خبر المعادلة الفلسطينية في الأزمة الخليجيةبقلم.. د.أحمد الشقاقي

الساعة 07:17 ص|10 يونيو 2017

كشفت الأزمة الخليجية عمق الخلافات العربية بعد أن أصبح التعهد الأمريكي المفتوح للأنظمة العربية بحمايتها يعمل وفق قواعد جديدة عنوانها الدفع والجزية!! وبعد أن أدى بعضهم دورهم المطلوب منه، تعود أسواق المنافسة مع الحليف الأمريكي للاحتدام وفق الأرقام المليارية المعلن عنها.

غير أن هذه الأزمة وفي تفاصيلها الخارجية، كشفت عن توجه خطير لدى بعض الأنظمة في التطبيع العلني مع دولة الاحتلال. بالإضافة إلى تبني الرواية الصهيونية للصراع، وعكس منطق الإرهاب وإسقاطه على الشعب المقاوم بدلاً من بطش الاحتلال وعدوانه المستمر.

فوضى السياسة التي صنعها ترامب جعلت منه الرجل القادر على ضبط « أزلام » الولايات المتحدة في المنطقة، وتخييرهم بين البقاء والفناء على حساب الجيوب العربية وويلات أطفال الشام واليمن، وصرخات الأمهات في العراق، ووجع المنسيين في أزقة قاهرة المعز، وبالتأكيد المعذبين في فلسطين المحتلة.

الفريق السعودي الذي يقود دفة المشهد حالياً، بدأت أطراف محسوبة عليه بشكل مباشر، تجاهر علناً بعلاقاتها مع دولة الاحتلال، وأمام سرعة وتيرة المشهد تتشكل مواقف رسمية تجاه الاحتلال تخالف المنطق وحتى المواقف العربية الرسمية!!

هذا الفريق وجد نفسه مطالباً بدفع « الجزية » للوالي الأمريكي الجديد، وبالمقابل رأى في نفسه بعد كل هذه الفاتورة الأولى ببسط الهيمنة على الأرض العربية، بعد أن حظي بجرعة من الثقة الأمريكية، ووجد لنفسه مساحة يهاجم فيها شقيقه العربي الذي أزعج بعضهم بسبب أدواره في المحيط العربي.

أما قطر التي احتضنت الأسرة الاخوانية فوجدت نفسها أمام حصار عربي لم تتمكن حتى الآن من استيعابه، بل وتعرضت لهجوم من حليفها الاستراتيجي وطالبها بوقف دعم الإرهاب!! وكأن مخازن « قاعدة العديد » قد فتحت لصالح المقاومة لمواجهة إرهاب دولة الاحتلال.

الاتهامات الموجهة لقطر بدعم حركة حماس يضفي في النفس مزيداً من الألم على الواقع العربي، فالشوارع العربية التي خرجت تنتفض في وجه أنظمتها كانت تحمل همّ فلسطين والأقصى، وهو ما يؤكد أن ثوارت الشارع العربي قد حرفت عن مسارها وضلت طريقها.

إن الزج بحركات المقاومة الفلسطينية في ساحات الصراع الخليجي يجعلنا أمام مجموعة من محددات المشهد السياسي تفرضها ظروف الواقع الحالي:

أولاً: خروج قطر من الفريق الخليجي يدفعها باتجاه الطرف الإيراني المرتبط بحركات المقاومة الفلسطينية، وإن كانت قطر الرسمية تتردد في هذا الخيار فإنها من الممكن أن تلوح بورقة إيران في حدود المسموح أمريكياً وإسرائيلياً-وبعيداً عن علاقات إستراتيجية- وفق محطات تفاهم تكتيكية.

ثانياً: الدعم القطري لحركة حماس عنوانه الحكومة، أما العنوان القسامي داخل حماس فشبكة الاتصالات القطرية لا تدركه، وبالتالي فإن عامل دعم مهم لبرامج تعبيد الشوارع، وإنارة بيوت غزة لأربع أو خمس ساعات سيصبح معرض للانهيار في أي لحظة.

ثالثاً: الموقف الرسمي للسلطة الفلسطينية من الأزمة والذي يقع في دائرة الحياد يجعلنا نفتش في أسباب هذا الحياد على الرغم من الهجوم على حركة حماس في خضم هذا الأزمة؛ وبالتالي فالموقع الذي اختارته السلطة جاء متوافقا مع مصالح شخصية لمن يمتلك الجنسية القطرية وتضم أراضيها أملاكه!!

رابعاً: حركة حماس كتنظيم مقاوم أدرك عمق الأزمة العربية، وبالتالي فإن خيارات ما بعد الأزمة أصبحت واضحة تجاه السعودية التي ترى فيها إرهاب، وفي قطر المعاقبة لدعم حكومتها. وهذا يعني أن حركة المقاومة الإسلامية مطالبة بأن تقدم جديداً في علاقاتها السياسية مع حلفائها الاستراتيجيين بالمنطقة والعالم.

خامساً: التخوف الرئيسي من الأزمة الخليجية أن تكون جزء من برنامج تسوية شاملة يرتبط بمفاوضات « خمسة خمسة » مع الجانب الأمريكي، وبالتالي فرض حلول للصراع في إطار صفقة القرن؛ لأن ذلك يعني أن واقعاً سياسياً جديداً سيتم فرضه، ومن يعارضه سيتهم بالإرهاب ويعاقب بأيد محلية.

إن المخاض الذي تعيشه المنطقة العربية بشكل عام يذهب بنا نحو مشهد جديد بعد أن انطوت صفحة الثورات باستنزاف الشعوب العربية وجعلها مثقلة بهمومها الداخلية. ويعتقد من يرسم المشهد أن هذه الفرصة هي الأنسب للانقضاض السياسي على القضية المركزية وفرض حلول للصراع في لحظات الوهن العربي.

الأزمة الخليجية سواء انتهت باستجابة قطر للمطالب السعودية، أو تفاقمت في ظل رفض قطري لهذه الاشتراطات، فهذا يستدعي من الأطراف الفلسطينية أن تدرك أن عالم السياسية متقلب ويمكن أن ينحرف بصورة كاملة بسرعة البرق، وهذا يستوجب من أصحاب برنامج المقاومة أن يعيدوا حساباتهم تجاه الظروف الداخلية وكذلك تجاه حلفاء المقاومة.

كلمات دلالية