خبر في وداع ولدي الحبيب.. بقلم/ خميس محمود جمعة

الساعة 08:19 ص|14 يونيو 2017

فلسطين اليوم

استشهد ولدي الحبيب عائد يوم الجمعة الماضي (9/6) برصاص جنود الاحتلال شرق جباليا، فقد أصيب ولدي برصاصة أطلقها قناص حاقد استقرت في رأسه بين عينيه الجميلتين فسقط شهيداً على الفور في مشهد وثقته عدسات الكاميرات.

أيها السادة..

« عائد » بالنسبة لكم هو المواطن الحر, وهو المجاهد الصادق , وهو المدافع عن حق شعبنا , وهو شرارة كسر الحصار. 

 كنتم تطلون عليه ساعات من النهار أو الليل , ترسمون صورته في أذهانكم .

 أما بالنسبة لنا ,  فإن عائد هو مشوار أمه منذ أن حملته وهناً على وهن وفصاله في عامين ، وتربى على عينها حتى صار شاباً يافعاً تنتظر يوم فرحتها به.

ولدي الحبيب عائد .. سلامٌ عليك وعلى كل من لقيت من الشهداء والصديقين..

ولدي الحبيب ، اليوم ترحل عني وقد بلغت من العمر عشرين عاما،  لكن عزائي  أنك  حيٌ عند رب العرش العظيم تنعم في جنة الخلد بإذن الله مع خير صحبه في الدنيا والاخرة – مع الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم .

ولدي الحبيب وقرة عيني عائد .. يا نبض الفؤاد و نسيم الروح ..  يا حبيب والدك ، يا حبيب أمك ، يا حبيب أخوتك وأخواتك

 نفخر بك وأنت تلتقي اخوانك الشهداء والصالحين  بإذن الله في دار الخلد منعما مكرما ..

عائد .. أيها الساكن داراً خيراً من دارنا ، أيها الأكرم منا جميعا ..

هل يحق لي أن أرثيك.. وكيف وأنت الشهيد ؟ ..

أي لسان يوفيك حقك وقد سماك الله شهيداً..

 لقد اكرمك الله و نلت كل معنى من العلياء،  يا ولدي ..

أيها الصاعد إلى عالم الانعتاق ..

 أيها التارك دار الزوال إلى  دار البقاء .. أي دمٍ رائعٍ هذا الذي منك قد سال يا ولدي .. أي عبق هذا الذي منك قد فاح .. فلقد أبيت إلا الصــعود فوق القمم .. أبيت إلا مكاناً فوق النجوم..

يا ولدي: 

 مودتك ، برك بي ، وبأمك ، حبك وحنانك بإخوتك واخواتك ، ذكرياتك الجميلة معنا، ومع جيرانك ، مع عائلتك اصدقائك وكل من عرفك ، بطولتك ، شجاعتك ، إقدامك ، إيثارك ، صبرك ، فداؤك،  كلها ترثيك في هذه اللحظة وكل لحظة

أتذكرُ حبَك  لدينك ووطنك وشعبك وأمتك،  سعيك  كي تنال حظك الأوفى في الآخرة.

دمك الأحمر لن يُنسى ومظلمتك لن تَبلى  .. وهو في رقاب الباحثين عن الحق أمانة

 أنت يا ولدي كما كل الشهداء،  في ضمير الأحرار ، والمجاهدين والأبطال حي .. وفي ضمير التاريخ صفحة مشرقة وهاجة .

عائد .. في يوم عرسك، زفك كل المحبين من الرجال والنساء، والشيوخ والأطفال ، حتى الطيور والأشجار . فقد ذهبت  إلى الله ملبيا نداءه .

لقد اختارك الله في شهره الفضيل ، فبوركت بطلاً شهيدا بين الشهداء وبورك كل من أحبك وجاءنا معزيا ومواسيا ..

عائد .. جاء موعد اللقاء فنزلت الملائكة واصطفت لاصطحاب روحك الطاهرة إلى بارئها ، وتجهزت الطيور الخضراء لتسكنك حواصلها.

 هكذا ليسدل الستار على آخر صفحة من رحلة العمر في دنيا الفناء،  وتبقى ذكراك حية في قلوبنا ، وتبقى ملامحك ترتسم أمام عيوننا في كل حين.

إلى جنات الخلد يا ولدي ولك مني ووالدتك واشقائك وشقيقاتك وكل الاقارب والمحبين  - ومن شعبك وأمتك وإخوانك في الدين خير السلام ..

ورسالتي كوالد شهيد من شهداء فلسطين الجريحة والحبيبة لكل العرب والمسلمين وللعالم أجمع

 إننا لا نلقي بأبنائنا في فم الموت طواعية ؛ فالموت بالنسبة لنا وجع كما تتخيلوه لفلذات أكبادكم ؛ إننا ندفع من هذا الوجع ثمن صمتكم ,عن قساة القلوب الذين يحاصرون غزة , تحت ادعاءات زائفة,  تشبه الحرص على انقاذ سكان القطاع أو المصلحة الوطنية!!

إن عائد خرج أعزلا من السلاح وهو المدرب والمقاتل وسيد السلاح، لكنه خرج أعزلاً ليوصل رسالة لكل المحاصرين أن يجدوا مخرجا لحصار حليب الاطفال وعلاج المرضى في أقسام العناية المركزة وعلى أسرة الموت البطيء.

 خرج بدون سلاح ليكشف قبح العدو المدجج بالحقد والإرهاب وبأدوات القتل ، أراد أن يقول للجندي الصهيوني وكل من يقف خلفه محاصراً شعبنا أنكم لا تمتلكون شيئاً من الأخلاق.

 ذهب عائد ليقول إن الفلسطيني لن تموت قضيته ومن حقه العودة وتقرير المصير. 

ذهب الى حدود القطاع ليطل على جبال الخليل ويرمق القدس بنظراته ويستصرخ الضفة الصامتة عن حصارنا.

ذهب مستذكراً سنوات كانت تخرج فيها القوافل من غزة تهرع لنصرة الأقصى والدفاع عن ساحاته في وجه الغزاة المستوطنين.

هذه رسالة عائد التي سيحملها كل المحبين لعائد وللشهداء الراحلين إلى علياء المجد.

عائد  تبكي العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ..

أدعو الله أن يجعل مقامك عاليا في جناته، برضانا عليك،   وان يرحنا بعملك الطيب  وهدفك النبيل  وان يصبرنا على الفراق لحين اللقاء، وستظل ذكراك   محفورة بقلوبنا .. ونتذكرك حيا بيننا لأنك لم تمت بقلوبنا ولن تمت.

 

كلمات دلالية