثلت لي بما يشبه الشبكة العنكبوتية المرعبة , والتي قادتني الى قناعة ان هناك من يلعبون في ساحة بيتنا , ويسرقون طحيننا وزيتنا ,ويستبدلون اعلامنا, ويبولون على حوائطنا ونحن نائمون !!

ليس ادل على ذلك من حالة الوهن غير المسبوقة التي تعصف بالأمة العربية, ومن الانتكاس والارتكاس الى الجاهلية الاولى,و(نهوض) القبلية واستجلاب (الفرنجة) مرة اخرى الى بلادنا, وغرقنا في وحل الصراعات الداخلية ,وعودة « الرايات السود » التي شوهت صورة الاسلام والمسلمين وجعلتنا احاديث لكل السمار وعابري الطريق .

 (2) مسلسل احداث دموية

     كثيرة وكبيرة هي الاحداث التي عصفت بالمنطقة في زمن قياسي جدا لم يتجاوز الاشهر,وهي احداث في مجملها دموية ,صاعقة, مربكة, نجحت في ايقاف العالم على قدميه, وتصدرت المانشيتات الاعلامية , ورفعت مستوى الخطر الى « البرتقالي », ودفعت الدول الكبرى للتحرك ورسم الخطط واعادة تركيب الاحلاف , في مشهد قال عنه الكثيرون انه « شرق اوسط جديد ».

من محاولة الانقلاب المخطط لها بإحكام في تركيا , وتلهف الكثير من الانظمة على سقوط (الباب العالي)..الى الهجمات الدموية في اسطنبول .. الى مسلسل التفجيرات الذي انطلق من باريس ثم انتقل الى بروكسيل ثم قفز الى لندن ومانشستر, بنفس الاسلوب وبنفس الطريقة, وكأن المخطط والفاعل هو نفسه, ثم جاء مسلسل التفجيرات المرعبة ضد الاقباط في مصر في حالة اشبه بالجنون ... ثم تحولت الى الاردن لتضع بصماتها .. ثم قفزت الى البرلمان الايراني« وضريح الخميني.

شماعة الاتهام (جاهزة) وتأتيك في سرعة الضوء!!

بعد ثوان تكون (داعش) قد اصدرت بيانها وتبنت عملياتها , وكأن (داعش) مفتحة لها الابواب ,تسرح وتمرح, وتنقل المتفجرات وتجند الانتحاريين من مختلف العواصم, والامن العربي والاوروبي والامريكي غارق في العسل !!

ان العجز عن ازاحة (داعش) عن الرقة والموصل لاكثر من ستة أشهر مع وجود تحالف دولي كبير الى جنب الاكراد والحشد الشعبي والقوات العراقية , وسيطرتهم على مناطق واسعة في سوريا ودول اخرى, وقدرتها (الخارقة) على مواجهة جيوش منظمة تملك اسلحة وطائرات ودبابات متطورة, يمكنها من استنزاف مقدرات الامة العربية ونشر الفوضى الخلاقة, وفي فتح الابواب امام التدخل الخارجي /الاجنبي , مما يعيد صياغة الخارطة العربية من جديد , والتي تمثلت في وضع (بعبع) الارهاب كأولوية استراتيجية للمنطقة ودفعها الى ابرام صفقات اسلحة كبرى لمواجهتها ..وبالتالي – وهو الاهم -نسيان (بعبع) اسرائيل , والتي استغلتها بشكل ذكي كي تدفع نفسها لتكون ضمن- الدول المعتدلة- التي  تحارب الارهاب .

ان هذا يضع الف علامة استفهام حول من يقف وراء عملية الاستنزاف الكبرى للامة العربية وسرقة مقدراتها و(خربطة) أولوياتها و(شرشحة) جيوشها واظهار عجز حكامها .

