خبر حائط جبريل الرجوب..!- بقلم: ماجد كيالي

الساعة 07:00 ص|08 يونيو 2017

فلسطين اليوم

يصعب الجزم بشأن حقيقة، أو مغزى، ما صرّح به جبريل الرجوب، عضو اللجنة المركزية لحركة « فتح »، للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي (3/6)، بخصوص « حائط البراق » (« المبكى » عند اليهود)، سواء كان ذلك مجرّد زلّة لسان أو تصريحاً مقصوداً، وما إذا كان يعبر فيه عن رأيه الخاص أو عن الموقف الرسمي للقيادة الفلسطينية، سيما أنه عاد ونفى تصريحاته، على جري عادة بعض القياديين الفلسطينيين.

وكان الرجوب تحدث في لقاء للتلفزيون المذكور عن « حائط البراق كونه يحظى بـ »مكانة وقدسية لدى الشعب اليهودي« ، وأنه »يجب أن يبقى تحت السيادة اليهودية...فى المقابل فإن المسجد الأقصى وساحاته حق خالص للمسلمين وللشعب الفلسطيني« ، ما أثار لغطاً وتساؤلات كثيرة في أوساط الفلسطينيين.

معلوم أن الرجوب ليس رجل مفاوضات، ولم يعرف كرجل سياسة، وهو صعد في سلم القيادة، بعد إقامة السلطة الفلسطينية (1994)، باعتباره من الأسرى السابقين، كمسؤول لجهاز الأمن الوقائي، المثير للجدل، ثم كرئيس للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، ثم كعضو لجنة مركزية لحركة »فتح« .

أما الحائط، مثار الجدل، فهو الحائط الغربي للحرم القدسي، وهو عند المسلمين حائط »البراق« ، أو المكان الذي أسرى منه النبي محمد إلى السماء، بينما هو عند اليهود يسمى »حائط المبكى« ، بإدعاء أنه جزء من »هيكل سليمان« ، لذا فهو يحظى بمكانة مقدسة عندهم، أيضاً.

الجدير بالذكر أن ثورة 1929، وهي من أولى الانتفاضات الفلسطينية، اندلعت للرد على ادعاء اليهود بملكيته، ومحاولتهم السيطرة عليه، وذلك قبل قيام إسرائيل، وكان من نتيجتها مصرع 133 يهودياً، مقابل 116 فلسطينياً، آنذاك. وكانت سلطات الانتداب البريطاني تدخلت وقتها، حيث اعتقلت حوالي ألف من الفلسطينيين، وأصدرت أحكام إعدام بحق عشرات منهم، نفذ في ثلاثة في سجن عكا (حزيران 1930)، هم: فؤاد حسن حجازي، ومحمد خليل جمجوم، وعطا أحمد الزير، الذين خلدوا في الذاكرة الفلسطينية.

على أية حال فإن مثل هذه التصريحات المتسرّعة والمجانية، والتي تنم عن مراهنات ثبت عقمها، وضمنها تصريحات سابقة للرئيس الفلسطيني نفسه بشأن التخلي عن حق العودة، مثلاً، لا تفيد الفلسطينيين، وتضر بوحدتهم، وبثقتهم بقيادتهم، بل وتضر حتى بسلامة موقفهم التفاوضي.

بديهي أنه غير المعقول بالنسبة للفلسطينيين إبداء الاستعداد لتقديم تنازلات مسبقة قبل المفاوضات ذاتها، بدعوى إطلاق بالونات اختبار، أو بأية دعوى أخرى، سيما وقد تبين أن إسرائيل لا تبالي بالعملية التفاوضية، التي حولتها إلى متاهة، أو إلى مجرد عملية علاقات عامة، وأيضا لأن العملية التفاوضية مجمدة منذ سنوات، هذا أولاً. ثانياً، تبين بعد ربع قرن على اتفاق أوسلو أن إسرائيل لا تنفذ الاستحقاقات المطلوبة منها، وحتى أنها لم تنفذ استحقاقات »المرحلة الانتقالية« في اتفاق أوسلو (1993)، بل إنها تقوم بكل ما من شأنه ترسيخ واقع الاحتلال والهيمنة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، عبر مصادرة أراضي الفلسطينيين، وبناء الجدار الفاصل وتوسيع الحيز المكاني للمستوطنات، وزيادة أعداد المستوطنين، والاستمرار في محاولات تهويد القدس، وإبقاء السلطة الفلسطينية في مكانة التابع (اقتصاديا وأمنيا)، أو في مكانة مجرد سلطة حكم ذاتي على السكان، وليس على الأرض والموارد. ثالثاً، يخطئ الفلسطينيون كثيراً بتماهيهم مع الرواية الإسرائيلية عن الصراع، بدعوى كسب الثقة، أو إبداء حسن النية، لأن إسرائيل لا تخفي طبيعتها كدولة يهودية، بل وتصر عليها، فضلا أنها غير مستعدة للتخفّف من طبيعتها كدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية وأيديولوجية (دينية). رابعاً، يفترض أن الفلسطينيين أصحاب مصلحة حقيقية بالتمييز بين السياسي والديني، في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، لأن إسرائيل تبرر وجودها بالأسطورة الدينية، ولأن هذا صراع سياسي على الأرض والحقوق والمكانة، وليس صراعا على المقدسات، إسلامية أو مسيحية أو يهودية، أي أن ثمة فرقاً كبيراً بين السيادة، وهي شيء سياسي، وبين القداسة وهي أمر ديني وفردي. والمعنى أن حائط »البراق" هو جزء من مدينة القدس، التي هي بدورها جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، بإقرار المجتمع الدولي وكل الوثائق الدولية. لذا الأجدى للفلسطينيين، رغم امكانياتهم الضعيفة وقدراتهم المحدودة، أن لا ينزلوا البتة تحت سقف الحقوق التي أقرها لهم المجتمع الدولي، لأن ذلك يعني شيئا واحداً وهو تبديد الحد الأدنى من حقوقهم كشعب، وتصفية قضيتهم، والبقاء عند حد الحكم الذاتي في الأراضي المحتلة (1967).

لا أحد يعرف إن كانت تلك التصريحات بالونات اختبار لإسرائيل أو للفلسطينيين، لأن الطرفين لا يحتاجان لبالونات كهذه، بعد كل ما اختبروه، خلال قرابة سبعة عقود، ولأن الفلسطينيين يحتاجون من قيادتهم لأشياء أخرى، أهمها إعادة بناء كياناتهم السياسية وتجديد اجماعاتهم الوطنية، بعد كل التقديمات التي بذلت منذ إقامة السلطة، من دون أن تجدي شيئاً.

كلمات دلالية