دع عنك المستنقع الدموي الذي غرقت فيه سوريا والعراق واليمن وليبيا , والذي فتح عليها ابواب الغزو المغولي الجديد, وحولها الى (خرابة) يسكنها الجن ومردة الشياطين , وابقى فيها حنفية الدم مفتوحة .

وهنا يأتي السؤال: من المستفيد من كل هذه الفوضى الدموية وحالة التفكك والانهزام ؟

بالمنطق والحسابات السياسية , اسرائيل الدولة الوحيدة المعنية بكل هذه الفوضى حتى تضمن وجودها قوية راسخة متفوقة ؟؟

هناك من سيعيدني الى السؤال : أي قدرة امنية واستخبارية وعلاقات دولية تملكها اسرائيل حتى تصنع كل هذه الصنائع التي تفوق التصور ؟

الاجابة سهلة اذا تذكرنا ان الكلب يمكن ان ينزو على الاسد المريض !!    

(3) ترامب واللعب على كل الحبال

       في ظل هذه الاجواء المفككة والبائسة , جاءت زيارة (الفاتح) الامريكي »ترامب الى المنطقة  لتعيد ترسيم (الجاهلية) العربية مرة اخرى بين الموالين والخارجين ,بين المعتدلين والمنحرفين , بين الارهابيين والمقاومين.

ترامب شخصية مختلفة عن الرؤساء الامريكيين الذين سبقوه ,فهو يتسم بصراحة ووقاحة في آن واحد , لا يحب المجاملات,  ويطلب بشكل مباشر وفج وخارج عن سياق البروتوكول الدبلوماسي .

يعتقد أنه قادر- باشارة من اصبعه- تغيير خريطة العالم ..واستئصال الارهاب وفرض الصبغة الامريكية على المنطقة.

جاء الى المنطقة وسط ترحاب وتهليل كبير, وبدأت اقلام السلاطين تتحدث عن مرحلة جديدة من الاصطفاف والتحالفات , وبدأت العواصم تسارع بتسجيل اسمائها في كشوفات الدول التي ستحارب الارهاب الى جانب (الفاتح)القادم على متن ِAIR FORCE ONE العملاقة !!

 وبدأت مرحلة تسويق الكيان الغريب من خلال بوابة السلام الاقليمي والامتيازات الاقتصادية الكبرى,  وسال لعاب الكثيرين لولوج عتبة البيت الابيض ,وانتظروا(على الدور) ليجلسوا على الكرسي المجاور لترامب بجانب المدفأة  وتلتقط لهم الصور كي يعودوا الى بلادهم مرفوعي الرأس متخمي الجيوب !!

بؤرة اهتمام ترامب الوحيدة هي الطفلة المدللة (اسرائيل) !!

اقسم قبل الانتخابات وبعدها انه سيكون الفارس الذي يحمي اسرائيل ويضمن تفوقها, ليس من الحروب بل من مجرد كلمة او قرار يؤخذ ضدها, لذا فقد نصب نيكي هيللي- ذات الاصول السيخية - التي اتصفت بوقاحة وصلافة غير معهودة في الدبلوماسية الامريكية لتكون واجهته في المجتمع الدولي ,ولتقرر ان (بلطجة الامم المتحدة في اهانة الطفلة المدللة قد ولي الى غير رجعة), وهددت بانها ستستخدم الحذاء في وجه كل من يقف امام اسرائيل , لذا فان ليبرمان اهداها حذاء ذا كعب عالي كنوع من الامتنان !!.

سياسة البيت الابيض تقوم على جر العرب الى تطبيع وسلام مع اسرائيل دونما ثمن , واخراس الانظمة العربية من خلال التهديد بتوزيع شهادات الارهاب, واسكات ابو مازن بانه لا خيار امامه سوى العودة الى المفاوضات (الابدية), لأنه لم يعد له ظهر, ولان كل الثيران خرجت من الحظيرة وتركته وحيدا.

 وبحسب طبيعة ابو مازن البرجماتية فانه سوف ينحني للعاصفة ليحافظ على رأسه من ان « تطير » في هذه الجاهلية السياسية العصرية .

بدأ ترامب يعلم العرب اصول السياسية من جديد,علمهم ان المرحلة (امريكية محضة), لا يمكن – ولا ينبغي- الخروج عنها , وكشف لهم عن اعدائهم المستترين وراء  الرايات .

اقنعهم ان اسرائيل ليست عدوة, وان الاحتلال والاستيطان ليس عقبة ,لذا لم يتفوهوا في مؤتمر الرياض أمامه بكلمة واحدة ضدها, وانها لا ينبغي ان تظل خارج منظومة الشرق الاوسط, وانه لابد من دمجها واقامة السلم معها .

تجاهل حل الدولتين ..تجاهل الاستيطان ..تجاهل معاناة سبعين عاما من جريمة الاحتلال, وذهب الى (مبكاهم) في مشهد سريالي مسرحي ليقول انه جزء من تاريخهم ودينهم .

لم يصدق نتنياهو , حتى اليميني المتطرف بينت قال انه افضل صديق لاسرائيل !!

(4) عجل السلام وبعبع الارهاب

فرعون البيت الابيض وضع امام العرب (عجل) السلام والتنمية, وطلب منهم جميعا ان يسجدوا امامه ويقدموا له القرابين والاموال والهدايا.

 قال لهم ان (موسى) يريد ان يبدل دينكم ويظهر في الارض الفساد , وانه لابد من التخلص من سحره , لذا فقد استجمع السحرة لابطال (وهج) المقاومة ومحوها من ثقافة الامة, وطلب منهم ان ينقبوا في المناهج ويمحوا كل ما له صلة بالتحريض على مقاومة الاحتلال.

ثم تحول الى ايران  وأقنع العرب انها هي العدو الاوحد والوحيد ,وانه يجب ان تجتمع كلمتهم على مواجهتها , والا فانها فانه ستستأصل خضراءهم .

ومن هنا بدأ في استخراج ما في جيوبهم وتحويلها الى حسابات البيت الابيض.

ومن هنا غير قبلتهم, وعادت عبادة الاوثان من جديد !!

العاصفة الكبرى – والمفاجئة- التي صدعت المنظومة الخليجية وزلزلت اركانها واخرجتها من سياقها التاريخي والسياسي, ووضعت قطر في عين هذا الاعصار, هي نتاج لحالة الفوضى وانقلاب الاولويات التي تريد ادارة ترامب غرسها في المنطقة , فقط لصالح اسرائيل .

كلنا يتذكر ان غزو العراق عام 2003 لم يكن بهدف البترول بقدر ما هو ازاحة وتدمير دولة كاملة من وجه اسرائيل, ومن بعدها (فرطت) السبحة وتحللت المنظومة العربية وتقسمت وتشرذمت .

فقط اسرائيل الوحيدة في المنطقة التي  تشعر بالمتعة وبالاسترخاء وبالانتشاء ؟,وبالفخر انها- ومن ورائها البيت الابيض- أنجزت انجازا استراتيجيا باعادة العرب الى الوراء مائة عام .

تنجح لانها تفكر وتعمل بمنظومة استراتيجية عميقة وعلمية ,

اما نحن فلا نعرف التفكير والتخطيط الاستراتيجي , ولا نعرف كيف نرسم (على كبير) !!

مصانعنا الاستراتيجية ماكناتها خربة معطلة !

,لذا نفرح- ونتشبع- بالتفاصيل الصغيرة , نفرح لفوز في بلدية او جامعة..او حشد في مهرجان , او اعتراف ورقي او قرار من الامم المتحدة ..

هكذا حياتنا كلها تعيش على تفاصيل صغيرة التي لا معنى لها.

يجب ان ننظر في المرآة مرة أخرى  !!

 

كلمات دلالية